تتصاعد الضغوط على الرئيس أوباما من جانب مسئولين سابقين يحترم نصيحتهم، كى يعدل النهج الأمريكى تجاه إسرائيل والفلسطينيين. فقد شجع الخطاب الذى سلمه بول فولكر لأوباما نيابة عن عشرة من أهم صانعى السياسات فى واشنطن وقد أصبح الآن واحدا من كبار مستشاريه الاقتصاديين ومن أكثر اللاعبين تأثيرا فى قراراته فى نهاية العام الماضى، وحاول بعض من هؤلاء المسئولين الكبار فى السياسة الخارجية الأمريكية، صياغة «البيان المشترك للحزبين حول السياسية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط» الذى ينبغى أن يصبح الإطار الأساسى الذى يحدد هذه السياسة، وكيفية تعامل الولاياتالمتحدة مع المشكلات والصراعات فى المنطقة. وكانوا أعربوا عن أسفهم إزاء «سبع سنوات من غياب السياسة الخارجية الأمريكية» فى ظل إدارة بوش، ودعو إلى قيام الولاياتالمتحدة بجهود مكثفة للوساطة من أجل التوصل إلى حل الدولتين، وتبنى نهج «أكثر براجماتية وواقعية تجاه حماس». وطالبوا بأن تتولى قوات أمريكية قيادة القوات الدولية لمراقبة الترتيبات الأمنية فيما بين إسرائيل وفلسطين. ومن بين العشرة الموقعين على الخطاب والتقرير المكون من أربع صفحات السيد بول فولكر ذاته، ومستشارا الأمن القومى الأمريكى السابقان برنت سكوكروفت وزبجنيو برجنسكى، والسيناتور السابق شاك هاجل، ورئيس البنك الدولى السابق جيمس ولفنسون، وكارلا هيلز التى كانت تشغل منصب الممثل التجارى الأمريكى الأعلى السابق، وعضو الكونجرس السابق لى هاملتون، والمندوب الأمريكى السابق لدى الأممالمتحدة السفير توماس بيكرنج. وأعتقد أن رؤية هؤلاء تتفق إلى حد كبير مع تلك الرؤية التى يتبناها كل من جورج ميتشيل مبعوث أوباما للشرق الأوسط، والجنرال جيمس جونز مستشار أوباما للأمن القومى، والذى كان عمل من قبل فى موضوع تسوية الشئون الأمنية مع الإسرائيليين والفلسطينيين فى السنة الأخيرة من فترة ولاية بوش الثانية، والتى كان يعتبرها خبرة محبطة فى أغلب الأحيان. وتسبغ هذه التركيبة المتنوعة أهمية خاصة على هذا التقرير الجديد. وكتبت مجموعة العشرة الموقعين بشأن موضوع حماس التى كانت هدفا للقصف الإسرائيلى العقيم لقطاع غزة فى شهرى ديسمبر ويناير الماضيين أن «حصار حركة حماس وعزل غزة جعلاها أقوى وأضعفا فتح». ودعا هؤلاء للقيام بعملية تغيير جوهرى فى السياسات عبر «تحويل الهدف الأمريكى من الإطاحة بحماس وحكومتها، إلى تعديل سلوكها، وإعطاء الحركة حوافز حقيقية لتمكين عناصرها الأكثر اعتدالا، والتوقف عن منع الأطراف العربية والدولية الأخرى من الاتصال بحماس، بطريقة يمكن أن تؤدى إلى اتضاح وبلورة رؤية الحركة واختبار سلوكها». وبالرغم من أن هذا الطرح لا يصل إلى حد توصياتى بوجوب قيام الولاياتالمتحدة لا الحلفاء الأوروبيون بالاتصال مباشرة بالعناصر المعتدلة فى حماس، إلا أنه يمثل تحولا حاسما فى منظور الكيفية التى يصح التعامل بها. فبدون مشاركة حماس، لن يكون هناك سلام فى الشرق الأوسط؛ ذلك أن محمود عباس، زعيم فتح ورئيس السلطة الفلسطينية، هو رمز محاصر فى الواقع. ويمضى التقرير قدما قائلا: «أوقفوا إعاقة المصالحة الوطنية الفلسطينية بين الفصائل المتناحرة، وأوضحوا مجهودات الحكومة التى توافق على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وتقبل بالرئيس محمود عباس كبيرا للمفاوضين، وتلتزم بنتائج الاستفتاء الشعبى على اتفاقيات السلام