حل مشكلة الكثافة ونقص المعلمين.. وزير التعليم يكشف ل"مصراوي" جهود أول أسبوعين دراسة    رشا يسري: حرب أكتوبر أحدثت صدمة في العقلية الإسرائيلية    المفوضية الأوروبية: مقتل 20 ألفا و400 شخص جراء حوادث طرق في الاتحاد الأوروبي العام الماضي    نجاة وفيق صفا من الغارة الإسرائيلية على بيروت    منتخب مصر يختتم تدريباته استعدادا لمواجهة موريتانيا غدا    بث مباشر مباراة البرازيل وتشيلي في تصفيات كأس العالم 2026    شقت بطن صديقتها انتقاما لزوجها في أكتوبر    10 صور.. أحدث ظهور ل بيومي فؤاد في العرض الخاص لفيلم "بنسيون دلال"    رسائل نجوم الفن ل مريم الخشت بعد إعلان زواجها (صور)    إيمان العاصي تكشف أسرارها في "أسرار النجوم" على راديو نجوم FM| بالفيديو    إجراء الكشف الطبى على 972 حالة بقافلة جامعة كفر الشيخ ضمن مبادرة "بداية"    السودان يقتنص تعادلا ثمينا من غانا فى تصفيات أمم أفريقيا    محمد أمين: السادات كان يدرك منذ البداية ما يحتاجه من الحرب    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن غارات على الضفة الغربية    محافظ القاهرة يشهد احتفالية مديرية الشباب والرياضة بذكرى نصر أكتوبر    في عيد ميلاده ال70.. حكاية فيلم اعتذر عنه عمرو دياب فأصبح من أهم أعمال محمد منير؟    الباز: السادات تدارك خطأ التعاون مع الإسلاميين.. و«التلمساني» أخطر رجل في تاريخ الإخوان    في رحاب "آل طه".. اللحظات الأخيرة في حياة الخمسيني حسين حجازي    كرة سلة - الاتحاد يهزم سبورتنج ويتأهل لنهائي البطولة العربية    استعلم عن فاتورة التليفون الأرضي «قبل سحب الخط» .. اعرف رسوم الخدمة بعد الزيادة    الكرملين: الغرب يضغط على بعض الدول كى لا تشارك فى قمة "بريكس" المقبلة    بريطانيا تناقش إرسال مدربين عسكريين إلى أوكرانيا    التوعية أهمها.. أحد أسلحة التحالف الوطنى لمكافحة التمييز ضد المرأة    خالد الجندي عبر برنامج "لعلهم يفقهون": القرآن تحدث عن الرجولة بفخر.. والشذوذ مهانة وخروج عن طاعة الله    نائب محافظ أسوان يشهد ختام برنامج تأهيل 200 خريج للطاقة الشمسية    وزير التعليم العالي والبحث العلمي يتفقد المشروعات الإنشائية بجامعة الأقصر (صور)    الجمارك: قرارات الحكومة الأخيرة بشأن سيارات المعاقين تقضي على السوق السوداء    الكشف على 1272 مواطن بقافلة بقرية سيدي عقبة بالمحمودية    أنشطة متنوعة للأطفال في احتفالات الثقافة بنصر أكتوبر بالإسماعيلية    محافظ شمال سيناء يشهد إحتفال مديرية التربية والتعليم بذكري انتصارات أكتوبر    الطقس غدًا .. معتدل على القاهرة والدلتا وبارد فترات الليل وعظمى القاهرة تسجل 32°    تحقيقات قتيلة الإسكندرية: المتهم سدد لزوجته 4 طعنات أثناء عودتهما من زيارته أسرته    "قومي حقوق الإنسان" يعقد الملتقى ال 17 لمنظمات المجتمع المدني الأحد المقبل    استشاري حالات حرجة: القلب ينكسر فى هذه الحالات    البركة في يوم الجمعة: مكانة الدعاء وأثره في حياة المسلم    ربيع ياسين: الأهلي يمرض ولا يموت.. ورمضان سيعيد الاتزان مرة أخرى داخل الفريق    ألمانيا والتشيك والنمسا يؤكدون التزامهم بالشراكة الاستراتيجية مع المغرب    إيهاب أمين يتقدم بأوراق ترشحه على رئاسة اتحاد الجمباز    «الإفتاء» تحذر من التحايل للاستيلاء على السيارات المخصصة لذوي الهمم: خيانة أمانة    إيران تواجه قطر في الإمارات لأسباب أمنية    الهلال الأحمر الفلسطينى: هناك استهداف إسرائيلى ممنهج لمقدمى الخدمات الطبية فى غزة    موعد شهر رمضان 2025.. والعطلات الرسمية خلاله    «زواج وعلاقات».. لمن ينجذب رجل برج الحمل؟    