رئيس «القاهرة الجديدة»: الدولة تبنت مخططا استراتيجيا للتنمية العمرانية    بعد محاولة الانقلاب في بوليفيا.. لافروف يؤكد دعم موسكو للرئيسة آرسي    ماذا يحدث في إسرائيل؟.. صواريخ حزب الله تمطر الاحتلال وتقطع الكهرباء ومظاهرات ضد نتنياهو    باحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات تكشف أهمية مؤتمر "القرن الأفريقي" بالقاهرة    بعد وفاة طارق الوحش نجم الإسماعيلي السابق.. 5 لاعبين حصد السرطان أرواحهم    إحباط 12 محاولة تهرب جمركي بمطار القاهرة    في ذكرى 30 يونيو.. احتفالية خاصة لتكريم رموز «اعتصام المثقفين» ضد حكم الإخوان    بعد «كيرة والجن».. كريم عبدالعزيز يعلن عن عمل جديد مع أحمد عز    «بيفرهدوا من الحر».. 4 أبراج فلكية يقلّ نشاطهم في الصيف    متى يجب على الزوج إحضار خادمة لزوجته؟.. رئيس صندوق المأذونين يجيب    "المصريين": ثورة 30 يونيو ستبقى علامة فارقة في تاريخ مصر    حماة الوطن: نجدد الدعم للقيادة السياسية في ذكرى ثورة 30 يونيو    على مساحة 165 مترًا.. رئيس هيئة النيابة الإدارية يفتتح النادي البحري فى الإسكندرية (صور)    تباطئ معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.22% خلال الربع الثالث من العام المالي 2024-2023    فليك يطلب بقاء نجم برشلونة    ما هي الضوابط الأساسية لتحويلات الطلاب بين المدارس؟    إصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارة ميكروباص بعمود إنارة ببنى سويف    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى نبروه المركزي (صور)    محمد مهنا: «4 أمور أعظم من الذنب» (فيديو)    أفضل دعاء السنة الهجرية الجديدة 1446 مكتوب    لطيفة تطرح ثالث كليباتها «بتقول جرحتك».. «مفيش ممنوع» يتصدر التريند    انطلاق مباراة الإسماعيلي والمصري في الدوري    أيمن غنيم: سيناء شهدت ملحمتي التطهير والتطوير في عهد الرئيس السيسي    يورو 2024.. توريس ينافس ديباى على أفضل هدف بالجولة الثالثة من المجموعات    قائد القوات الجوية الإسرائيلية: سنقضى على حماس قريبا ومستعدون لحزب الله    فيروس زيكا.. خطر يهدد الهند في صيف 2024 وينتقل إلى البشر عن طريق الاختلاط    «الرعاية الصحية» تعلن حصاد إنجازاتها بعد مرور 5 أعوام من انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا خلال السنوات الأخيرة ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    أسعار التكييفات في مصر 2024 تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة    «رحلة التميز النسائى»    مستشار الأمن القومى لنائبة الرئيس الأمريكى يؤكد أهمية وقف إطلاق النار فى غزة    مع ارتفاع درجات الحرارة.. «الصحة» تكشف أعراض الإجهاد الحراري    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    لتكرار تجربة أبوعلى.. اتجاه في الأهلي للبحث عن المواهب الفلسطينية    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    محافظ المنيا: تشكيل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة الزراعية لضمان وصولها لمستحقيها    بالصور.. محافظ القليوبية يجرى جولة تفقدية في بنها    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    جهاز تنمية المشروعات يضخ تمويلات بقيمة 51.2 مليار جنيه خلال 10 سنوات    انفراجة في أزمة صافيناز كاظم مع الأهرام، نقيب الصحفيين يتدخل ورئيس مجلس الإدارة يعد بالحل    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    ضبط 103 مخالفات فى المخابز والأسواق خلال حملة تموينية بالدقهلية    موسى أبو مرزوق: لن نقبل بقوات إسرائيلية في غزة    طلب غريب من رضا عبد العال لمجلس إدارة الزمالك    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاول كثيراً الانضمام إلي جماعة أو تيار أو شلة أو حتي جيل.. وفشل:حمدي أبوجليل: أنا نبت شيطاني!
