صافح جميع العاملين.. اللواء طارق الشاذلي يصل محافظة السويس في أول يوم عمل (صور)    مدبولي: إيرادات قناة السويس انخفضت بشكل حاد بسبب أزمة البحر الأحمر    في عهد حسن عبد الله.. تحسن 10 مؤشرات اقتصادية ومصرفية خلال عامين    نظام أمان مبتكر لمواجهة انزلاق السيارة على الماء    الصحة بغزة: ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية إلى 38 ألفا و11 شهيدًا    صحة غزة: توقف مولدات الكهرباء في مجمع ناصر الطبي خلال ساعات    بيلاروس تنضم رسميا إلى منظمة "شنجهاي للتعاون"    4 إصابات وعقوبة.. 10 غيابات للأهلي في مواجهة الداخلية بالدوري المصري    موعد مباراة إسبانيا وألمانيا في ربع نهائي أمم أوروبا يورو 2024 والقنوات الناقلة    في انتظار رخصة كاف.. الزمالك يعلن انتهاء أزمة بوطيب    "خدعة الزجاجة المكسورة".. الداخلية تكشف حقيقة الاعتداء على مندوب تحصيل وسرقة مبالغ مالية    التعليم تعلن فتح باب التقديم لمدارس التكنولوجيا التطبيقية.. ما الشروط المطلوبة؟    "مش ناوي تنزل تشتغل".. سر جملة أنهت حياة "منى" على يد زوجها أمام أطفالها بطنطا    توفيق عبد الحميد يكشف حقيقة تدهور حالته الصحية    احذر.. ثلاثة أمور لا تفعلها وراء الإمام في الصلاة    تحقيق وتوجيهات عاجلة.. جولة مفاجئة لوزير الصحة بمستشفيات الإسكندرية    مدبولي: مؤتمر أسبوعي عقب اجتماع الحكومة لمناقشة القضايا والرد على الاستفسارات    "الشرف غالي يا بيه".. أم تنهار لاختفاء ابنتها والشرطة تكتشف أنها وابنها وراء قتلها    وزير الإسكان: الرئيس السيسي وجه بضرورة إيجاد حلول بديلة وغير تقليدية لتحقيق التنمية    إيرادات قوية لفيلم اللعب مع العيال في دور العرض.. كم حقق في 22 ليلة؟    بدء الصمت الانتخابي اليوم تمهيدا لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية    عدد أيام إجازات يوليو 2024 وموعد عطلة رأس السنة الهجرية    محافظ بني سويف يناقش الموقف التنفيذي لعدد من الملفات الحيوية    عمرو سعد: أحمد حلمي قرر أنه مش هيشتغل معايا أنا وأخويا    مدير مكتبة الإسكندرية يشرح تفاصيل تصميم «بيت مصر في باريس»: صُمم بهوية مصرية    «مناسب لكل الأعمار».. 5 وجوه للترفيه في مهرجان العلمين    تحرير 35 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    محافظ قنا: سنعمل معا على التنمية واستكمال مشروعات حياة كريمة    لتأخر صرف الأدوية.. «الصحة» تحيل مديري الصيدليات بمستشفيي العامرية والقباري للتحقيق    أستاذ جراحة تجميل: التعرض لأشعة الشمس 10 دقائق يوميا يقوي عظام الأطفال    رئيس الاعتماد والرقابة الصحية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع مؤشر مصر الصحي    تقرير: أوروبا تدعم زيادة شحنات الأسلحة لأوكرانيا وترفض إرسال جنود للقتال    العكلوك: الاحتلال يستهدف التوسع الاستيطاني وتقويض صلاحيات الحكومة الفلسطينية    ملفات محافظ أسيوط الجديد.. أبرزها إنهاء الخصومات الثأرية وإحكام الرقابة على الأسواق    انقلاب سيارة وتهشم أخرى في حادث تصادم بالتجمع |صور    حزب الله يشن هجوما بمجموعة من المسيرات على 7 مواقع عسكرية إسرائيلية    طلاب الثانوية العامة