أصدرت المنظمة العربية للترجمة كتاب "أجمل قصة عن اللغة" للكاتبة سيسيل ليستيان من ترجمة ريتا خاطر. والكتاب مجموعة من الحوارات مع باسكال بيك ولوران ساجار وجيسلان دوهان، فيما تكمن أهميته في توظيف مجموعة من العلوم لبحث موضوع اللغة: الألسنية والأنتروبولوجيا والبيولوجيا والأركيولوجيا. وينطلق الكتاب من أن ظاهرة اللغة أو غريزة اللغة ليست مسألة لغوية يقتصر بحثها على اللغويين، وخاصة إذا ما امتد البحث إلى النواحي التاريخية والتطورية، أي معرفة ظروف نشأة اللغة وتطورها والعوامل التي أثرت فيها ولا تزال فاعلة إلى اليوم. فاللغة -وفقا للكتاب- أكثر تعقيدا من اقتصارها على علوم كالنحو والصرف والأصوات والبلاغة والإعراب، بل هي حصيلة اجتماع عناصر عديدة من بينها البيئة والاقتصاد وعلم الأحياء، وصولا إلى علوم كالأركيولوجيا والبيولوجيا والأنثروبولجيا. في القسم الأول من الكتاب تحاور سيسيل ليستيان الباليوأنثروبولجي باسكال بيك عن بدايات ظهور اللغة لدى الإنسان. ويستعرض باسكال بيك -في عودته إلى ما قبل التاريخ- بدايات النطق لدى الإنسان، عارضا محاولات تعليم القردة والشمبانزي اللغة، كمحاولات وصلت إلى إنجازات مهمة قبل أن تصطدم بحاجز الفرق الهائل بينها وبين الإنسان على صعيد التركيبة الدماغية. ويكشف الكتاب عن حيوانات أخرى لا تقل تواصلا وقدرة على إنشاء لغة متطورة، كالحيتان والفيلة والفئران وبعض أنواع الطيور. وفي الفصل الثاني، تفرد المحاورة صفحاته للنقاش فيما يسمى "الألسنية التاريخية" مع مدير الأبحاث في المجلس الوطني للبحث العلمي في معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بفرنسا لوران ساجار. ويكشف الباحث عن المراحل التاريخية التي مرت فيها اللغة، وخاصة لغات ما قبل التاريخ في شرق آسيا. كما يعرض لأبرز النظريات حول تاريخ اللغة، وانبثاق اللغات من لغة واحدة، كما يفرع أشجار اللغات التي تعد أصلا للعديد من اللغات الحية اليوم (الجرمانية، الهندية- الأوروبية، السامية، وصولاً إلى اللاتينية القديمة ثم اللاتينية الجديدة)، إضافة إلى التطرق لموضوع انقراض بعض اللغات، واحتمال انقراض لغات أخرى. ويقدم الفصل الأخير اكتشافات مذهلة حول طريقة تعلم الطفل لغته الأم ولغات أخرى. من هذه الاكتشافات الاستعداد الفطري لتعلم اللغة الأم، بما فيها القواعد النحوية، إضافة إلى قدرة الطفل على تمييز المقاطع الصوتية في لغته الأم أكثر من اللغة الأخرى المكتسبة، مع تأكيد قدرة الطفل على التفاعل مع اللغة قبل ولادته، أي وهو جنين في شهره التاسع. وتكشف طبيبة الأطفال ومديرة الأبحاث بالمجلس الوطني للبحث العلمي التابع للمعهد الوطني للصحة والبحث الطبي بفرنسا، كيف أن الطفل يعد 'عبقريا صغيرا' في اللغة، يحتال في فهم اللغة والتمييز بين المقاطع الصوتية وإتقان النحو وتطويع التراكيب، واختصارها أحيانا لصالحه.