في ذكرى انتصارات أكتوبر.. كيف خدع «السادات» إسرائيل؟    44 ألف سيارة.. الحكومة تعلن مفاجأة جديدة بشأن ذوي الهمم    غارات إسرائيلية عنيفة على طريق المطار ومناطق متعددة بالضاحية الجنوبية لبيروت    16 شهيدا بغارة إسرائيلية على مسجد يؤوي نازحين قرب مستشفى شهداء الأقصى    رئيس الجزائر لا يستبعد تعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة    شوقي غريب: اعتذرت عن الاستمرار في الإسماعيلي وعرفت ليه إيهاب جلال تعب (فيديو)    الأرصاد.. استمرار انخفاض درجات الحرارة اليوم ونسمات باردة في الصباح الباكر والليل المتأخر    السيطرة على حريق فيلا بالتجمع الأول    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المساكن بمنطقة حدائق القبة    نجوم الفن في حفل زفاف ابنة علاء مرسي.. أبرزهم السقا وسمية الخشاب | صور    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    لتجنب التسمم الغذائي.. الخطوات الصحيحة لتنظيف وغسل «الفراخ»    شعبة الدواء تكشف عن سبب ظهور السوق السوداء    غريب: استبعاد إمام عاشور من المنتخب «فني».. وكنت أتمنى ضم نجم الزمالك    حمد إبراهيم: أثق في لاعبي الإسماعيلي..ويجب أن نكون على قلب رجل واحد    مدحت شلبي: نجم الأهلي يهدد بالرحيل    عالية المهدي: الدعم النقدي ليس حلا لمشاكلنا.. و85% من الأسر رفضته في 2006    «مصر للطيران» تنقل 286 مصريًا عالقين في لبنان إلى أرض الوطن.. صور    «زي النهارده».. وفاة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد 6 أكتوبر 2012    الأمن العام يداهم بؤرة إجرامية.. ومصرع 3 عناصر شديدة الخطورة بقنا    ماكرون يُعلن عن مؤتمر دولي لدعم لبنان وتعزيز الأمن في جنوبه    عليك مواجهة تغييرات جديدة في مكان العمل.. برج القوس اليوم الأحد 6-10-2024    قبل عرضه.. تعرف على تفاصيل فيلم آل شنب    عيار 21 يسجل 3600 جنيها.. مفاجأة بشأن ارتفاع أسعار الذهب    علي كرماني: اشك في «بوست» بلعيد.. ولم أكن حاضرا في مفاوضات اللاعب مع الأهلي    مدحت شلبي يوجه صدمة قوية لجماهير الزمالك بشأن أحمد فتوح    يقي من الخرف والألزهايمر.. 5 فوائد صحية لتناول البيض    حدث في منتصف الليل| حقيقة تعرض البلاد لشتاء قارس.. وأسباب ارتفاع أسعار الدواجن    ريهام أيمن أمام حمام السباحة و"سيلفي" مايان السيد وهيدي كرم.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| علاء مرسي يبكي في فرح ابنته وأخرى تجري عملية جراحية وحقيقة وفاة إعلامي شهير    من أسرة واحدة.. إصابة 6 أشخاص في حادث سيارة ببني سويف    البيع تم قبل شهور.. مصدر مقرب يكشف مصير مطعم صبحي كابر    رئيس " الحرية المصري": انتصارات أكتوبر ستظل علامة بارزة في تاريخ العسكرية المصرية    صافرات الإنذار تدوي في عدة مناطق بشمال إسرائيل    استئصال ورم كبير من قلب مريضة بمستشفى جامعة أسيوط    غارات إسرائيلية على منطقة القصير بريف حمص عند الحدود السورية اللبنانية    قفزة في سعر الفراخ البيضاء والبلدي وثبات كرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    مصرع طفلة وشقيقها سقطا من الطابق السادس أثناء اللهو ب15 مايو    جوجل والجنيه.. دعم ل«الصناعة المحلية» أم عقاب لصنّاع المحتوى؟    « عز يرتفع والاستثماري يتراجع».