محافظ شمال سيناء يفتتح معرض امرأة سيناوية منتجة    نائبة وزيرة التضامن تترأس اجتماعا موسعا لمؤسسات المجتمع المدني بالمنيا    رئيس جامعة دمنهور يستقبل رئيس هيئة الاستطلاع الأسبق في إطار احتفالات الجامعة بالذكرى 51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    وزير الأوقاف: طلاب إندونيسيا بالأزهر أمانة في أعناقنا    خاص| هل يسترد من تم رفضهم فى إعلانات الإسكان أموالهم ؟.. مي عبدالحميد توضح    بعد صعود الأوقية عالماً.. ننشر أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بالتعاملات المسائية    جامعة مطروح تتأهل لنهائيات مسابقة «GEN-Z» لريادة الأعمال    الرقابة المالية تصدر كتابا بشأن ضوابط حوالات المحافظ الائتمانية الخاصة بأنشطة التمويل غير المصرفي    بلينكن يلتقي نتنياهو لبحث تطورات الحرب على غزة ولبنان    آرسنال يتقدم على شاختار في الشوط الأول    مانشستر يونايتد يفاوض تشافي لخلافة تين هاج    مصرع «سايس» بسبب جرعة مخدرات زائدة في أوسيم    النائب العام يشارك في منتدى النواب العموم لمجموعة الدول العشرين    لطيفة تبدع في ختام الليلة العمانية على هامش مهرجان الموسيقى العربية    بالصور.. ولاء الشريف تؤدي مناسك العمرة    سامح حسين يعقد جلسات عمل مكثفة من أجل مسلسل "برمودا"    تكريم أكرم حسني في احتفالية "الأب قدوة".. ويوجه رسالة ل وزيرة التضامن (صور)    أمين الفتوى: النية الصادقة تفتح أبواب الرحمة والبركة فى الأبناء    صحة البحيرة تواصل تكثيف أعمال المكافحة لناقلات الأمراض المعدية بشوارع المحافظة (صور)    البرلمان الأوروبي يوافق على منح أوكرانيا قرضا ب35 مليار يورو من أرباح الأصول الروسية المجمدة    القاهرة الإخبارية: 7 شهداء ومصابين إثر قصف استهدف مدرسة للنازحين فى بيت لاهيا    خبير اقتصادي: قمة بريكس جاءت في توقيت شديد الصعوبة بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية    تشكيل أستون فيلا ضد بولونيا.. دوران أساسيا فى دورى أبطال أوروبا    هل الخير الكثير من الابتلاءات؟.. رئيس «العالمي للفتوى» يجيب    بالخطوات.. طريقة الاستعلام عن فاتورة التليفون الأرضي 2024 وسدادها أونلاين (رابط مباشر)    المصري يختتم ودياته في معسكر المغرب ب لقاء شباب المحمدية غدا    غزل المحلة يتلقى خطابا من اتحاد الكرة بإيقاف الزنفلي 4 أشهر    حابس الشروف: مقتل قائد اللواء 401 أثر في نفسية جنود الاحتلال الإسرائيلي    دَخْلَكْ يا طير «السنوار»!    مصرع طفل غرقا أثناء السباحة في ترعة «الستين» بالعياط    بلاغ للنائب العام.. أول رد من الصحة على مروجي فيديو فساد التطعيمات    منافس بيراميدز - بعد تعادلين في الدوري.. الترجي يعلن رحيل مدربه البرتغالي    قطار صحافة الدقهلية وصل إدارة الجمالية التعليمية لتقييم مسابقتى البرنامج والحديث الإذاعى    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    محافظ أسوان يتفقد مشروع إنشاء قصر الثقافة الجديد في أبو سمبل    أهمية انضمام مصر لتجمع البريكس.. عبد المنعم السيد يكشف التفاصيل    هبة عوف: خراب بيوت كثيرة بسبب فهم خاطئ لأحكام الشرع    مساعد وزير الصحة: تنفيذ شراكات ناجحة مع منظمات المجتمع المدني في مختلف المحافظات    نقيب المحامين يوقع مذكرة تفاهم مع وفد من هونج كونج ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي    بعد تصريحات السيسي.. الحكومة تطلب من "صندوق النقد" مد أجل تنفيذ إصلاحات البرنامج الاقتصادي    غادة عبدالرحيم: الاستثمار في بناء الإنسان وتعزيز الابتكار أهم ما تناولته جلسات مؤتمر السكان    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    الفنون الشعبية تستقبل تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بأسوان    بعد التحرش بطالبات مدرسة.. رسالة مهمة من النيابة الإدارية للطالبات (تفاصيل)    «القومي للطفولة والأمومة»: السجن 10 سنوات عقوبة المشاركة في جريمة ختان الإناث    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    إصابة 3 أشخاص في حادث سير بالعريش    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    كوريا الشمالية تنفي إرسال قوات لروسيا لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا    رومانو يكشف عرض نابولي لتجديد عقد كفاراتسخيليا    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    وزير التعليم العالي يرأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع رئيس اتحاد الكرة بشأن نهائي كأس السوبر المصري    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفاعل حمدى أبو جليل
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 06 - 2023

أنظر فى سيرة الصديق الروائى حمدى أبو جليل الذى رحل قبل ثلاثة أيام وأشعر إلى جانب الحزن الغامر بانبهار شديد من النجاحات التى حققها وأضعها تحت بند المعجزات.