نشر في أخبار السيارات يوم 16 - 03 - 2019

لا يمكن القراءة لحمدي أبوجليل بدون تخيله هو ذات نفسه خلف الكتابة، موجود بشحمه ولحمه وسخريته من نفسه قبل سخريته من الناس والعالم، موجود باسمه، واسم عائلته "أبو جليل"، مثلما هو الحال في روايته الجديدة "الصاد شين"، موجود بكل هذا الجلاء ولكنك لن تُخرِج ما يكتبه عن طائفة الفن الروائي، ولن تتعامل معه باعتباره سيرة ذاتية، يكتب نفسه ليعرف نفسه، يكتب صوته ليسمعه العالم، يكتب لهجته وهو يثق أنها ستصل إلي كل الناس حتي ولو لم يفهموا بعض كلماته البدوية الغريبة.
في »الصاد شين»‬ الصادرة عن »‬ميريت» يطلعنا علي رحلته القاسية في »سبها» الليبية، حيث الكابوس الذي لم ينجح الزعيم القذافي في السيطرة عليه، ولأنه لا يأبه للموت، ومسلِّمها لله، تسير الأمور معه، رغم أنه يعيش صراعاً مع كثير من الكارهين، سواء من »‬الصاد شين»، وهم بدو مصر، الذين منحهم القذافي تلك الجنسية الغريبة، أو من الجنسيات الأخري، ليبيون، وسودانيون، ومغاربة، وتشاديون، وبنجلاديش. يصارع الراوي الموت، وينتصر عليه، لكنه يقف في كل مرة ليكتشف أنه عارٍ، لا يملك إلا أحلامه، وأحلامه غير واقعية لا تناسب طموحاته ولا ثقافته، لكنها تعينه علي عبور البحر المتوسط في »‬زوديك»، حيث الجنة في »‬ميلانو»، لكنه يكتشف أنها ليست سوي كابوس جديد يعشش فيه العرب »‬الهاموش» علي »‬المستنقع الغربي»، لكنه كابوس لا يخلو من المرح والضحك، نشعر بالخوف ولكننا نقهقه بصوت عال كلما أوغلنا في القراءة، وهذه معادلة صعبة جداً يبرع حمدي أبوجليل في حلها مع كل عمل جديد.
كتابة رواية بالعامية مجازفة ضخمة، كيف جاءتك الفكرة.. وكيف واتتك الجرأة للشروع في الكتابة؟ كيف طمأنت نفسك بأن هذا التغيير الشامل يمكنه أن يجدي صدي ما عند النقاد وبالتأكيد القراء؟
ما شجعني أنها ليست عامية محضة، أو ليست عامية أساساً، نصف الرواية تقريباً فصحي، والأدق فصحي مطعمة بالعامية، و»‬عامية الرواية» هي »‬عامية الشخوص»، عامية هذا الكوكتيل البدوي الفيومي القاهري الليبي التونسي المغربي العربي الإيطالي أو العربي المتطلين لو صح الوصف. هذا ما تقترحه الرواية، ليس الكتابة بالعامية ولكن الكتابة بالعامية والفصحي وحتي التشادية، اكتب نفسك بلغتك وسيسمعك العالم.
لكن أنا معك، أن السرد بالعامية مجازفة، أمرُّها الخسارة المتوقعة للجوائز العربية التي تشترط السرد بالفصحي، وأنا أحب الجوائز، الأدق أحب أموال الجوائز، وما شجعني عليها أن الجوائز العربية علي نبلها وقيمتها الكبيرة وراء تخلف الرواية المصرية، لقد ردَّتها إلي ما قبل رواية الستينيات، وبالتالي نجاح الرواية في مصر يكفي عن أي جائزة عربية.. وطبعاً هذا لا يعني أبداً أني ضد الجوائز، بالعكس أنا أفرح بأي جائزة حتي لو كانت كلمة عابرة من قارئ مجهول.
