يرى الدكتور مينكسين بي، المحلل الأمريكي من أصل صيني أن مصير العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالصين قد يتوقف على الانتخابات التي ستجرى يوم السبت المقبل، الثالث عشر من شهر يناير الحالي- أو هذا ما تريد الصين أن يعتقده العالم. وإذا ما فاز لاي تشينج، نائب رئيسة تايوان، ومرشح الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم، من المؤكد تقريبا أن تزداد التوترات. ويضيف بي، أستاذ العلوم السياسية، والمتخصص في تحليل شؤون الصين والعلاقات بين الولاياتالمتحدة وشرق آسيا، في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أنه من الممكن أن تكثف الصين في هذه الحالة من توغلاتها البحرية والجوية، وشن هحمات سيبرانية، ومقاطعة البضائع التايوانية للإعراب عن عدم رضائها، مما يزيد من مخاطر وقوع اشتباك يمكن أن يجر القوات الأمريكية ويدمر الاقتصاد العالمي. وفي حقيقة الأمر، فإنه رغم أنه من المرجح أن تؤدي خسارة الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم في الانتخابات إلى خفض حدة التوترات عبر مضيق تايوان، فإنها لن تؤثر كثيرا على التنافس الشامل بين الولاياتالمتحدةوالصين. وسوف تستمر الحرب التكنولوجية بين القوتين العظميين رغم كل شىء. وسوف يتم الفصل بين تجارتيهما ، وكذك الخلاف حول الحروب في أوكرانيا وغزة. ولن يتوقف الجيشان الأمريكي والصيني عن تطويق كل منهما الآخر في بحر الصين الجنوبي. وهناك المزيد من هذه الأمور. ويقول بي إن الحقيقة هي أن الولاياتالمتحدةوالصين تجدان نفسيهما في حالة شقاق ليس بسبب خلافهما الأساسي بشأن وضع تايوان ومستقبلها، ، لكن بسبب رؤاهما المتعارضة بشأن النظام الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة. ولم يكن هذا هو الحال حتى عقد مضى تقريبا. فقد كانت تايون تمثل على الدوام مشكلة صعبة و حساسة للغاية بالنسبة لتعامل الولاياتالمتحدةوالصين معها.ومع ذلك، فإنه طالما كانت علاقاتهما العامة غير عدائية، كانت بكين وواشنطن تحاولان بذل كل ما في وسعهما لتجنب أن تؤدي قضية مستقبل تايوان إلى تسميم كل شىء آخر. لقد بلغ الأمر أن الدولتين كانتا تتعاونان أحيانا لمنع حدوث أزمة محتملة، لكن العقد الماضي شهد انهيار هذا التواصل بينهما، وشهد بداية تنافس عدائي شامل. ويمكن ارجاع هذا التحول إلى سلسلة من تصرفات اتخذها الرئيس الصيني شي جين بينج بعد وقت قصير من توليه منصبه بلغت حد التحدي المباشر لنظام ما بعد الحرب الباردة. وهذه التصرفات شملت تشييد الصين لجزر اصطناعية ذات طابع عسكري في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الحنوبي في ديسمبر2013، والإعلان عن ما أصبح يعرف بمبادرة الحزام والطريق، أيضا في عام 2013؛ والانشطة العدائية المتزايدة قرب جزر سينكاكو/ دياويو، التي تطالب بها اليابان أيضا؛ وخطاب ألقاه شي في منتدى أمني إقليمي عام 2014 فُهم منه أن التواجد الأمني الأمريكي في آسيا لم يعد يحظى بالترحيب. وردت الولاياتالمتحدة على التصرفات الصينية بفرض رسوم جمركية، وقيود على الصادرات، والقيام بدوريات عسكرية، وإحياء تحالفاتها الأمنية في آسيا. وفي الحقيقة ، تم في خطوة ضد الصين، إضفاء طابع التسليح على نفس الآليات التي عززت النظام الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة - والمتمثلة في شبكة تحالفها الواسعة النطاق، والوصول إلى سوق المستهلك، والتكنولوجيا المتقدمة، والتحكم في نظام السداد العالمي. وبطبيعة الحال كانت النتيجة دائرة مفرغة من التصرفات من الجانبين. ونظرا لأن الصين قوة أضغف كثيرا من الولاياتالمتحدة، شعرت أنه يتعين عليها أن تكون شريكة مع روسيا برئاسة فلاديمير بوتين التي تشاركها عدم الرضا إزاء "الهيمنة" الأمريكية. وأدت" الصداقة الدائمة" التي أعلنها شي وبوتين في فبراير 2022، قبل ثلاثة أسابيع من غزو روسيالأوكرانيا إلى اعتبار بكين شريكة لموسكو، مما زاد من عمق الخلافات مع الولاياتالمتحدة. ويقول بي إنه من سوء الحظ بالنسبة للصين أن الحرب في أوكرانيا زادت من تركيز العالم على تايوان باعتبارها الدولة التالية التي ستشهد مثل ما حدث لأوكرانيا، مما يمكن أن ينذر بنشوب حرب مباشرة مع الولاياتالمتحدة. ولردع الصين، كثفت الولاياتالمتحدة من دعمها العسكري لتايوان وعززت شبكاتها الأمنية في شرق آسيا. وأعتبرت الصين هذه التحركات استفزازية وردت بالمزيد من التصرفات العدوانية في المنطقة لتخويف حكومة الحزب التقدمي الديمقراطي في تايوان. ويرى بي أن حقيقة أن المصدر الأساسي للتوترات بين الولاياتالمتحدةوالصين هو رؤاهما المتضاربة بشأن النظام الدولي هو أمر سىء وجيد على السواء. والأمر السيء هو أنه طالما كانت الولاياتالمتحدةوالصين في حالة صدام بشأن القواعد والأعراف التي تحكم ممارستهما للقوة في الخارج، سيظل مصير تايوان رهينة لهذا التنافس الأوسع نطاقا. وسيظل مضيق تايوان من أخطر مناطق صراع القوى الكبرى بغض النظر عمن يحكم تايوان. اما الأمر الجيد المحتمل فهو أن تايوان ليست السبب الرئيسي للتنافس بين الولاياتالمتحدةوالصين، فقد تستطيع بكين وواشنطن إزالة حساسية القضية بشكل يكفي لتوقفهما عن دائرة الانتقام بينهما. ومن الناحية العملية يعني هذا أنه يتعين على قادة الولاياتالمتحدةوالصين إعطاء الأولوية لإدارة الجوانب الأخرى لتنافسهما وعدم السماح لقضية تايوان بأن تهيمن على علاقاتهما. واختتم بي تقريره بالقول إنه رغم أن البعض في تايوان قد يخشى أن يتم تجاهلهم في مثل هذا السيناريو، فإن الجزيرة سوف تكون أكثر أمانا إذا كانت العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالصين أقل عرضة لأي أزمات.