يمتحنون الكيمياء والجغرافيا.. السبت    وزير التموين ل"اليوم السابع": نستهدف جودة سلع الدعم المقدمة للمواطن    المفتي يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بالعام الهجري الجديد    "رغم سنه الكبير".. مخطط أحمال بيراميدز يكشف ما يفعله عبدالله السعيد في التدريب    تطور مفاجئ.. الأهلي يفرض عقوبتين على كهربا في 24 ساعة    استقبال العام الهجري الجديد 1446 بالدعاء والأمل    قرعة التصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا 2025.. تعرف على موعدها    محافظ القليوبية يعتمد مواعيد امتحانات الدور الثاني للعام الدراسي لصفوف النقل    «منهج تنفيذي».. محافظ المنيا الجديد: العمل وفق استراتيجية التواجد الميداني    سويلم يتابع ترتيبات عقد «أسبوع القاهرة السابع للمياه»    «دون وفيات».. انهيار منزل من 5 طوابق بالمنوفية    شرطة الاحتلال تفض مظاهرة لمستوطنين أغلقوا ممر طريق أيالون في تل أبيب    شيخ الأزهر ورئيس وزراء ماليزيا يفتتحان مجلس علماء ماليزيا    متى وقت أذكار الصباح والمساء؟.. «الإفتاء» تكشف التفاصيل    ناقد رياضي: متفائل بالتشكيل الوزاري وأدعم استمرارية أشرف صبحي في وزارة الرياضة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا    قصواء الخلالي: افتقدنا للأيادي القوية غير المرتعشة.. والحكومة الجديدة تضم خبرات دولية    ميمي جمال: أنا متصالحة مع شكلي وأرفض عمليات التجميل    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    لميس حمدي مديرا لمستشفى طلخا المركزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف رحايمى يكتب : العربُ والفيسبوك ... قصةُ نضالٍ عنوانها «حِيلُ اللُّغَةِ»

أعلن الكاتب ميشال فوكو ذات كتاب قولته الشهيرة «حيث توجد سلطة لا بدّ من وجود مقاومة» وهى إشارة نلتقطها فى هذا السياق للإحالة على سلطة المحتل القائمة على القهر والاستعباد والظلم التى تقابلها سلطة المقاومة القائمة على كافة أدوات القول والفعل المتاحة. يحيلنا هذا الفهم أيضا إلى تصوّر آخر بناه العالم السياسى وأنثروبولوجى الأمريكى جيمس سكوت (James Scott) حين أشار فى كتابه "المقاومة بالحيلة، كيف يهمس المحكوم من وراء ظهر الحاكم» إلى أنّ شكل المقاومة يعتمد أساسًا على شكل السلطة، وهو فهم يُوحى بأنّ أشكال المقاومة تينع فى ظروف إنتاج السلطة وطرقها، ومن هذا اقتبسنا عنوان مقالنا الذى يسلط الضوء على حيل اللغة ودورها فى تقويض الخطاب والفعل السلطوى عامّة.
ليست هذه الإشارة إلا عتبة أولية لما يُراد أن يُقال فى خضم هذا المقال، فجوهر الأمر أننا ومع خوضنا حرباً مع الكيان الصهيونى الغاصب بالسلاح والعتاد، نعيش فى الضفة الأخرى حرباً كلامية (التعبير والرأي) مع منصة فيسبوك، التى تمارس ضرباً من القهر الإلكترونى، إذ تتجه إلى تعطيل حسابات البعض والقيام بممارسات جذرية لكل من يقف ضد هذا الكيان بأسلوب ما، هذا فضلاً عن اتجاهها نحو إخفاء المنشورات والتضييق عليها، وإغلاق صفحات وتتبع كل العبارات الداعمة للقضية الفلسطينية من قبيل طوفان الأقصى، حماس. وتقول الإحصائيات: إنه تمت ما يقارب 500 عملية إزالة على إنستجرام وفيسبوك.