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    "نيويورك تايمز" ترصد تأثيرات صراع الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي    قصة تريند بيع مطعم صبحي كابر.. «الطلبات شغالة وانتظروا فيديو للحاج» (صور)    كنيسة الروم بلبنان لأهل الجنوب: نحن بحاجة للتمسك بأرض أجدادنا لا تتركوا أرضكم ودياركم    تعيينات وتنقلات جديدة للكهنة في مطرانية الأردن للروم الأرثوذكس    أعشق السينما ومهمومة بكل تفاصيلها.. كلوديا حنا عن مشاركتها كعضو لجنة تحكيم بمهرجان الإسكندرية    «المضل» في بني سويف تضم «مزامير» داود وكنوزًا زاخرة    وائل جسار: عايشين حالة رعب وخوف في لبنان.. ودعم مصر مش جديد علينا    أحمد عبدالحليم: الزمالك استحق لقب السوبر الإفريقي و«الجماهير من حقها الفرحة»    نائبا رئيس الوزراء أمام «النواب» غدًا    رابع مُنتج للمشروبات في العالم يبحث التوسع في السوق المصرية    عرض «فرص الاستثمار» على 350 شركة فرنسية    إعلام لبناني: صعوبات في وصول الإطفاء والدفاع المدني لأماكن الغارات الإسرائيلية    نقيب الأطباء: الطبيب في مصر متهم حتى تثبت براءته عكس كل المهن    ملخص أهداف مباراة الأهلي والهلال في كلاسيكو دوري روشن السعودي    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بنصر أكتوبر مهم لأنه أمر إلهي    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن أمل
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 02 - 2024

من ثلاثة أحرف سماها والدها لأنها أول «فرحة» كما يقولون، وضعا فى «أمل» كل حبهم وطموحهم فى حياة يتمنونها مليئة بالرضا والكفاف. وكان هذان الوالدان المكافحان قد تعاهدا معا عند زواجهما لعمل ما باستطاعتهم لتمكين أطفالهم من حياة أفضل وأكثر رخاء من حياتهما المليئة بالمعاناة لتأمين الحد الأدنى من المتطلبات.
ترعرت أمل فى ظل هذين الأبوين العطوفين وتدرجت فى مدارسها المختلفة وهى تجتاز المرحلة تلو الأخرى بتفوق واضح تصحبها فرحة كبيرة من أبويها ثم من إخوتها الصغار. ولما وصلت أمل للمرحلة الجامعية أحبت أمل أن تدرس ما يدعم حبها واهتمامها بالطعام والصحة لذلك التحقت بأحد التخصصات الذى يهتم أساسا بمنظومة التغذية والصحة، بالتالى استفادت للغاية من المعرفة التى نقلها لها أساتذتها خلال سنوات دراستها الجامعية. ولحبها لما تعلمت كانت دائما فى معية الطالبات والطلاب المتفوقين المحبوبين والمدعومين من الأساتذة.
دفعتها مناقشاتها مع أساتذتها وإطلاعها على العديد من الأوراق البحثية والتقارير الحديثة إلى إدراك أهمية موضوع التغذية الصحية، ولأهميته يجب أن يتم تناوله فى إطار منظومة إنتاج الطعام بدءا من الزراعة ومدخلاتها، مرورا بنقل المنتجات الزراعية وما يفقد منها، وحتى إعداده وتجهيزه، ثم انتهاء بكيفية استهلاكه فى المنازل أو المطاعم أو فى المدارس.
بعد تخرجها بحثت عن عمل فى تخصصها لا يكون بعيدا عن مسكنها، وبعد عدة أشهر من البحث ولأنها لم توفق فيما كانت تسعى إليه قبلت العمل كمدرسة فى إحدى المدارس الابتدائية التى تقع على حافة قرية زراعية ليست بعيدة عن مسكنها. وقامت فيها بتدريس ما يتناسب مع ما تلقته فى جامعتها، وخاصة مادة العلوم، كما درست أيضا اللغة الأجنبية التى كانت متفوقة فيها نتيجة حرصها على الإطلاع على الأبحاث والدراسات الحديثة الصادرة من أنحاء العالم المختلفة والتى كان أساتذتها يلفتون الانتباه لها باستمرار.
