حزب المؤتمر: الحكومة الجديدة تحمل مسؤوليات جسيمة وآمالاً كبيرة من الشعب المصري    المستشار عبد الراضي صديق يؤدي اليمين أمام السيسي رئيساً لهيئة النيابة الإدارية    للتهنئة بالمنصب..وزير الأوقاف يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الشؤون الإسلامية بإندونيسيا    وزير التعليم يتفقد ديوان الوزارة ويعقد سلسلة اجتماعات    محافظ القليوبية يعتمد مواعيد امتحانات الدور الثاني لصفوف النقل    أسعار الأسمنت اليوم الخميس 4-7-2024 في محافظة البحيرة    إصدار اللائحة المالية للهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل    محافظ قنا يبدأ عمله برصد حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية    محافظ الشرقية: الجهاز الإداري هو المحور الرئيسي في تنفيذ خطط التنمية    الفريق أسامة ربيع: نستمر في تقديم خدماتنا البحرية والتواصل المباشر مع العملاء    مرصد الأزهر يصدر مؤشره الشهري للعمليات الإرهابية في باكستان لشهر يونيو 2024    الهلال الأحمر الفلسطيني: العدوان المستمر أخرج غالبية المستشفيات عن الخدمة    مواجهة ثأرية للديوك.. فرنسا تبحث عن رد الاعتبار أمام البرتغال    مانشستر يونايتد يعلن تجديد عقد تين هاج حتي 2026    تفاصيل إشعال شخص النيران داخل شقته بالمنيرة الغربية    ضبط مندوب شركة يدعي سرقته للهروب من العهدة بالقاهرة    رسميًا.. موعد التقديم بمدارس التكنولوجيا التطبيقية والشروط والمعايير    280 مليون جنيه.. إيرادات فيلم ولاد رزق 3 في السعودية بعد 21 يوم عرض    زايد: «بيت مصر في باريس» تطبيق عملي لحوار الحضارات    ورش رسم وأداء حركي ومسرحي للموهوبين في ثاني أيام "مصر جميلة" بدمياط    نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة في زيارة مفاجئة لمستشفيي العامرية والقباري    «السبكي» يشارك في احتفالية الهيئة العامة للتأمين الصحي لمرور 60 عامًا على إنشائها    مستشفى الصدر بالزقازيق بين الماضي والحاضر |صور    ارتكبوا 6 وقائع.. القبض على تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات بالجيزة    انتشال جثة طفلين غرقا في مزرعة سمكية بكفر الشيخ    جامعة كفر الشيخ تطلق مشروع تعزيز برنامج مصر لتنظيم الأسرة SEFPP    بعد قليل.. مصر تترقب مصيرها في تصفيات أمم أفريقيا 2025 (بث بالفيديو)    تأكيدًا ل المصري اليوم.. الزمالك يعلن رسميًا انتهاء أزمة خالد بوطيب    أشرف زكي يكشف حقيقة تدهور الحالة الصحية لتوفيق عبدالحميد    "مهرجان العلمين".. عروض مسرح واستمتاع بالشواطئ العامة مجانا    متى موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2024 للموظفين بالقطاعين العام والخاص ؟    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يهدم المنازل في الضفة الغربية للتوسع الاستيطاني    عبده علوان قائم بأعمال رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد    نظام أمان مبتكر لمواجهة انزلاق السيارة على الماء    بيلاروس تنضم رسميا إلى منظمة "شنجهاي للتعاون"    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    بدء الصمت الانتخابي اليوم تمهيدا لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية    تحرير 35 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    عمرو سعد: أحمد حلمي قرر أنه مش هيشتغل معايا أنا وأخويا    أستاذ جراحة تجميل: التعرض لأشعة الشمس 10 دقائق يوميا يقوي عظام الأطفال    رئيس الاعتماد والرقابة الصحية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع مؤشر مصر الصحي    البيت الأبيض: هدف باريس وواشنطن حل الصراع عبر الخط الفاصل بين لبنان وإسرائيل دبلوماسيًا    استقبال العام الهجري الجديد 1446 بالدعاء والأمل    العكلوك: الاحتلال يستهدف التوسع الاستيطاني وتقويض صلاحيات الحكومة الفلسطينية    حزب الله يشن هجوما بمجموعة من المسيرات على 7 مواقع عسكرية إسرائيلية    "رغم سنه الكبير".. مخطط أحمال بيراميدز يكشف ما يفعله عبدالله السعيد في التدريب    سويلم يتابع ترتيبات