استضاف قصر الأمير طاز، أحد المعالم التاريخية الشهيرة في القاهرة، مساء أمس، اللقاء السابع والعشرين من سلسلة "أرواح في المدينة" التي ينظمها الكاتب الصحفي محمود التميمي، ضمن مشروعه "القاهرة عنواني" الذي يهدف إلى حفظ التراث والذاكرة الوطنية المصرية. حملت الأمسية عنوان: "قرن ونصف على ميلاد مصطفى كامل.. رحلة إلى مصر في زمنه"، وهي فعالية ضمن أسبوع إحياء الذكرى المائة والخمسين لميلاد الزعيم الوطني مصطفى كامل. تخلل الأمسية عدة فعاليات لتناول شخصيته وزمنه من جوانب متعددة. شهدت الأمسية حضورًا مميزًا من صناع دراما السيرة الذاتية للشخصيات التاريخية، ومن بينهم المخرجة إنعام محمد علي، والكاتب محمد السيد عيد، والفنان سامح الصريطي، والفنان أحمد شاكر عبد اللطيف. كما حضر أيضًا الرئيس التنفيذي للأعمال بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والدكتور عادل غنيم، أستاذ التاريخ والآثار، والدكتور مصطفى الصادق، أستاذ الطب بقصر العيني والمهتم بتاريخ جبانات القاهرة التاريخية، والدكتور عصام صفي الدين، المعماري القدير ومؤسس بيت المعمار المصري، بالإضافة إلى مهتمين وباحثين في التاريخ والتراث. امتلأت جنبات قصر الأمير طاز بجمهور "أرواح في المدينة" قبل انطلاق الأمسية، ورغم اكتمال الطاقة الاستيعابية للمقاعد، لم يمنع ذلك عددًا كبيرًا من محبي السلسلة من متابعة الأمسية وقوفًا. - لماذا قصر الأمير طاز؟ في بداية حديثه، أوضح محمود التميمي سبب اختيار قصر الأمير طاز لاستضافة الأمسية، مشيرًا إلى أنه يمثل نقطة التقاء بين المكان الذي وُلد فيه الزعيم الوطني مصطفى كامل والمكان الذي يرقد فيه في ضريحه بالقرب من ميدان القلعة. لذلك، كان القصر الأنسب لاستحضار روح مصطفى كامل والحديث عن سيرته من ميلاده إلى رحيله. عرض التميمي مقطعًا من فيلم "ضد الحكومة" للفنان أحمد زكي، والذي تضمن مرافعته الشهيرة، تلاه سخرية من أستاذه في المحاماة (الفنان أبو بكر عزت)، الذي ادعى الشرف والوطنية والنبل، مستخدمًا عبارة "إنت هتعملّي فيها مصطفى كامل". وأكد التميمي أن هذا الاختيار له دلالة، حيث أن الشخصية التي قدمها أحمد زكي كانت باسم مصطفى خلف، والخلف دائمًا يكون سلفًا، كما كان الزعيم مصطفى كامل محاميًا سلاحه الكلمة في مواجهة الاحتلال. - باعث الحركة الوطنية قال التميمي إن مصطفى كامل يمثل محطة فارقة في تاريخ الوطنية المصرية ويستحق لقب "باعث الحركة الوطنية". فقد جاء صوته ونداءه باستقلال مصر بعد فترة طويلة من الصمت وقبول الأمر الواقع عقب احتلالها عام 1882. وأضاف أن مصطفى كامل قاد أولى المظاهرات المطالبة بالاستقلال وهو طالب في المرحلة الثانوية. وأشار إلى التعلق الشعبي الكبير بالزعيم مصطفى كامل، حيث جمعت الآلاف المال لإقامة تمثال له، موكلين بذلك أحد أبرع الفنانين في فرنسا. ورد التميمي على الادعاءات التي تقول إن مصطفى كامل لم يقدم سوى الكلام، مؤكدًا أن كلامه كان له دور كبير في إزاحة اللورد كرومر بعد حادثة دنشواي، وذلك من خلال دعاية في الصحافة الأجنبية. - المشرقان عليك ينتحبان عرض التميمي تسجيلًا نادرًا عمره أكثر من 120 عامًا بصوت الشيخ سلامة حجازي، يرثي فيه الزعيم مصطفى كامل بأبيات أمير الشعراء أحمد شوقي، منها: "المَشرقان عليك يَنتحبان قاصيهما في مأتم والدَّاني يا خادِم الإسلام أجر مجاهد في الله من خلد ومن رضوان جارَ الترابِ وأنت أكرمُ راحلٍ ماذا لقِيتَ من الوجود الفاني؟ أبكي صِباكَ ولا أُعاتب من جَنى هذا عليه كرامة للجاني" - كيف حضر مصطفى كامل في الأعمال الفنية؟ كما عرض التميمي مجموعة من الصور النادرة من عام 1953، والتي تشير إلى عدة مسرحيات لتجسيد الشخصيات الوطنية، حيث قدم عمر الحريري دور مصطفى كامل. وتوزعت مشاهد مسلسل "قاسم أمين" مع الحديث عن الزعيم مصطفى كامل من خلال المواقف والأحداث التي شهدها مع شخصيات تلك الفترة من الزعماء والمفكرين، بما في ذلك الخديو عباس حلمي الثاني، الذي كان داعمًا لمصطفى كامل ومشجعه في فكرة تكوين الأحزاب للدعاية للقضية الوطنية. - زيارة لضريح مصطفى كامل تضمنت الفعالية تنظيم معرض لعدد من اللوحات الفنية التي أنجزها الطلاب والفنانون الشباب من مبادرة "رسم مصر"، والتي تناولت حياة الزعيم مصطفى كامل من خلال أعمال فنية متنوعة تشمل البورتريه واللوحات التعبيرية التي تجسد المتحف وقبر الزعيم. وفي زيارة لضريح مصطفى كامل، ألقى الدكتور عادل غنيم، أستاذ التاريخ، محاضرة قصيرة أمام قبره، الذي يضم رفات أربعة من الزعماء والرموز الوطنية، وهم مصطفى كامل، محمد فريد، عبد الرحمن الرافعي، وفتحي رضوان. وأشار غنيم إلى أن رفات الرافعي ورضوان دُفنت مباشرة في القبر، بينما نُقلت رفات مصطفى كامل ومحمد فريد من مقابر الخلفاء العباسيين بمصر القديمة. - تكريم لرموز دراما السيرة الذاتية وفي ختام الأمسية، جرى تكريم المخرجة القديرة إنعام محمد علي، والفنان أحمد شاكر عبد اللطيف، الذي قدم شخصية الخديوي عباس حلمي الثاني، والفنان سامح الصريطي، الذي قدم نفس الشخصية في المسلسل المهم "عبد الله النديم" إنتاج 1982، والسيناريست محمد السيد عيد مؤلف مسلسل "قاسم أمين". وجه محمود التميمي الشكر للمخرجة إنعام محمد علي ووصفها بأنها أيقونة قدمت الوعي من خلال مسلسل "قاسم أمين". وقال محمد السيد عيد خلال التكريم، إنه مرتبط دائمًا بالدراما التاريخية ولديه مشروع لتقديم تاريخ مصر عبر مجموعة من الشخصيات التاريخية، وقد قدم خلالهم ثلاثة أجزاء (علي مبارك، قاسم أمين، مشرفة رجل لهذا الزمان)، وكتب الجزء الرابع الذي يتناول سيرة رجل الاقتصاد الوطني طلعت حرب. وأضاف عيد أن الزعيم مصطفى كامل يمثل له خصوصية ويرتبط به علاقة وطيدة جدًا، لذا كان حريصًا على تضمينه في جميع الأعمال التاريخية التي كتبها. وأكد حسام صالح أن الشركة المتحدة تشارك حاليًا في الإنتاج الفني وتتعاون مع جميع الأطياف، وتسعى لتوسيع نطاق التعاون لتقديم الأعمال بحرفية عالية، قائلاً إنهم لن يتوقفوا عن إنتاج الأعمال ويبحثون حاليًا لتقديم مسلسل عن طلعت حرب. وتواصل فعاليات أسبوع مصطفى كامل، حيث ستعرض سينما الحضارة في ساحة الأوبرا غدًا السبت فيلم "مصطفى كامل" مع ندوة ومناقشة حول الفيلم وكيف جسدت السينما المصرية السير الذاتية للشخصيات التاريخية. وفي يوم الثلاثاء المقبل، تقام ندوة في المركز القومي للترجمة بالأوبرا حول مجتمع القاهرة في زمن مصطفى كامل من خلال كتابات مؤلفين أجانب عاشوا في القاهرة في تلك الحقبة. وفي يوم الأربعاء المقبل، يقام ختام الأسبوع في بيت السناري بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، حيث تقدم خلاصات حول تجربة مصطفى كامل وعصره وقراءة جديدة لحادث دنشواي مع عدد من المتخصصين والباحثين في التاريخ.