• • •
كان يؤلمها فى ذهابها وعودتها اليومية من عملها انتشار الوجوه العابسة وندرة الوجوه الباسمة وتدهور الاهتمام بالآخرين، بل اهتمام الناس بأنفسهم، كما يبدو فى زيهم وتعاملهم معا فى الشوارع والمحال العامة. كان صعبا على أمل أن تستوعب كيف لمجتمع ذى تاريخ عريق مثل مجتمعنا أن ينتشر فيه ما ينتشر من الأفكار والأقوال التى لا تتبدى ممن توفرت لهم معرفة جادة فى أطوار التعليم المختلفة، ويزيد آلمها عندما يمر بخاطرها ما قرأته لأحد كتاب مصر الكبار مندهشا من حال المصريين الآن وكيف أنهم لا يدركون أو لا يأخذون على محمل الجد حقيقة أنهم كانوا أصحاب أول مبادرة حضارية فى التاريخ.
ما شغل بال أمل فى عملها هو كيف يمكن أن تساعد هؤلاء الصغار حتى يتمكنوا من تغيير حالهم وحال من حولهم للأفضل، وهل يمكن أن يصنع ما تعلمته فى سنين الجامعة فارقا هاما لهم؟ دفعها هذا للعودة لبعض الدراسات والأوراق البحثية التى تأثرت بها كثيرا فى الجامعة، ومن أولها تلك الدراسات الحديثة التى ربطت الغذاء الصحى بمنظومة الطعام ككل وأيضا بنشاط الإنسان البدنى والذهنى وصحته العقلية، وتتذكر أن تلك الدراسات ربطت ذلك أيضا بصحة كوكب الأرض ككل وصحة جميع الكائنات الحية. تتذكر كيف كان الأستاذ يشرح لهم ذلك، فإن الأرض ومن عليها عبارة عن منظومة معقدة مثل خلايا المخ كلها مترابط معا وكل تأثير على مكان ولو كان صغيرا يترك أثرا على المنظومة ككل. وكان يستطرد فى شرح ذلك ويقول، إننا يمكننا إذا اخترنا الأماكن الصحيحة التى نهتم بها يمكن أن يؤثر ذلك على الأماكن الأخرى لأن الكل مترابط معا. وكان يشرح أننا إذا أردنا أن نحقق صحة أفضل للإنسان يجب أن نربط ذلك بالحفاظ على كوكبنا والأرض التى نعيش عليها والتى بدون مواردها المتجددة غير الملوثة، وبدون الكائنات البرية فيها سواء الكبيرة منها أو الصغيرة أو التى تعيش فوق الأرض أو تحتها لا نستطيع أن نضمن لأنفسنا ولأطفالنا الطعام الصحى والماء والهواء النقيان.
• • •
فهمت أمل جيدا أننا إذا أردنا أن نبدأ التغيير فى مجتمعنا فلن يكون ذلك عن طريق الاهتمام بالمظهر الخارجى للمدرسة وطلائها وإن كان هاما أو ببناء الكوبرى الذى يعبر النيل بدلا عن المعديات، الذى ربما يحتاج القليل من الاعتناء حتى يقوم بمهامه على الوجه الأكمل، ولكن يمكن أن نبدأ هذا التغيير بالاستثمار فى تحسين غذاء أطفالنا خاصة فى سنين دراستهم الأولى.
قرأت أمل العديد من الدراسات وأطلعت على العديد من تجارب الدول، وخاصة ما يشبهنا منهم، كما أطلعت أيضا على تجارب الدول المتقدمة فرأت أنه يمكننا الاستفادة منها بسهولة. ورأت فى كل الدراسات السابقة كيف تُعطى الأولوية لما يأكله الأطفال فى المدارس، وكيف يهتمون بالوجبة المدرسية وما يجب أن تحتويه من مكونات بعضها طازج والبعض ساخن، وتكون وجبة متكاملة تمثل حجر أساس لنمو عقل وجسم الأطفال، أى ما يضخ فى أجسادهم من طاقة تمكنهم من ممارسة الرياضة ومن الاستيعاب الجيد للمعارف التى يتلقونها، كما تساعدهم فى تقوية جهازهم المناعى بما يحميهم من العديد من الأمراض لمساعدتهم على الحضور للمدرسة وممارسة الأنشطة المختلفة لأطول وقت.