عقد «أسبوع القاهرة السابع للمياه»    ملفات محافظ أسيوط الجديد.. أبرزها إنهاء الخصومات الثأرية وإحكام الرقابة على الأسواق    «الإسكان الاجتماعي»: حملات متواصلة لضبط الوحدات المخالفة بأكتوبر والنوبارية    «دون وفيات».. انهيار منزل من 5 طوابق بالمنوفية    تشكيل كامل يغيب عن قائمة الأهلي في مواجهة الداخلية    متى وقت أذكار الصباح والمساء؟.. «الإفتاء» تكشف التفاصيل    ناقد رياضي: متفائل بالتشكيل الوزاري وأدعم استمرارية أشرف صبحي في وزارة الرياضة    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    قصواء الخلالي: الحكومة الجديدة تضم خبرات دولية ونريد وزراء أصحاب فكر    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغنيات مشفرة من فلسطين
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 11 - 2023

قبل عام تقريبا انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى أغنية تؤديها عجوز فلسطينية، تدعى الحاجة حليمة، تجاوز عمرها 84 سنة وهى ترتدى زيا تراثيا. تفاعل الناس بشكل كبير مع كلماتها حين أنشدت: «شدوا بعضكم يا أهل فلسطين.. شدوا بعضكم، ما ودعتكم، ما ودعتكم، رحلت فلسطين، ما ودعتكم، على ورق صينى لأكتب بالحبر على ورق صينى، يا فلسطين، على اللى جرى لك يا فلسطين». أعيد مونتاج الفيديو ليظهر البعض مرددين الأغنية مع الحاجة حليمة التى اشتهرت وصار لها حساب على تطبيق «تيك توك»، وعرفنا اسمها بالكامل وقصتها، فهى حليمة سليمان الكسوانى، هجرت من قريتها «بيت اكسا» بقضاء القدس وعمرها عشر سنوات، وتقطن فى مخيم الزرقاء بالأردن منذ العام 1961، ومع ذلك فهى تذكر تفاصيل الأرض والجغرافيا وأسماء الجيران ومعلميها ولحام القرية (الجزار) وتحفظ عن ظهر قلب الأغنيات القديمة التى ترود اللحن ذاته فى كل مقطع ويطلق عليها «ترويدة»، إذ تردد اللحن المرتبط بقالب السامر الذى ينسب إلى وسط فلسطين وجنوبها.
تاريخ هذا النوع من الفلكلور يعبر بعمق عن حكاية البلاد، فهو كسائر الأغنيات الشعبية يتسم بالبساطة والعفوية مما يسمح له بالاستمرار عبر العصور، ويستطيع استيعاب كلمات ومصطلحات جديدة، ويسجل الأحداث والمواقف لأنه يستجيب لحاجة الناس فى أوقات بعينها. يقول الباحثون إنه من الصعب التحديد على وجه الدقة متى ظهر هذا الغناء الملىء بالحزن والأشواق والحب، لكن يرجح أن نشأته كانت مع نهاية العهد العثمانى وبداية الانتداب البريطانى. اخترع الفلسطينيون الترويدات ذات الكلمات المشفرة، التى قد تبدو أحيانا كأنها تعويذات غير مفهومة، لكى يتحايلوا على المستعمر البريطانى ويتمكنوا من تمرير الرسائل بين المعتقلين وأهاليهم أو بين الأسرى والفدائيين القادمين لتحريرهم. اعتمدت الترويدة على لغة جديدة وهى قلب الكلمة أو إبقاء آخر حرف منها سليما أو عكسها بدون الإبقاء، فيقولون مثلا: «بأو لاصح دوى لساح لرقية رفوصية» بدلا من «أبو صالح ودى سلاح لقرية صفورية»، وفى مرات أخرى كان يضاف حرف اللام للتمويه لذا يطلق على هذا النمط من التشفير «الملولالة» أو «الملالاة»، وقد تختتم الجملة بكلمة «الرويليلو»، كما هو الحال فى واحدة من أشهر الترويدات التى تغنت بها أمهات الأسرى لتبشيرهم باقتراب الخلاص، وهى بعنوان «شمالى»: «وأنا ليليبعث معليلريح الشمالى لالى يا رويليلوووو (وأنا الليلة لبعث مع الريح الشمالى) ... وطالالات الغربة الليلة واشتقنا ليلى للهم يا رويليلووو (وطالت الغربة واشتقنا ليهم) ».
• • •
أصل كلمة الترويدة من رود يرود أى ردد لحنا وكرره مرات متتالية، فهو قالب يعتمد بالفعل على تكرار لحن بالرغم من تغيير الكلمات أو الموضوع، أى أن الأغنية تبدأ وتنتهى بالجملة الموسيقية الرتيبة ذاتها، وتلتزم بجنس مقام واحد (عجم أو كرد مثلا) وهو قطعة مكونة من 3 أو 4 علامات موسيقية فقط. وقيل أيضا إن الترويدة جاءت من الورد (يا واردات على النبع)، بمعنى القدوم إلى النبع والبدء بتعبئة واستخدام الماء، إذ كانت النساء الفلسطينيات يغنين الأهازيج وهن على نبع الماء متحديات بعضهن البعض بتكرار الألحان مثلما يحدث فى معظم غنائهن التقليدى.
