جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. أسعار الذهب اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024 بالصاغة    رفع أسعار خدمات الإنترنت الفترة المقبلة.. ما حقيقة الأمر؟    خبير اقتصادي: الهدف من مراجعة صندوق النقد تقليل وتيرة ارتفاع الأسعار    عاجل - "أفضل خيار لشراء سيارة سيدان أوتوماتيك لعام 2024 بسعر 250 ألف"    بيان عاجل من هيئة السياحة حول تأشيرة الترانزيت للسعودية: ما الحقيقة؟    محافظ بورسعيد: نعمل سويًا مع الجامعة لرفع كفاءة الملاعب وتطويرها    خبير: فشل النظام الدولي شجع دولة الاحتلال على القيام بالمزيد من الجرائم    وزارة الصحة اللبنانية: 2574 شهيدًا و12001 مصاب منذ بدء عدوان الاحتلال على بيروت    تركيا تضرب أهدافا لحزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا بعد هجوم توساش    إعلام عبري: مقتل 3 جنود إسرائيليين في المعارك اليوم بجنوب لبنان    حملة ترامب تتهم "العمال البريطاني" بالتدخل في الانتخابات    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة عزون شرق مدينة قلقيلية    حزب الله ينفي تحقيق جيش الاحتلال الإسرائيلي أي تقدم جنوب لبنان    "الوكالة اللبنانية للإعلام": الطيران الإسرائيلي ينفذ 14 غارة عدوانية بالجنوب اللبناني تعد الأعنف منذ بداية الحرب    برشلونة يكتسح بايرن ميونخ برباعية في دوري الأبطال    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. برشلونة يكتسح بايرن ميونخ وبيان اعتذار من الزمالك وغياب نجم بيراميدز أمام سيراميكا    إنتر يقتنص فوزًا قاتلا أمام يونج بويز في دوري أبطال أوروبا    هندريك هيلمك: الأهلي أكبر من الزمالك    مانشستر سيتي يكتسح سبارتا براج بخماسية نظيفة في دوري الأبطال    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم    «آركين».. «كل نهاية بداية جديدة»    حريق في شقة المطرب الشعبي أبو الليف    العربية اتقلبت بيهم.. تفاصيل مصرع وإصابة 7 أشخاص على طريق أكتوبر    حظك اليوم| برج الثور الخميس 24 أكتوبر.. «وقت مليء بالجهود»    أمير المصري عضو لجنة تحكيم الأفلام القصيرة بمهرجان الجونة السينمائي    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 24 أكتوبر.. «بدايات جديدة»    حظك اليوم| برج الجدي الخميس 24 أكتوبر.. «فكر في طموحك وأهدافك»    فرصة لزيادة الدخل وأحلام غريبة.. حظ برج القوس اليوم 24-10-2024    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    قفزة جديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 24 أكتوبر (آخر تحديث)    «المصريين الأحرار»: لا يوجد نظام انتخابي مثالي.. والقوائم تتجنب جولات الإعادة    «الأهم في تاريخ الديربي».. كواليس جلسة عضو مجلس الزمالك مع قادة الفريق استعدادا لمواجهة الأهلي (خاص)    توقعات عبير فؤاد لمباراة الأهلي والزمالك.. من يحسم الفوز بلقب السوبر المصري؟    إبراهيم عيسى: الفنان اللي رافض التمثيل في وقت حرب غزة "جاهل"    ابنة سعيد صالح تعلق على حقيقة إعلان بيع شقة والدها بالمهندسين (خاص)    روبوت سعودي ينافس في «اراب جوت تالنت».. ورد فعل مفاجيء من باسم يوسف (تفاصيل)    موقف مصابي الأهلي من نهائي السوبر المصري أمام الزمالك    حصاد 83 يوما .. حملة «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 131 مليون خدمة طبية مجانية    أخر تطورات أحوال الطقس في مصر.. مائل للحرارة خلال النهار    شمال سيناء: إغلاق ميناء العريش البحري بسبب التقلبات الجوية واستعدادات مكثفة لموسم الأمطار    أخبار كفر