رئيس الوزراء: مصر قطعت شوطًا طويلًا في مواجهة الهجرة غير الشرعية    تشييع جثمان أم أبناء الدكتور حسام موافي (صور)    تفاصيل إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق في الحوامدية    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة غدآ.. تعرف عليها    عفت نصار: الزمالك رغم المعاناة يظل أكبر قلعة رياضية في مصر    تسليم 2218 شهادة استبيان تراخيص إقامة مباني داخل الحيز العمراني بالشرقية    حملة مرورية مكبرة تضبط 11 ألف مخالفة تجاوز سرعة مقررة    إجراء 1274 جراحة مجانية ضمن مبادرة "القضاء على قوائم الانتظار" بالمنيا    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى    الجامعات المصرية تحقق إنجازًا جديدًا في النسخة العامة لتصنيف التايمز «HE» العالمي    جيش الاحتلال يعلن اعتراض مسيرة مفخخة أطلقت من غزة نحو إسرائيل    رئيس هيئة الرعاية الصحية: الانتهاء من إعداد أكثر من 450 بروتوكولًا    نائب وزير التعليم يكشف تفاصيل مسابقات تعيين معلمي الحصص في المدارس    أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 10 أكتوبر 2024    إصابة 11 شخص إثر حادث تصادم بالطريق الإقليمي في الشرقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف صار دمنا رخيصًا.. لسنا دروعًا ولستم بشرًا!
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 10 - 2024

صار هذا التراشق القصير عنوان الحرب الإسرائيلية القاتلة ضد أهالى غزة والضفة الغربية وفى لبنان وسوريا.
استثمرت إسرائيل الكثير حتى صار من تقتلهم من العرب ومن سكان المناطق التى تحتلها والدول المجاورة مجرد دروع هشة تقف بينهم وبين خصوم الدولة الصهيونية. وعندما تواجه إسرائيل مقولات بأن هذه الدروع المفترضة لا تشارك فى القتال ثم إنها جميعا من بنى البشر الذين تتعين حمايتهم وتفادى الإضرار بهم، حتى لو تصادف وجودهم فى ميدان حرب، كان الرد جاهزا: قانون الحرب يجرم استعمال البشر دروعا، ولكنه لا يجرم الفتك بهم، فإذا اعترضت قائلاً إن هذا القانون نفسه يضع شروطا قاسية على استهداف المدنيين ومنشآتهم ولو حتى عرضا، يردون عليك: هم أساسًا ليسوا بشرًا ومنشآتهم يختبئ تحتها «الإرهابيون» وأسلحتهم.
تقنيًا، لا شك فى أن القوات المسلّحة الإسرائيلية تستطيع القيام بهذا، وقد فعلته بلا هوادة وبتصعيد مستمر فى النطاق والقوة والأهداف وعدد الضحايا المدنيين منذ قيامها فى عام 1948. ومع الاستثمار المتزايد فى التبرير العسكرى وبناء ترسانة قانونية وحزمة سياسات وعقوبات دولية واسعة التأثير، تقوم كلها مجتمعة بوصم أعمال المقاومة المسلحة (المشروع منها وغير المشروع) بأنها إرهاب، باتت إسرائيل تمتلك غطاء مكتملاً من المبررات والأفكار (أيديولوجيا متكاملة ومهيمنة) لضرب أى هدف من دون تمييز بين ما هو عسكرى وما هو مدنى، ومن دون تناسب على الإطلاق بين الفائدة العسكرية المرجوة والخسائر الفادحة بين المدنيين والبنية التحتية للبشر، ومن دون خشية من رد فعل الأطراف القادرة والمعنية، والتى باتت فى معظمها من واشنطن إلى موسكو إما لا مبالية بهذه الممارسات الدموية أو متورطة فيها هى ذاتها وبشكل مباشر أحيانًا ضد أعدائها وخصومها.
