ربما لم تدرك وزارة الخارجية الفرنسية أبعاد قرارها بإلزام المركز الثقافى الفرنسى بالقاهرة بإعادة فيلم للمخرجة الإسرائيلية كيرين بن رفاييل إلى برنامج مهرجان «لقاء الصورة» بعد أن سحبته السفارة من قبل تجنبا لأزمة مع الفنانين المصريين. فالمهرجان الذى يستعد لدخول عامه السادس بات «قاب قوسين أو أدنى» من أن يخلو من أى مشاركة مصرية لا سيما فى أعقاب الانسحابات المتتالية التى يواجهها والتى بدأت بعضو لجنة التحكيم المخرج أحمد عاطف وامتدت لتصل إلى مصمم الأفيشات سامح فتحى الذى قرر سحب جميع أعماله من المهرجان. وشهدت الأزمة خلال اليومين الماضيين أحداثا ساخنة فى أعقاب ما أعلنه برنار فاليرو، المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، بأن فيلم «شبه طبيعى» للمخرجة الإسرائيلية كارين بن رفاييل، ستتم إعادته لبرنامج المهرجان، معترفا فى الوقت نفسه بأن السفارة الفرنسية بالقاهرة كان قد سحبته بعد انسحاب أحمد عاطف. وفى الوقت نفسه، فضلت لطيفه فهمى، منظمة المهرجان، الصمت وعدم التعليق على قرار الخارجية الفرنسية، الأمر الذى أضفى مزيدا من الغموض على مصير المشاركة المصرية بالمهرجان. وبدت الضغوط الإسرائيلية واضحة فى سرعة رد الفعل الفرنسى والذى جاء على مستوى وزارة الخارجية، الأمر الذى جعل الأمر يبدو وكأنه تحد ورغبة فرنسية فى التعبير عن حقها فى اختيار الأفلام المشاركة بالمهرجان حتى لو كان مقاما على أرض مصرية. غير أن رد الفنانين المصريين لم يتأخر كثير، فسرعان ما أعلنت المخرجة كاملة أبوذكرى من لجنة التحكيم بالمهرجان، وهى التى كانت قد حلت مكان أحمد عاطف عقب انسحابها، وفى وقت متزامن أعلن الفنان آسر ياسين أيضا انسحابه من لجنة تحكيم المهرجان. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث أعلن خالد عبدالجليل، رئيس المركز القومى للسينما، سحب جميع أفلام المركز المشاركة بمهرجان الصورة، احتجاجا على مشاركة المخرجة الإسرائيلية، كما طالب إدارة المهرجان بحذف شعار المركز الموجود على أفيشات المهرجان. وامتدت حملة المقاطعة لتصل إلى الأفلام المقدمة من المعهد العالى للسينما، حيث قرر الدكتور عادل يحيى عميد المعهد عن سحب كل أفلام المعهد المشاركة بالمهرجان. وزاد من سخونة الأزمة الدعوة التى أطلقها عدد من الفنانين لوقفة احتجاجية أمام مقر السفارة الفرنسية بالقاهرة احتجاجا على موقف الخارجية الفرنسية. وقال مسعد فودة، نقيب السينمائيين، ل«الشروق» إن قرارات النقابة فى هذا الصدد واضحة وتقضى بمنع التطبيع بجميع أشكاله، مشددا على أن جميع أعضاء النقابة من المخرجين التزموا بهذا القرار وسحبوا أفلامهم. وأضاف أن «من لم يسحب فيلمه ينتمون للتيار السينمائى الذى يطلق على نفسه التيار المستقل»، مشددا على أن من لم يسحب فيلمه ويلتزم بالقرار فسيتعرض لعقوبات قاسية، وفى حال لم يكن عضوا بالنقابة فلن نسمح له بالانضمام إليها. ونفى فودة وجود أية نية لعمل وقفة احتجاجية أمام السفارة الفرنسية فى الوقت الحالى، مؤكدا أن الوضع الحالى هو عبارة عن مرحلة أولى سيتم تصعيدها فيما بعد لكن أشكال التصعيد لم يتم تحديدها حتى الآن وسيتم عقد اجتماع بينه ومجموعة من المخرجين والمخرج أحمد عاطف لتحديد الموقف وآليات التصعيد. غير أن الموقف الأكثر عنفا كان للمعهد العالى للسينما والذى لم يكتف بسحب أعماله من المهرجان بل قرر مقاطعة المركز الثقافى الفرنسى تماما، وقال الدكتور عادل يحيى، عميد معهد السينما، ل«الشروق» إنه كان فى المغرب وقت بداية الضجة وقرأ ما تمت كتابته وقتها عن انسحاب أحمد عاطف وسحب الفيلم الإسرائيلى بعدها وعندما رغبت فى التأكد من الحقيقة عند عودتى قمت بالاتصال بلطيفة فهمى ففوجئت بها تبادرنى قائلة لقد سحبنا أفلام المعهد وهو قول غريب