الشيخ اليوم.. المحافظ يشهد احتفالية البطولة الإقليمية لطلاب مدارس التربية الخاصة    محافظ أسوان يستعرض مع وزيري التموين والزراعة آليات ضبط الأسعار وتوفير السلع الغذائية    وزير الصحة يبحث دعم خدمات الصحة الإنجابية مع إحدى الشركات الرائدة عالميا    المصريين الأحرار: يجب على كل حزب توضيح الأيديولوجيا الخاصة به    الأزهر الشريف يعقد ندوة تحت عنوان «أمانة الفتوى وأثرها في الاستقرار المجتمعي»    بث مباشر.. مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة    لتغيبه عن العمل.. محافظ البحيرة تقرر إقالة مدير الوحدة الصحية بقرية ديبونو    السجن عام مع إيقاف التنفيذ لسائق بتهمة التعدي على أرض آثار بقنا    مصرع مسن في حادث سير بطريق مطار الغردقة    «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا».. موضوع خطبة الجمعة القادمة    «زيارة مفاجئة».. وزير التعليم يتفقد مدارس المطرية | تفاصيل    وزيرة التضامن تشارك في جلسة رفيعة المستوى حول برنامج «نورة»    الشكاوى الحكومية: نتلقى 13 ألف مكالمة يوميًا    محافظ المنيا: تقديم خدمات طبية ل 1168 مواطناً خلال قافلة بسمالوط    لماذا العمل والعبادة طالما أن دخول الجنة برحمة الله؟.. هكذا رد أمين الفتوى    رئيس فاكسيرا: توطين صناعة لقاح شلل الأطفال بالسوق المحلي بداية من 2025    بركات يوم الجمعة وكيفية استغلالها بالدعاء والعبادات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا غضب البعض من تامر أمين واختلف مع تكوين؟.. أزمة النخب المثقفة فى مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 08 - 2024

فكرت مليًا فى تصريحات الإعلامى تامر أمين حول الجدوى المادية للعلوم الاجتماعية، والتى استقبلتها أطياف واسعة من رواد وسائل التواصل الاجتماعى باستهجان شديد أعقبه اعتذار الإعلامى عن سوء تعبير أو فهم ما قيل. ورغم رفضى لما قيل فإن هذا المقال لا يهدف إلى الاشتباك مع أسباب صواب أو خطأ ما ذُكر- فقد قام كثر بذلك ووفوا، وإنما هدفى هو إلقاء الضوء على إشكالية أكبر كانت هذه التصريحات أحد تجلياتها، وهى: العلاقة بين النخب المثقفة والجماهير فى مصر. ولأكون أكثر صراحة فإنى أرى المشكلة الحقيقية فى مجتمعنا فى النخب المثقفة لا الجماهير؛ وإن خرجوا من بين صفوفه.

• • •
نقطة البداية فى محاجتى هى التخيل: تخيل عزيزى القارئ/القارئة أنك مُحاورى وأثناء وجودك فى مقهى عام أو إحدى وسائل المواصلات التى ينضغط فيها المواطنون والمواطنات يوميًا، سمعت هذه التصريحات عينها على لسان أحد المواطنين البسطاء، هل كنت لتنفعل وتغضب بنفس الدرجة؟
• القارئ: لا أعتقد.. لكننى بالطبع سوف أحاول تصحيحه وإثناءه عن هذا التفكير ولكننى لن أثر عليه بنفس الدرجة إن ثرت أصلًا.
• لماذا؟
• القارئ: لأن هذا المواطن نطق بلسان حال معاناته اليومية، وهو يفكر فى خلاصه الأساسى: المال. وهل يوفر العلم المال؟ على الأغلب لا- فقد اختزل الفنان عادل إمام على خشبة المسرح منذ أكثر من أربعين عامًا الواقع فى جملته الشهيرة (العلم لا يُكيل بالبتنجان).
• أصبت. لكن ألم يحدث أيضًا أن سمعنا المضمون عينه من قبل على لسان أحد مشاهير التيك توك الذين يتقاضون أموالًا فى شهر، تتخطى ما يتحصل عليه أساتذة التاريخ والجغرافيا والفلسفة والمنطق مجتمعين فى حياتهم كلها؟ أتذكر جيدًا أن أحد فنانى المهرجانات قد تحدث فى إحدى السنوات خلال فترة إعلان نتيجة الثانوية العامة عن عدم أهمية التعليم أو الشهادة إن كنت قادرًا على كسب الملايين، لكنه لم يُقابل بنفس درجة الغضب والرفض، أليس كذلك؟
• القارئ: بلى.