بعض الكلمات، بعض الأمثال، وكذلك بعض القصائد ب »‬اللهجة البدوية».. فهمت بعضها من السياق، ولم أفهم بعضها الآخر، لكنها، علي أي حال، لم تعق قراءتي.. ما الذي كنت تعوِّل عليه باستخدام هذه اللهجة؟
أعول علي لغة الراوي والشخصيات عموماً، كنت »‬عايزهم يتكلموا» في الرواية، وأنا عموماً أحب الكتابة الأقرب للكلام، لا أقصد العامية، ولكن أقصد الكلام من حيث دقته وسهولته وقدرته علي التعبير، طبعاً نحن نملك خبرة أطول مع الكلام عن الكتابة، وللكلام أسلحة لا تملكها الكتابة، كالنبرة مثلاً، وتعبيرات الملامح، ربما تشتم شخصاً فيغضب وتشتمه بنفس الكلمة فيضحك، وأنا أتمني أن تصل الكتابة لهذه النبرة، وطبعاً أعتذر عن غموض بعض الكلمات وإغراقها في المحلية، أنا نفسي اكتشفت كلمات ومصطلحات لا نقولها إلا في عزبتنا فقط، لكنها غير مؤثرة في الفهم الكلي للرواية، والشعر البدوي الغرض منه في الرواية تسجيله فقط، لأنه سيندثر سيندثر، أو هو اندثر فعلاً باندثار المتكلمين به، علي الأقل بالنسبة لأهلي وعشيرتي، آخر جيل كان يتكلم اللهجة البدوية ويفهم هذا الشعر جيل أمي وأبي، وكلاهما تحت التراب للأسف.
»‬الضحك» يعلو من عمل لآخر عندك.. في »‬لصوص متقاعدون» و»‬الفاعل» كان يعتمد علي مشاهد طويلة نسبياً، لكنه في »‬الصاد شين» يتدفق من جمل قصيرة، ربما عبارة أو اثنتين في بعض الحالات، هل تشعر بأنك صرت تمتلك خبرة ما في اقتناص الضحك بأقل عدد من الكلمات؟
أتمني ذلك والله، وأنا لم يطمئني علي تلك الرواية إلا الضحك، إلا أنها تُضحك، والضحك قرين الرواية منذ ثرفانتس »صاحب أول رواية في التاريخ»، وكونديرا قال: »من لا يفهم النكتة لا يفهم الروايات»، وأنا أعتقد أن الفنون عموماً وليست الرواية فقط قرينة السخرية والضحك، وبالنسبة ليست السخرية السوداء المُرَّة، ولكن السخرية البيضاء الحلوة، والانفجار في الضحك.
تتطور رؤيتك للعالم، لكن العالم بأسره ينطلق من خلال ذاتك أنت في جميع أعمالك تقريباً. أتذكر قصة »‬فمي» في مجموعة »‬أشياء مطوية بعناية فائقة» حيث كتبت بحس بالغ السخرية عن علاقتك بفمك. في »‬لصوص متقاعدون» كل الإشارات تقود باتجاهك، ابتداء من سكن البطل في حلوان، وفي »‬الفاعل» عملك بشبرا، حينما كنت عائداً للتو من رحلة عمل بليبيا، كان علينا أن ننتظر عدداً من السنوات حتي تصدر »الصاد شين» لنعرف ماذا فعلتَ هناك في ليبيا.. هل تكتب سيرتك الذاتية في سلسلة ممتدة من الأعمال؟ ومتي قد تغادر نفسك ولو من باب التجريب؟
هناك نوعان من الروائيين: الغالبية المسيطرة المحترفة المؤلِّفة للرواية، في المجالات المختلفة، من التاريخ إلي الخيال العلمي، وهناك قلة هاوية تؤلف نفسها، الرواية بالنسبة لها ليست محاولة لإنتاج رواية ولكن محاولة لفهم ما حدث وتقنينه. الأدق البحث له عن قانون، الواقع عبثي، الحياة نفسها عبثية، والرواية تقننها، الأدق تمنطقها.. وأنا عن نفسي الفرق بيني وبين أستاذي الأول محمد مستجاب أنه كان يؤسطر الواقع بينما أري في الواقع أسطورة أحاول توقيعها، ثم إنني أري، بما أني هاوٍ، لا أمتهن الرواية ولا أعيش منها، أن المبرر الأوجه لكتابتها هو محاولة رسم الذات وفهمها، فلو افترضنا مثلاً، وربما كانت حقيقة علي الأقل في مجتمعاتنا المتخلفة، أننا لدينا روائي بين خمسة ملايين إنسان، ولو افترضنا أن ذلك الروائي عبَّر عن نفسه وحياته بصدق وبموضوعية ويا حبذا بمرح، ورأي الكاركتر الكامن بداخله، لعبَّر عن الملايين الخمسة، بل لعبَّر عن الإنسان في أي زمان ومكان، وطبعاً هذا ليس سهلاً، وأنا شخصياً لم أصل إليه حتي الآن، فلا بد أن تتساقط كل الرغبات والآمال والضغائن حتي يصل الواحد للكاركتر الكامن داخله.