• • •
قرأت أمل أيضا عن اقتراح لمشروع فى مصر يتبنى تغيير منظومة الطعام ويتبنى استخدام المدارس كمشروع تجريبى يتم فيه زراعة بعض الخضر الطازجة التى يشارع فى رعايتها التلميذات والتلاميذ، والتى يتعلمون من خلالها الكثير عن العالم من حولهم من خلال خطوات الزراعة المختلفة؛ وفى النهاية، يستفيدون من الإنتاج فى وجبتهم اليومية. كما يتعلمون عن الوجبات الصحية من خلال استقدام بعض مشاهير الطبخ لتحضير وجبات سريعة وصحية ولذيذة. وقرأت أن هذا المشروع التجريبى الذى لن يتكلف الكثير سيكون البداية فى تغيير علاقة الناس بالطعام ليس التلاميذ فقط ولكن بالضرورة أهاليهم الذين يتم دعوتهم للمدرسة كل حين لمشاهدة تلك التجربة والاستفادة منها، كذلك ستتم دعوة المزاعيين النقاش معهم بما يفيد التلاميذ وأهاليهم.
هذا المشروع جعلها تتمنى لو يتم تمكينها من العمل كأخصائية تغذية للمدرسة التى تعمل فيها، ربما يكون باستطاعتها المساهمة بصورة أفضل فى دعم وتمكين أجيال عديدة. وتخيلت أن ذلك سيؤدى بالضرورة لظهور العديد من النابغين والنابهين منهم والذين سيكونون أكثر قدرة على التعامل مع التحديات العديدة التى تواجهنا حاليا، والتى يعرف الجميع أنها فى ازدياد، وأن طريق مواجهتها الأول سيكون من خلال الابتكار والبحث والعلم الواعى بدقة بالبيانات والمعلومات عن البيئات والمنظومات الطبيعية المحلية والكائنات التى تعيش فيها والتى تتطلب حلولا مصممة خصيصا لها لا لغيرها.
كان لدى أمل طاقة كبيرة مكنتها من التعامل بحب كبير مع تلميذاتها وتلاميذها، فتنصت لهم باهتمام وتشجعهم وتدعمهم وتناقشهم وترشدهما باسمة لطرق المعرفة المختلفة. وكانت عندما تسمع لبعض الأسئلة الذكية وترى العيون اللامعة تذهب فى خيال لحظى تتصورهم فيها بعد سنوات وقد ذاعت نجاحاتهم وظهرت فى العديد من البؤر المضيئة هنا وهناك. تعرف أمل أن نجاح وتفوق هؤلاء الصغار النابهين هو ما يحتاجه مجتمعهم بل أيضا ما يحتاجه جيرانهم فى المجتمعات التى ليست بعيدة عنا.
• • •
لم تستسلم أمل أبدا لمن حاول أن يثنيها عن أفكارها ويدعوها لتقبل حالنا، ولكن طاقتها التى كانت تتراوح بين الارتفاع والانخفاض التى تستدعى لرفعها صورة الأطفال النابهين أو التواجد بالقرب من النيل. وفى نهاية أسبوع ملىء بالعمل والنقاش وأثناء عودتها من عملها فى مدرستها وبصحبة زميلة لها استأذنتها فى الوقف قليلا أمام صفحة النهر القريب لكى تتخلص من أعباء يومها، ثم خطر على بالها أن تركب المعدية التى لم تركبها من وقت طويل لترى ما فى الضفة الأخرى وطلبت من صاحبتها أن تنتظرها فهى لن تتأخر. وانتظرتها صاحبتها كثيرا ثم حاولت الاتصال بها ولكن دون جدوى، وحين افتقدها أهلها بحثوا عنها كثيرا لكن لم يحالفهم الحظ.
لم تكن «أمل» أملا لأهلها فقط ولكنها كانت أحد مصادر الطاقة المتجددة لصاحباتها. كما كانت المرشدة والصديقة لتلاميذها وتلميذاتها. لم يفتقد فيها الجميع إنسانا رحيما وعطوفا فقط ولكنهم افتقدوا أيضا ما كانوا يرونه فى عيناها من تشبث بالمستقبل الأفضل، التى لطالما قالت إننا نستحقه جميعا. وافتقدوا فيها ما كانت تراه من أن هذا المستقبل الأفضل يبدأ من عندنا من اهتمامنا بصحة أطفالنا وسلامة الطعام الذى ننتجه بالقرب منا وينمو فى هواء غير ملئ بالدخان والملوثات، ويُروى بماء نظيف غير ملوث، ويخرج من تربة لا تخنقها المبيدات أو الأسمدة الصناعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.