تباينت ردود الأفعال حول تصريحات وزير المالية يوسف بطرس غالى فى واشنطن منذ يومين، التى قال فيها إن مصر انتهت من عملية الخصخصة وأن الشركات الباقية فى يد الحكومة قد يعاد هيكلتها بدلا من بيعها، وهو ما اختلفت حوله آراء مسئولين سابقين كانوا من أهم مهندسى عمليات الخصخصة فى فترات ماضية. ويقول مختار خطاب، وزير قطاع الأعمال السابق، الذى تم بيع أكثر من 200 شركة فى عهده، «أنه فى ضوء التجربة المصرية فى الخصخصة فإن الحكومة أحسن من غيرها فى الإدارة»، لكنه رفض إضافة أى تفاصيل فى هذا الشأن، ورفض التعليق على ما إذا كانت المشاكل التى تواجه الشركات التى تمت خصخصتها السبب فى تبنى هذا الرأى، لكنه أكد أنه «إذا كان وزير المالية أعلن ذلك، فإنه قرار صحيح»، مشيرا إلى أن إصلاح الشركات المتبقية وتجديدها بغرض تنمية قدراتها وإحيائها أفضل من بيعها، «أو خصخصتها بأى طريقة». بينما يرى هانى توفيق، الخبير المالى الذى عمل فى تقييم الشركات العامة وكان مستشارا للدولة فى عدد من عمليات الخصخصة، أنه لابد من الاستمرار فى مشروع الخصخصة، ولكن ليس عن طريق البيع الكامل للشركات، وإنما باتباع وسائل أخرى منها خصخصة الإدارة أو المشاركة فى الأرباح، إضافة إلى البيع المؤقت أو ما يعرف بحق الانتفاع، بحيث يتم بيع المشروع لمدة محددة تعود بعدها ملكيته للدولة. وقال توفيق إن دور الدولة يجب أن يكون مخططا ومنظما ومراقبا ومشرعا، «فالدولة مدير فاشل، هناك شبه إجماع على ذلك». وكانت مشاكل عديدة قد تفجرت فى شركات تمت خصخصتها بسبب طرد العمال وتراجع أداء تلك الشركات بعد خصصتها، وكان أبرزها شركة طنطا الكتان وشركة عمر أفندى، وأعدت وزارة القوى العاملة تقريرا قدمته لمجلس الشعب حول انهيار بعض تلك الشركات، وهو ما دفع زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، قبل يومين إلى المطالبة بإحالة هذا التقرير إلى النائب العام لاستيفاء حق الحكومة والعمالة، واصفا إياه بأنه محاكمة للخصخصة، كما جاء فى تقارير صحفية. وكان وزير الاستثمار محمود محيى الدين، قد أعلن فى منتصف أكتوبر الماضى، عن قرار الحكومة استئناف برنامج إدارة الأصول أو الخصخصة مع بداية عام 2010، بعد التخلى عن مشروع الصكوك الشعبية وما أثاره من جدل، موضحا أن خطة الحكومة هى البدء بطرح حصص أقلية من شركات حكومية بنسب تتراوح بين 20 و30% للاكتتاب العام فى البورصة، إلا أنه لم يتم الإعلان عن أى من هذه الطروحات حتى الآن. وقال غالى فى حواره مع بلومبرج على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى فى واشنطن قبل يومين، إن «الأصول الباقية لدى الدولة من الأفضل ألا تتم خصخصتها»، وأن الشركات فى قطاع الغزل والنسيج والإنشاء بشكل خاص تحتاج إلى أن يتم التعامل معها بشكل مختلف. وتخضع الشركات المتبقية فى حوزة الدولة، وعددها 150 إلى برنامج إدارة الأصول التابع لوزارة الاستثمار بعد إلغاء وزارة قطاع الأعمال العام المسئولة عن هذا القطاع قبل عدة سنوات، وأشار محيى الدين فى بيان تم نشره على موقع الوزارة فى نهاية مارس الماضى إلى أن ديون هذه الشركات كانت تبلغ 32 مليار جنيه فى 30/6/2004 وانخفضت إلى 8 مليارات جنيه فى 30/6/2009. وتشير نتائج النصف الأول من العام الحالى 2009/2010 إلى تحقيق مزيد من الانخفاض لتصل إلى 4 مليارات جنيه فى 31/12/2009. وأضاف محيى الدين أن هذه التسوية ساهمت فى تحسين الأداء، مما ينعكس إيجابا على أرباح الشركات ويقلل من الخسائر، هذا إلى جانب ارتفاع صافى حقوق الملكية لإجمالى شركات قطاع الأعمال العام، وتوقع أن يتراوح صافى ربح شركات قطاع الأعمال العام فى 30/6/2010 بين 4 و5 مليارات جنيه وذلك بعد استبعاد خسائر بعض الشركات. وكان من بين المشاكل التى أفرزتها الخصخصة فى مصر أيضا احتكار سوق بعض السلع من قبل المستثمرين، مثلما حدث فى مجال الأسمنت، وقال توفيق الذى انتقد من قبل بيع الغالبية العظمى من شركات الأسمنت للأجانب، مما أدى إلى احتكارهم لسوق هذه السلعة الاستراتيجية وتحكمهم فى أسعارها، إن الدولة يجب أن تكون حريصة عند خصخصة أى شركة حتى لا يتحول مسئولها الجديد إلى محتكر، «ما حدث فى قطاع الأسمنت عيب الدولة وليس عيب الخصخصة» تبعا لتوفيق، مضيفا أنه فى هذه الحالات تضع الدولة هامش ربح مناسبا وعادلا للطرف الآخر الشريك فى عملية الخصخصة بناء على دراسة التكلفة التى تستلزمها العملية الإنتاجية «تكلفة طن الأسمنت لا تزيد على 150 جنيها ويصل إلى المستهلك إلى أكثر من 500 جنيه» تبعا لتوفيق. وبلغت حصيلة البيع خلال سنوات حكومة نظيف (2004 2008) نحو 39.3 مليار جنيه، حتى نهاية 2008، طبقا لأحدث البيانات المتاحة. وتباطأت حركة برنامج الخصخصة مع الأزمة المالية العالمية، لتنخفض إلى 8 عمليات فى العام المالى 2008/2009 بقيمة 1.5 مليار جنيه.