ابتدعت الأكاديميات العسكرية الغربية مصطلح «الخسائر العرضية» لوصف مقتل المدنيين الأبرياء خلال النزاعات المسلحة، بمعنى أن القتل لم يكن مقصودًا بل عارضًا أثناء السعى إلى قتل هدف مشروع! ونظم القانون الدولى هذا عن طريق مبادئ ومحاذير عدة، منها:
التمييز: يجب التمييز بين المواقع العسكرية الممكن استهدافها وتلك المدنية، حتى لو مجاورة ولصيقة لها.
الفائدة العسكرية: أن تكون النتيجة المشروعة أكبر من الخسائر العرضية وهو أمر صعب القياس للغاية ولكن الأرقام الصارخة حول ضحايا المدنيين والاستهداف المجانى لهم فى العقود الماضية تكذّب ادعاءات إسرائيل والفاعلين المشابهين لها.
التناسب: عندما يشمل رد الفعل ضرب أهداف مشروعة، يجب أن يكون هناك تناسب ما مع الفعل الذى استدعى هذا الانتقام.
• • •
ما يحصل هو ببساطة تكريس النظر إلى مجموعات بشرية على أنها أقل أهمية من البشر «الآخرين»، «أقل بشرية» أو «حيوانات بشرية» كما قال وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت صراحة فى أكتوبر الماضى ليصير قتلها بأعداد هائلة أمرًا مقبولاً لتحقيق هدف عسكرى حتى لو كان وقائيًا واستباقيًا وواهيًا وليس دفاعًا حقيقيًا عن النفس، وبإفراط هائل فى استعمال القوة.
هذا التكريس مصحوب بإضعاف وتجاهل لقواعد القوانين الدولية والوطنية ومؤسسات الحوكمة الدولية مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية. هكذا يصبح ما تفعله إسرائيل الآن مقبولاً، والثمن المدفوع مستحقًا من وجهة نظر مؤيديها من واشنطن إلى أمستردام.
كان هذا التمييز العنصرى بين المجموعات البشرية سائدًا ومقبولاً على المستويين النظرى والفعلى حتى منتصف القرن العشرين، فاتفاقات جنيف والقانون الدولى الإنسانى لم تكن تحمى أهالى المستعمرات والسكان المحليين بوضوح، لذا عندما كان المستعمرون الغربيون يقتلون الأهالى جماعيًا فى الكونغو أو جنوب إفريقيا، فى ليبيا أو العراق، فى الهند أو فيتنام، لم تكن أفعالهم انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، ولم يتغير هذا الأمر سوى مع نهاية عهد الاستعمار ووضع البروتوكول الإضافى لاتفاقات جنيف. ترك هذا التعديل مشكلة معقدة أمام الدول المتورطة فى أشكال جديدة من الاستعمار، وفى مقدمها إسرائيل، الدولة الاستعمارية الوحيدة الباقية تقريبًا فى العصر الراهن.
• • •
المشكلة التى واجهت المخطّطين العسكريين أو أجهزة الأمن الداخلى فى هذه الدول هى كيف بإمكانهم خوض حروب وتنظيم عمليات أمنية تنجم عنها خسائر هائلة بين بشر غير مشاركين فى القتال تصادف وجودهم بجوار الهدف، وفى الوقت نفسه الحفاظ على الادعاء بأنها تحترم القانون الدولى الإنسانى المنظم للحروب، بخاصة ما يتعلق بالتناسبية والميزة العسكرية وبذل أقصى جهد لحماية المدنيين.
إضافة الى هذه المعضلة القانونية، هناك أيضًا مشكلة أخلاقية تبدأ من الوصايا العشر ولا تنتهى فى العصر الحديث بشأن تحريم القتل وتجريمه، على الأقل عندما تنتفى أى مسوغات أخلاقية قوية، أو على سبيل الخطأ.