المستقبلية، لن تقاطع ولن تُفرَض عليها عقوبات». بمعنى آخر، توقفوا عن وضع شرط مسبق يتعلق باعتراف حماس أولا بإسرائيل، وشاهدوا ما تفعله الحركة لا ما تقوله. وإذا كانت حماس جزءا من حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، التى تصنع السلام مع إسرائيل، فذلك إذن أمر قابل للتطبيق. وقد قال لى هنرى سيجمان، مدير مشروع الولاياتالمتحدة الشرق الأوسط، الذى يترأسه سكوكروفت، ويضم فى مجلس إدارته العشرة الموقعين على البيان المذكور، إنه التقى مؤخرا فى دمشق خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحماس. وقال له مشعل، وكتب ذلك الكلام: إنه بالرغم من أن حماس لن تعترف بإسرائيل، فإنها ستبقى فى حكومة الوحدة الوطنية التى يمكن أن تتوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل تتم الموافقة عليها فى استفتاء عام. إذن الاعتراف الواقعى، لا الرسمى، يمكن أن يمثل أساسا لإقامة علاقة بناءة، وهو ما تعرفه إسرائيل جيدا، من خلال المنافع المتبادلة التى تحققت لها بفعل تعاملاتها مع إيران خلال حقبة الشاه. والأكثر من ذلك، إن الحكومات الإسرائيلية قامت بالتفاوض بشأن حل الدولتين، بالرغم من أنها كانت تضم أحزابا دينية لا تعترف بحق الفلسطينيين فى أن تكون لهم دولة. وقال لى سيجمان: إنه «إذا كانت الغلبة للمعتدلين داخل حماس، فيجب تقديم مقابل لاعتدالهم. وإلى أن تصبح الولاياتالمتحدة قادرة على منح هذا المقابل، لن تكون هناك حكومة وحدة وطنية فلسطينية». وتنعكس الحاجة لتقديم مثل هذا الحافز فى المقترحات الأربعة الرئيسية لما يسميه كاتبو البيان والتقرير «الفرصة الأخيرة لسلام عادل ودائم فى الشرق الأوسط»، وتمثل هذه المقترحات مجتمعة بداية لتعديل السياسية الأمريكية التى سادت خلال حقبة بوش، والقائمة على أن إسرائيل لا يمكن أن تخطئ. وأول هذه المقترحات هى أن تعترف أمريكا بوضوح بحل الدولتين القائم على حدود 4 يونيو 1967، مع إجراء تعديلات ومبادلات طفيفة فى حالات الضرورة. ويعنى ذلك إزالة جميع مستوطنات الضفة الغربية، باستثناء بعض المناطق الكثيفة السكان المتاخمة للقدس، ويجب بالطبع التوقف عن الاستمرار فى بناء المستوطنات الجديدة، الذى يعد نهجا غير مقبول، ويتمثل المقترح الثانى فى تأسيس القدس كمقر للعاصمتين الإسرائيلية والفلسطينية. ويجب أن تظل الأحياء اليهودية تحت السيادة الإسرائيلية، وتظل الأحياء العربية تحت السيادة الفلسطينية، مع وضع ترتيبات خاصة للمدينة القديمة تعطى جميع الجماعات حقوقا غير منقوصة فى ممارسة الشعائر الدينية. ويتضمن المقترح الثالث تقديم تعويضات مالية ومساعدات ضخمة لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، مع نوع من الاعتراف الإسرائيلى بالمسئولية عن المشكلة، لكن من دون تعميم حق العودة. ورابع المقترحات هو تأسيس قوة متعددة الجنسيات مفوضة من الأممالمتحدة وبقيادة أمريكية، تمارس عملها خلال فترة انتقالية لا تزيد على 15 عاما، تؤدى إلى تولى الفلسطينيين المسئولية الكاملة عن أمنهم. وقد أخبر أوباما فولكر أنه سوف يلتقى الموقعين على الرسالة فى الوقت المناسب. ويجب على أوباما القيام بذلك فور تشكيل الحكومة الإسرائيلية. وبعد ذلك يجب أن يدمج أفكارهم فى وضع الخطوط العريضة الواقعية الجديدة تقوم على الالتزام الأمريكى إزاء فلسطين، والثمن الجديد للالتزام نحو إسرائيل. من الهيرالد تريبيون نيويورك تايمز