• إذن لماذا غضبنا من تصريحات الإعلامى المشهور ولم نغضب بنفس الدرجة من المواطن البسيط أو فنان المهرجانات؟ هل لأنها صادرة ممن يُفترض أنه أحد أعضاء النخبة المثقفة فى مصر والمسئول عن بناء وعيها وتشكيل الرأى العام من خلال إطلالته المرئية علينا؛ وكانت المفارقة أنه تحدث كما تتحدث الجماهير بالضبط؟!
• القارئ: لحظة، تقولين أنه تحدث كما تتحدث الجماهير بالضبط.. إذن فليس هناك مشكلة. أليس الإعلام هو نبض الشارع؟ فلا ضير أن يتحدث إعلامى بلسان الجماهير.
• عزيزى، ألا يوجد فارق بين ترديد وتكرار المقولات كمسلمات وحقيقة وبين أن تنسب القول إلى قائله ثم توضح أسباب قبوله ورفضه؟
• القارئ: بلى. تأطيران مختلفان تمامًا.
• إذن، فهناك فارق بين أن ينقل الإعلام لسان حال الجمهور وبين أن يردده على أنه الحقيقة المطلقة.
• القارئ: هذا صحيح، لكننى لا أرى أين المشكلة؟
• إذا كان تأطير التصريحات هى الحقيقة المطلقة، هل يعنى هذا أن قائلها سوف يسعى إلى تغييرها؟ أو أنها يجب - من الناحية المعيارية - أن تتغير؟
• القارئ: لا، فهى الحقيقة.
• إذن فالمشكلة هى أن التماهى بين منطق الجمهور ومنطق المثقف تجعلهما سواء، وتعنى ضمنًا الإقرار بصوابية الأول (الجمهور) وعدم محاولة الثانى (المثقف) التغيير أو تحسين الوضع. وتكون المحصلة النهائية هى بقاء الوضع على ما هو عليه، وحالة من الركود الفكرى والاجتماعى والسياسى.
• القارئ: إذن، تفترضين أن دور المثقف هو تصحيح أفكار الجمهور؟ أليس المواطن قادرًا على تشخيص مشكلاته والتفكير فى حلها بمفرده؟
• بلى لدى كل مواطن القدرة على التفكير فى المشكلة، ولهذا لم أرفض أن ينقل الإعلام هموم الشارع أو أن حل المشكلة الأساسى فى جزء منه يكمن فى إمكانية تكوين الثروة، هو تفكير منطقى على كل الأحوال. لكن وظيفة المثقف هو تقديم حلول تصلح لإصلاح المجتمع ككل، فهو يمتلك أدوات للتفكير فى هذه الحلول.
على سبيل المثال: جوهر التصريحات هو الإقرار بالانفصال بين العلوم الاجتماعية ورغبات الترقى الاجتماعى الفردية، وعليه فقد انتهى المثقف إلى القول بأن العلوم الاجتماعية غير ذات نفع ولا حاجة لها؛ وبذلك هو لم يقدم حلًا بل قام بإنهاء المشكلة ببتر أحد ساقيها وهو الحل الأسهل، إن كان حلا. وفى المقابل توافدت التعليقات الرافضة تؤكد أن العلوم الاجتماعية ذات نفع وتعدد له فوائدها، وهى محاجة بالمخالفة، وهو أسهل أنواع المحاجات، كما لو كنت أعدد لك فائدة أن يكون لك ساقان! لكن إن شئت الدقة وحل المشكلة يمكن إعادة طرح المشكلة لتصبح: كيف يمكن للعلوم الاجتماعية أن تساعد الأفراد والمجتمع على تحقيق أهدافهم؟ وهنا سوف تجد من يفكر ويجدد ويتخيل سبل الحل. أبسط ما يمكن تقديمه هو طرح القضية للنقاش العام وسوف تتولد الأفكار تباعا. إذن فدور المثقف هو الإشارة إلى المشكلة من خلال طرح «السؤال الصحيح» وتقديم الحلول أو طرحها للنقاش العام على أقل التقديرات - أما بتر أحد طرفى المعادلة فلن يؤدى إلى حل؛ والحديث عن..