فلا يمكن لأحد أن يتصور فى القرن الواحد والعشرين وجود روائى غير متعلم لكنه مترجم لأكثر من خمس لغات أجنبية، لكنه أبو جليل فعلها وجاء إلى القاهرة عند منتصف الثمانينيات تاركا قريته التى استقرت فيها قبيلته فى الفيوم وقرر ألا يعود مرة أخرى.
وشأن معظم الريفيين عمل فى (الفاعل) مساعدا لعمال البناء، وتولى رفع شكائر الأسمنت والرمل إلى العمارات التى يجرى تشييدها، وبعد سنوات فى ممارسة المهنة قرر التوقف عن العمل فيها نهائيا استجابة لنداء غامض بأن الكتابة لابد وأن تكون صنعته الجديدة.
وحين تسألنى كيف عرف ذلك؟ أدلك على ابن عمه أشرف أبو جليل الذى تخرج فى دار العلوم وسبقه فى المجىء إلى القاهرة وكان شاعرا واعدا نشطا فى أمسيات الجامعة والمنتديات خارجها وأظن أنه من حرض حمدى على الخروج الأول فى حياته وقاده إلى العوالم التى يعرفها فى القاهرة لكن نقطة التحول أو الانعطافة الكبرى جاءت حين عرفه الشاعر الراحل محمد كشيك بثلاثة أسماء كبيرة من جيل الستينيات وهم محمد مستجاب وخيرى شلبى وإبراهيم أصلان وكان لكل منهم عالمه وأسلوبه لكن ما يجمع بينهم جميعا أنهم لم يستكملوا تعليمهم وفشلوا فى الحصول على شهادات.
وهذا جانب مهم يفسر كيف اطمأن لهم وتعامل معهم كشيوخ وآباء وجد منهم المعاملة التى تليق بابن مدلل يأخذ راحته تماما وهو بينهم، يستطيع أن يعبر عن نفسه بحرية تامة، لا يخشى من ارتكاب فضيحة أو الخروج عن النسق وتحدى الإطار فقد كانوا جميعا ينظرون إلى الكتابة نظرتهم إلى (صنعة اللطافة) لهم أرواح خفيفة، تتصرف بمحبة وتستثمر فى الحياة والضحك ولم يسلموا أنفسهم أبدا للضغينة.
تشابه معهم حمدى فى هذا الجانب وأدرك بفطرته النقية أنه امتداد لتجاربهم الإنسانية، قبل أن يكمل تجاربهم الفنية ويتمكن من الإضافة إليها وإدراك أصالة عالمه الفنى الذى سعى لتفصيل ملامحه بتأنٍ واضح.
حين صدرت مجموعته الأولى (أسراب النمل) فى 1997 وجدت اهتماما كبيرا لكن النجاح الحقيقى جاء مع ظهور روايته الأولى (لصوص متقاعدون) التى أعادت تعريف الهامش الاجتماعى وحددت له موقعا مختلفا فى أدب التسعينيات ولم يعد الهامش مبررا للتعاطف أو الإدانة وإنما هو عالم متكامل له شروطه داخل المركز وتجلت موهبة حمدى الفذة فى صياغة علاقات جمالية بين أبطال روايته الذين يتمتعون بفائض من العنف والكراهية ويحتفلون بممارسة المحارم ضمن تصوراتهم عن الحياة الجميلة التى ينشدونها.