ومستفز. وأضاف: أنا شخصيا قررت كتابة تقرير بجميع التفاصيل وسأرفعه لوزارة الخارجية ولن أكتفى بهذا بل سأقدم أيضا تقريرا لنقيب السينمائيين وأنا أحترم دوما المواقف القومية التى لا نسمح لأحد بالخروج عنها مهما كانت مواقفنا الشخصية. وعاد يحيى ليقول: لست مع مقاطعة الأفلام والكتب لكننى فى الوقت ذاته أعلن التزامى الكامل بالموقف المصرى القومى المعلن ضد التطبيع، مؤكدا أنه ضد خروج أى شخص على هذا الإجماع القومى، وضد تطاول أى شخص على إجماع المثقفين أو إهانة هذا الموقف القومى. من جانبه، قال المخرج عمرو بيومى إن سحب فيلمه «كلام فى الجنس» من مهرجان الصورة ناتج عن موقف شخصى منه وأنه لم يجر أى تنسيق لأى موقف جماعى مع زملائه المخرجين، ودلل على كلامه باستمرار بعض الأفلام المصرية فى المهرجان برغم كل هذا الجدل الدائر حوله. وأكد بيومى أنه اتصل هاتفيا بلطيفة فهمى مسئولة النشاط الثقافى فى المركز الثقافى الفرنسى بالقاهرة وهى لا تتحمل مسئولية عما يحدث لكن كل ما يوجد لدينا عبارة عن تدخلات بشكل أعلى من مجرد تنسيق لمهرجان حدثت من وزارة الخارجية الفرنسية. وأكد بيومى أن لطيفة فهمى، مسئولة النشاط الثقافى بالمركز الفرنسى للثقافة، لا تتحمل أى مسئولية ولم تتعمد اختيار الفيلم، معتبرا أن تضخيم الأمر بهذه الصورة الحادثة حاليا هى تحمل شكل «شو إعلامى» أكثر من كونها تحمل موقفا حقيقيا. وأضاف بيومى أنه تم إلغاء مسابقة الأفلام العربية بالمهرجان والاكتفاء فى الدورة الحالية بمجرد عروض للأفلام فقط. أما المخرجة نسرين الزيات التى انسحبت بفيلمها التسجيلى «عنبر 6»، فأكدت أن انسحابها جاء نتيجة ما حدث من قبل وزارة الخارجية الفرنسية بقيامها بالضغط على المركز لإعادة الفيلم إلى المسابقة، مشددة على أنها لم تنسحب ردا على وجود مشاركة إسرائيلية بفاعليات المهرجان. وقالت: من الوارد جدا فى أى مهرجان أن تجد فيلما إسرائيليا أو مخرجا إسرائيليا مشاركا بفيلمه، ولن ننسحب من أمامهم فى أى مهرجان بل على العكس إذا كان هناك من سينسحب فليكون الاسرائيلى وليس أنا.. ولكن كل الاعتراض والاحتجاج بداخلى أتى بسبب الضغط السياسى، ومحاولتهم فرض مثل هذا الفيلم فى ظروف تتسم بالاحتقان السياسى. وأضافت «هذا يعتبر سياسة لى أذرع وطريقة لا أخلاقية نرفضها تماما.. فالموضوع أكبر من لطيفة فهمى رئيسة المهرجان، وأكبر من أن تكون مشلكة حول مهرجان سينمائى لأنها مشكلة سياسية تماما». وفى المقابل رفض عدد من المخرجين المصريين الانسحاب من المهرجان، وبينهم المخرجة نيفين شلبى التى تشارك بفيلمين هما «التمثال»، و«حدث فى مهرجان برلين» وقالت: لن أنسحب وأرى استمرارى نوعا من المقاومة الفكرية ضد الاعتداء الإسرائيلى على فلسطين، فأنا وطنية جدا ومع الشعب الفلسطينى قلبا وقالبا، ولكن ليجب أن يفهم الجميع أنى مخرجة وليست مهمتى أن أخرج فى مظاهرات أو أن أتكلم فى موضوعات كبيرة، أو أن أمسك ببندقية وأخرج للحرب. وتابعت المخرجة الشابة أنه لا يجب ترك المساحة للإسرائيليين فى جميع المهرجانات والمحافل الدولية والمحلية ليتميزوا ويحصلوا على التقدير، ونحن نكتفى بالمقاطعة، حتى أصبحوا متفوقين علينا فى كل المجالات، ووصفت نيفين المقاطعة بأنها دليل على ضعف الموقف. وأوضحت نيفين أن المهرجان للمصريين ولن نتركه لأحد، فالمسابقة الرسمية لا يشارك بها سوى الأفلام المصرية، أما باقى الدول فتشارك فى القسم الرسمى خارج المسابقة، لذا أعتبره مهرجانا مصريا. وعن تمسكها بالمشاركة رغم انسحاب كثير من زملائها قالت: حتى إذا أصبحت بمفردى فى المهرجان لن أنسحب، ووصفت من يفعل ذلك بالسلبى. وأنهت نيفين حديثها بأنها ليست الوحيدة التى رفضت الانسحاب فهناك آخرون لهم نفس موقفها من وجود فيلم إسرائيلى داخل المهرجان منهم عزة شعبان.