فى البدء وقبل ولوج عمق المقال لابد أن نلفت نظر القارئ إلى أنَّ الواو فى العنوان ليست عطفاً، فلم يحدث فى تاريخ العطف النحوى أن انحاز المعطوف على المعطوف عليه مثل ما يفعل الفيسبوك مع العرب. أما عن تخصيص العرب دون غيرهم، فهذا يأتى فى سياق ما يُمارس علينا من قمع إعلامىٍ فى استهداف واضح لحرية التعبير والرأى وبناء المغالطات المضللة.
وبالعودة إلى مسرح الفيسبوك -ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى- نجد حرباً محتدمة بين النشطاء العرب وهذه المنصة، ويعود أصل الحرب إلى جملة من الممارسات التى اعتمدها الفيسبوك فى محاولة منه إلى إرضاء طرف (الكيان الغاصب) دون آخر (القضية الفلسطينية)، حيث يتجه يومياً إلى غلق حساباتٍ تحاول أن تدعم القضية أو إقامة حواجز للنشر من خلال التضييق والتتبع والرقابة. ما يثير فضول الكتابة عن هذا الأمر هو قدرة الجماهير على ابتكار أدوات نضالها بنفسها، حيث أنتجت ما يمكن أن نعدّه استجابة بليغة بلغة بلاغة الجمهور، وهى استجابات أصنفها فى خانة "التمويه اللغوي» من خلال اتجاهها نحو بناء لغة رقمية جديدة تدخل تحت لعبة الغموض الاستراتيجى.
◄ اقرأ أيضًا | مصطفى كامل يناشد المواطنين للوقوف اليوم أمام المنصة لدعم أهل غزة
وقد يسأل سائل: أين يمكن أن نرصد هذه الاستجابات القائمة على حيل اللغة، فنشير له إلى أن الجماهير اتجهت نحو بناء خطاب مقاوم، حيث تصرفت فى لغة الكتابة بشيء من الفطنة والتمويه حتى تفلت من التعقّب الذى يهدد وجودها. لقد تجلت هذه الاستجابات المقاومة لعملية القهر الالكترونى من خلال الكتابة باللغة العربية الخالية من التنقيط، وهى حيلة لغوية تنسج مناولاً بلاغياً مقاوماً، مما يجعل رصد معانى العبارات أمراً صعباً إلا لأبناء هذا اللسان. ومن طرافة هذه الحيلة أنها بُنيت على التشويش على العقل المسير للفيسبوك (خوارزميات). وفى أرقى تجليات الحيلة باللغة، قام رواد الفيسبوك العرب من انتهاج مسلك لغوى آخر من أجل إيصال مقصدها، وهذا المسلك يعتمد على الكتابة المتقطعة، أى ترك فراغات بين الأحرف من قبيل (ط و ف ا ن) أو (ص ه ى و ن ى ة)، وقد اتجه البعض الآخر إلى وضع علامات ترقيم بين الأحرف (ص @ ى و ن ى ة).
يذكرنا هذا الصنيع اللغوى بضربٍ من ضروب المقاومة اليومية التى اعتمدتها النساء الفلسطينيات فى مقاومة سلطة الانتداب البريطانى، وهو ضرب قائم أساسًا على حيل اللغة والتلاعب بالمضمون اللغوى الموجّه إلى أزواجهن القابعين فى سجون المحتل، وذلك من خلال ما يُعرف بالترويدة الفلسطينية التى تُعدّ صنفاً من أصناف الغناء الشعبى المعتمد أساسا على آلية التشفير الخطابى من أجل التمويه والإلغاز.
وبالعودة إلى رؤية جيمس سكوت القائلة بأنّ «شكل المقاومة يعتمد أساساً على شكل السلطة»، يتبيّن لنا أنّ المقاومة تبتكر أدواتها فى إطار ما يُحاك لها من جهة السلطة. هذا الفهم تدعم جهوده بلاغة الجمهور التى ترى أيضاً أنّ للجماهير قدرة على مقاومة أى سلطة (فعل/خطاب) وذلك من خلال إنتاج ردود أفعال (استجابات بليغة) تقاوم بها ما يُمارس عليها من ظلم أو إكراه. وفى هذا السياق نعود بالذاكرة إلى ضرب من الفلكلور الفلسطينى متمثلاً فيما دُرج على تسميته «الملولة» أو «الترويدة» وهى نوع من الغناء الشعبى بُنيت كلماته على أساس التشفير والإيهام بحيث تبدو كلماته غير مفهومة وغامضة، ومردّ ذلك أنّ سلطة المستعمر البريطانى كانت تمنع زيارة الزوجات لأزواجهن، فاستنبطن هذا الضرب من الغناء لإيصال جملة من الرسائل التى تهم شأن المقاومة، ويقال: إنّ التعامل بتلك الشفرة استمرّ حتى بعد النكبة وإلى الآن يوجد كثير من سكان المخيمات لا يزالون يجيدون التحدث بتلك اللغة بطلاقة.