كان يكثر ترديدها أيضا فى المناسبات مثل وداع العروس فى ليلة الحناء وعند رحيل قوافل الجمال وحلب المواشى أو فى مواسم اندثر الاحتفال بها منذ النكبة مثل موسم النبى موسى وموسم النبى صالح وموسم الشيخ المنطار. ويحكى أن الشعراء الشعبيين فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى بعد فقدهم للأمل فى عودة الدولة العثمانية للتدخل فى أزمات بلاد الشام لجأوا إلى تشفير هذه الأغانى للالتفاف على الأوضاع.
شهدت هذه الفترة بداية النضال النسائى الفلسطينى، وبرز تنظيم «رفيقات القسام» الذى تأسس عام 1932 وانتهج الكفاح المسلح. تدربت عضواته بشكل سرى على يد الشيخ الأزهرى المجاهد عز الدين القسام (18831935) ، الذى قاوم الانتداب الفرنسى على سوريا ومثيله البريطانى على فلسطين حتى توفى فى إحدى المعارك، وكان مقتله ضمن أسباب اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 للمطالبة بالاستقلال وإنهاء سياسة الهجرة المفتوحة لليهود وشراء الأراضى. كان القسام مؤمنا بدور المرأة فى النضال فخرجت من المجال الاجتماعى القائم على التوعية وجمع التبرعات إلى ساحة القتال. وبعدها بسنوات تكونت فى يافا جمعية «زهرة الأقحوان» التى تحولت من جمعية نسائية اجتماعية وخيرية إلى حركة مقاومة عسكرية ناشطة خلال عامى 1947 و48.
• • •
فى مثل هذه الأجواء كان من الطبيعى أن تكون الترويدة غناء نسائيا بامتياز. عبرت السيدات والفتيات من خلاله عن مشاعر الحب فى مجتمع محافظ وعن انخراطهن فى المقاومة، فكانت ترويدة مثل «يا حلولوبنا (يا حبنا)، يا طيرليلى خذ مكتلوبنا (يا طيرى خذ مكتوبنا)، حطلى غربال، شيللى غربال»، أو ترويدة «يا طالع الجبل» التى أخبرن بواسطتها «المحبوس» أو «الغزال» فى الأغنية أن الفدائيين آتون ليلا لتحريره وأن إشارة بدء العملية هى رؤية النار موقدة.
لايزال بعض أهالى المخيمات يستخدمون تلك اللغة المشفرة، كما سعت بعض الفنانات الفلسطينيات مثل الراحلة ريم البنا ورلا عازر وميس عبدالهادى وسناء موسى إلى الحفاظ على هذا التراث الشفهى وإحيائه، فهذه الأخيرة مثلا تعمل منذ احترافها عام 2003 على جمع وتدوين الترويدات القديمة، إضافة إلى غنائها، وتقوم وحدها بمهمة تحتاج إلى مؤسسة مختصة. اكتشفت ترويدة «يا مريم» فى قرية «بتير» بالقرب من بيت لحم، وترويدة «بدوية» وصلتها من سيدة فى الجليل توفيت قبل سنوات، وهكذا تحاول أن تتشبث بذاكرة هؤلاء الذين ينطقون بما لا تحكيه الكتب ولا تسقطه غلبة المنتصر، كى لا تندثر الترويدات مثلما حدث مع موسيقى الساحل التى اختفت بموت الصيادين بعد النكبة، إذ كان من الصعب توارث هذا القالب المرتبط بأشغال البحر بعد التهجير.
النساء هن حارسات التراث الشفهى الفلسطينى وقد ساهمن حتى فى نقل قوالب كانت حكرا على الرجال مثل السامر والشوباس والزجل، إضافة إلى دورهن فى تأجيج الجانب الرومانسى للمقاومة. أصواتهن تأتينا حاليا بصراخ وعويل، ونتمنى أن تكون هناك عودة للموسيقى عن قريب قبل أن تفنى الأرض ومن عليها، ويرتفع غناء الحاجة حليمة مجددا وهى تنطق الضاد بما يشبه الظاء كعادة أهل البادية ومناطق الريف: «يا ولاد العرب.. لموا بعضكم! (..) بالحبر الصينى لأكتب ع الورق، بالحبر الصينى، على اللى جرالك يا فلسطينى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.