وفّر القانون الدولى بعض الحلول التقنية مثل أن تكون الفائدة العسكرية المرجوة من هذا القتل العرضى تبرّره، وأن تُجرى محاولات جادة للتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين ومنشآتهم، وأن تكون الخسائر متناسبة. لكن هذا الحل المُقيّد نسبيًا لا يطلق أيدى الجيش الإسرائيلى على رغم أنهم يدعون طول الوقت بأنهم يبذلون جهدًا لتفادى هذا القتل، بخاصة عندما يصبح ثمن كل قتيل بين المقاتلين أرواح عشرات أو مئات من النساء والأطفال والرجال المدنيين (نسبة المدنيين القتلى فى أكثر التقديرات تحفظًا سبعين فى المائة من بين القتلى جميعًا).
لذا لم يكن الحل الناجع الأبسط من وجهة نظر الإسرائيليين والاستعماريين عمومًا حلًا قانونيًا، بل إعلاميًا وأيديولوجيًا وعنصريًا: هؤلاء القتلى ليسوا بشرًا، مجرد حيوانات يصبح قتلها بأعداد مفرطة لحماية البشر الحقيقيين، وهم الإسرائيليون فى هذه الحالة، أمرًا مباحًا، والمسئول عنه هو على أى حال الخصم الذى يحتمى خلفهم.
• • •
لا محل لمناقشة نفى البشرية عن أناس يمتلكونها بقوة التعريف ذاته، ولكنْ هناك مجال لتصويرهم بأنهم همج وبرابرة «يستعملون أطفالهم لحماية الصواريخ وليس الصواريخ لحماية أهاليهم»، كما قال نتنياهو منذ سنوات عدة.
وبسهولة، يمكن مدّ وصمة الهمجية والبربرية من المسلحين إلى من حولهم والمرشحين ليصبحوا أعضاء فى جماعة المقاومة، وهو مد قد يصل إلى حدود مجنونة كما فعلها معلق أوروبى قائلًا إن كل امرأة فلسطينية تحمل فى رحمها مشروع إرهابي. وبالطبع، فإن الوصم بالإرهاب، ذلك المصطلح المبهم قانونًا، يحول البشر أوتوماتيكيًا ومن دون محاكمة إلى أهداف مشروعة.
يعتمد التنظير لتبرير قتل المدنيين على ماكينة ضخمة كما يوضح باحث حقوق الإنسان الإسرائيلى ديڤ جوردون. وهناك عدد لا بأس به من مراكز البحث والسياسات التى توفر أطرًا قانونية ودعائية لتبرير القتل، ومنها مركز الاستخبارات ومعلومات الإرهاب الدولى وثيق الصلة بالموساد، وعلى صفحته 65 دراسة وتقريرًا تحلل وتبرر إزهاق أرواح المدنيين بصفتهم خسائر عرضية. تأسس هذا المركز فى عام 2001، عندما أدركت إسرائيل والعالم الغربى بعد هجمات 11 سبتمبر، أن تقنيات خوض حرب غير نظامية تقتضى تبرير قتل عدد هائل من المدنيين ليس فقط فى مواجهات مع عدو يطلق عليهم النار، ولكن حتى فى هجمات وضربات استباقية وقائية تسعى الى قتل الخصوم وإضعاف تجهيزاتهم.
ويبدو الآن، أن إسرائيل ذاتها وخلفها عدد من الدول القوية عسكريًا واقتصاديًا، والتى تدعى أنها تلتزم بالقانون الدولى وحقوق الإنسان، تواصل تسمير نعش هذه القوانين والمعايير التى تقوم على التساوى بين البشر، كل البشر. وهكذا تعلن حرب إسرائيل على غزة ولبنان أن الناس هناك والمعرضين لقتل يومى من ترسانة أسلحة فائقة التكنولوجيا، ليسوا بشرًا ولا يتمتعون بحمايات القانون الدولى، وتصبح أجسادهم الهشة قابلة للفناء السريع، فلا هى نفعت كدروع يستغلها خصم أو حتى لحماية أصحابها.
خالد منصور
موقع درج
النص الأصلى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.