إن ما تقوم به النساء فى هذه الترويدة هو ضرب من دسائس اللغة (التشفير الخطابى)، حيث تقوم الترويدة على أساس قلب الحرف الأخير من كل كلمة وإضافة حرف اللام فى نهايتها، وتلك الترويدة كان يغنيها أهالى الأسرى لتبشير المعتقلين الفلسطينيين فى سجون الاحتلال البريطانى بِاقتراب خلاصهم.
وأنا ليليلبعث معليلريح الشمالى لالى يا رويللووو (وأنا الليلة لبعث مع الريح الشمالي)
ياصليلار ويدورليللى على لحبيليلابا يا رويللووو (يوصل ويدور على الحباب يابا)
يا هللوا روح سلللملى على للهم يا رويللووووو (يا هوا روح سلملى عليهم)
وطالالالت الغربة الليلة واشتقنا ليلى للهم يا رويللوووو (وطالت الغربة واشتقنا لهم)
وقد مثلت أغنية (يا طالعين الجبل) بشرى لأسرى فلسطين، حيث تسرد تلك الأغنية واقعة تحرير بعض الفدائيين من الأسر فى منتصف الثلاثينيات، وتعتمد فى بنيتها على نفس التكوين السابق بإضافة حرف اللام للتمويه.
يا طالعين عين للل الجبل يا موللل الموقدين النار***بين لللل يامان يامان عين للل هنا يا روح
ما بدى منكى لللكم خلعة ولا لالالا لابدى ملبوس***بين للل يامان يامان
عين للل الهنا يا روح***ما بدى منكى لللكم خلعة ولا لالالالا بدى زنار
بين للل يامان يامان***عين للل الهنا يا روح
وفى هذه الأغنية أخبرت النسوة «المحبوس» أن «الغزال»، تقصد الفدائيين، آتون فى الليل لتحريرهم، وأن إشارة بدء العملية هى عندما يرون النار موقدة. حتى يفهم الأسرى الرسالة، وينتظروا تحريرهم الذى لم يطل كثيرًا. ففى ظل تضييق الخناق من قبل الانتداب البريطانى وممارسة الفعل السلطوى القهرى التجأت النساء الفلسطينيات إلى بناء خطابهن بطريقة مخصوصة فى القول، وهى طريقة قائمة الإيهام، ونعد ذلك استجابة بليغة على حدّ قول عماد عبد اللطيف.
ورغم أنَّ «ميتا» قد صرحت قائلة: «سياساتنا مصممة لإبقاء الأشخاص آمنين على تطبيقاتنا مع توفير منبر للجميع.. نطبق هذه السياسات بالتساوى فى أنحاء العالم ولا حقيقة فى الإشارة إلى أننا نتعمد تكميم الأفواه» إلا أنّ حقيقة الميدان قد عرتْ الانحياز الواضح للكيان الغاصب، وهذا من شأنه أن ينبهنا إلى إعادة النظر فى جدوى هذه المواقع الافتراضية ومدى موضوعيتها فى بناء خطابٍ عادلٍ تجد فيه جميع الأطراف حقّها فى القول والتعبير. ويبقى فى الأخير ضرورة الإشارة إلى إنّ للجماهير بلاغتها الخاصة التى بها تنتصر على كل خطاب سلطوى ظالم مهما ادعت هذه التكنولوجيا الحديثة قدرتها على السيطرة على الجماهير وتوجيهها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.