وهكذا حول أبو جليل الهامش من رقعة فى ثوب مهندم قد يسبب فضيحة إلى موضوع للاحتفال وأظهر الواقع القاسى فى صورته الكرنفالية التى لم تكن تنطوى على أى تزييف، لكن عدسته قد اتسعت لترميم فجوات هذا العالم لصالح احترام ما فيه من ضعف إنسانى.
استقبلت الحياة الأدبية هذه الرواية استقبالا فذا، لكنها لم تصبح رواية جماهيرية شأن روايات تقاطعت معها وأذكر أيضا أن ورشة الزيتون أصدرت عددا كاملا من نشرتها الأدبية ضم ما يزيد عن 20 مقالا نقديا حول هذه الرواية التى تحول نجاحها إلى ظاهرة فنية بطريقة سمحت لأبو جليل لتكوين سبيكته الخاصة وفتح حساب خاص بالعملة الصعبة فى بنك الكتابة وضمن بعدها مقعدا متميزا بين مبدعى جيله.
وحين صدرت روايته (الفاعل) بعد خمس سنوات تقريبا تأكد أن الرهان عليه كان فى محله تماما ولما فازت بجائزة نجيب محفوظ التى تمنحها الجامعة الأمريكية قدم كلمة مهمة مجد فيها رغبته الدائمة فى الخروج عن السرب والانحياز إلى (نزقه) الذى مكنه من بناء رؤية للعالم تعزز إيمانه بضرورة الانحراف عن المسار الذى رسمه كبار فنانى الرواية أو «بناة العالم» بتعبير شتيفان زفايج.
ظلت حياة أبو جليل تمجد فكرة الخروج، فقد خرج من مجتمعات البدو وكتب الرواية التى جعلت ذاته لصيقة بفعل الكتابة وتحول صوت الذات إلى صوت للجماعة ولم يمنعه ذلك من الاجتراء على الجماعة وهدم اساطيرها ونزع القداسة عنها.
قلت إننى أنظر لمسيرته وقد اكتملت بانبهار حقيقى وأتأمل كيف حول العثرات إلى خطوات وكيف تعامل مع الندوب ك«أوسمة» وسلك طريقا لم يكن ممهدا أبدا وقد عاينت صعوباته منذ البداية،
وانظر معى كيف خلق أبو جليل لروحه مسارا مختلفا فى القضايا التى قاوم عبرها النزعة المحافظة التى تأسس عليها وحين أطالع صورته مع ابنته (هالة) التى علمها الموسيقى أو مع ابنه (هشام) الذى كان يحتفى برسومه أدرك إلى أى مدى كان يواجه ثقافة محافظة ويتحداها على طريقته وكنت أحدثه دائما عن حساسيته الفائقة تجاه المرأة وانحيازه الدائم لقضاياها فيردنى إلى دور أمه فى حياته وأتذكر أنه منحها أفقا أسطوريا فى جميع حكاياته وفى روايتيه (قيام وانهيار الصاد شين) و(يدى الحجرية).
وقد بلغ فى الروايتين ما كان يتمناه وعثر على لغة تمثله تماما تقارب النبرة التى كان يحكى بها، انتصر أبو جليل للغة الحياة وقاوم لغة المعاجم والقواميس وخاض معاركه كلها من موقع (المتحمس) وليس المتمهل وعاش حياته كلها فخورا بسعيه لتصدير نفسه أو توريطها.
صدر حمدى أبو جليل نفسه للموت بشكل خاطف وتعامل مع الحياة كطلقة واحدة تصدى لها بجسارة وأظن أنها لم تهزمه أبدا فهى لم تأخذ ضحكته ولم يخذله إيمانه بنفسه، ولأنه (الفاعل) لم يتوقف سعيه إلى امتلاك معرفة أعمق بالأفكار أو بالبشر وهذه هى رسالة أى كاتب حقيقى سواء عاش دهرا أو ساعة واحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.