• القارئ (مقاطعا): ولكنك تهربتى من الإجابة عن النصف الأول من سؤالى، أنت ترين أن المثقف أفضل من الجمهور، ولهذا يجب أن يقوم بتصحيح أفكارهم؟ ولهذا فقد رفضتى التماهى بين منطق تفكيره ومنطق تفكير الجمهور؟
• لا المثقف ليس أفضل من الجمهور، يتصل بهم ولا يتماهى معهم حتى لا يفقد قدرته على التفكير الناقد. مسافة أمان يجب أن تفصل بينهما حتى يستطيعا أن يميزا الغث عن الثمين (وأنا أعنى كليهما). أما أن يجلس المثقف فى برجه العاجى ينظر للمجتمع ويملى عليهم ما يجب أن يفعلونه فهذا غير مقبول. لقد كان سقراط يمشى فى الأسواق. غير أن المشكلة فى نمط التواصل؛ فوفق بعض دراسات علم النفس المتعلقة بالسلوك الإنسانى، تقوم التفاعلات الإنسانية على نمط من اثنين: إما انعكاس المرآة Mirroring أو تقديم النموذج Modeling، الأول هو نوع سلبى من التفاعل يقوم على محاكاة نمط تفاعل الآخر ولا يؤدى إلى تغيير ثقافة محيط أو سياق التفاعل. أما الثانى فهو أكثر إيجابية لأنه يقوم على المبادرة بتقديم الصيغة الصحيحة للتعامل أو الفعل وتؤدى إلى تغيير ثقافة مجال التفاعل. وعليه، فإن قام المثقف بدور انعكاس المرآة لن يؤدى إلى جديد أما إن لعب دور تقديم النموذج فسوف يقوم بتغيير حقيقى فى المجتمع.
• القارئ: لماذا رفض إذن أغلب الناس منظمة تكوين وأثير حولها كل هذا اللغط، ألم يكن من أهدافها تصحيح الأفكار عن الدين الإسلامى؟
• وإن كنت غير متابعة لتفاصيل لهذا الموضوع ولست قارئة بشكل يسمح لى بالحديث عن تجديد الخطاب الدينى، إلا أنه فى تقديرى أن هذا الرفض «فى جزء منه» يتعلق بأن فكرة التصحيح الفكرى من أعلى لا تفضى إلا إلى مقاومة التغيير. وإن كنت سمعت ما قلته بدقة حول تقديم النموذج فسوف تدرك أنها تعنى أن يبدأ المثقف بنفسه، وأن يستمر فى مراجعة أفكاره وإن تشكك مثل سقراط. أما الثقة فى امتلاك طريقة التفكير الصحيحة فهى درب من دروب الاستبداد الفكرى.
• القارئ: هذا صحيح! إذن فإن أزمة النخبة المثقفة فى مصر تتأرجح ما بين التماهى مع منطق الجمهور وبين الاستعلاء الفكرى عليه.
• بالضبط هذا ما كنت أسعى للتوصل إليه منذ بداية هذا الحوار.
• • •
أخيرًا، إن وصلتم إلى هنا، فاسمحوا لى أن أوضح أننى تعمدت تقديم محتوى هذا المقال بما فيه من أطروحات بأسلوب المحاورة التى اعتمدها سقراط فى كتاباته ومن بعده أفلاطون فى محاوراته والتى لم أكن لأتعلمها لولا دراستى للفكر السياسى والفلسفة على يد أساتذة مثل الأستاذ الدكتور محمد صفار. وأزيدكم أن الطريقة السقراطية من خلال طرح الأسئلة هو أساس الاستدلال المنطقى الذى يتدرب عليه الأطباء فى تشخيص الأمراض والربط بين الأسباب والنتائج، من أجل فهم عوامل ظهور واختفاء أو تطور الأعراض؛ فكانت الفلسفة مطية الطب.
مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.