»‬الصاد شين» نسفت كل تخيلاتي عن القاع، لم أتصور أن هناك درجة »‬بهيمية» يمكن أن يحياها الناس بمثل هذا المستوي، حيث العالم يدير ظهره لمجموعة من سكان شمال إفريقيا وجنوبها، في مدينة »سبها». أشخاص يمرح الموت حولهم، ويتسلي بهم، رائحة الخوف الخانق تختلط برائحة شياط السلطة الغاضبة. هذه رواية ربما تدور في الجزء الأحقر من الجحيم، هل توافقني علي ذلك؟
لا، أنا أراها لا تختلف عن أجواء الغالبية العظمي من مواطني الوطن العربي الكبير، وحتي لو عبرت كما أشرت عن قاع القاع فأنا لم أقصد ذلك، أنا أقصد الإنسان وليس ظروف الإنسان، بمعني أنني لا أرمز بالشخصيات في الرواية لمعانٍ أو قضايا أو دفاع عن الفقر أو فضحه أو كشفه، ولكني أقصد الشخصيات لذاتها، وأتعجب فعلياً من ذلك السيل الجارف من الروايات التي تتخذ التجربة الإنسانية رمزاً لمعانٍ أو أفكار أو نضالات، فالرواية لا تستطيع أن تفعل سوي ما تفعله الرواية، وبالنسبة لي ما تفعله الرواية هو المتعة فقط، الرواية غير مفيدة في القضية، لو كان لديك قضية يمكنك أن تعبر عنها أو تقاوم في سبيلها من خلال إنشاء حزب سياسي أو الترشح للبرلمان أو كتابة مقال أو المشاركة في مظاهرة أو حتي تحزيم نفسك بحزام ناسف، فكل ذلك مفيد للقضية، أما الرواية فلا وألف لا، بل إن استغلال الرواية في الدفاع عن أي قضية هو امتهان لها.
لا أريد أن أقفز من سبها، لكن لإكمال الصورة، وحينما يهرب البطل، صدام المصري، ابن أبوجليل، إلي إيطاليا، ينغمس في عالم العرب هناك، حيث تجارة الهيروين والكوكايين والحشيش والدعارة، كأن الرواية تقول إن العرب أكبر من سطوة المكان، وإنهم ينشرون ثقافتهم البهيمية أينما حلوا.. هل كان ذلك في تصورك أثناء الكتابة؟
الناشر وصف هذا التيار في الرواية بأنه »‬ملحمة الهاموش المشرقي علي المستنقع الغربي»، وهو وصف دقيق تماماً بغض النظر عن كلمة ملحمة، فهم الهاموش المشرقي عند المستنقع الغربي، حتي أماكن عيشهم تجدها في الغابات، القلاع الإيطالية المهجورة، محطات السكك الحديدية التي هجرتها القطارات، تحت الكباري والبيوت المهجورة، ولكني لم أفكر أنهم نموذج أو حتي وصف للعرب المهاجرين إلي أوروبا عموماً، ولكنهم الشريحة التي عرفتها وخاضت هذه التجربة، وإن كنت ألاحظ أن العرب المهاجرين للغرب، خصوصاً الهجرات غير الشرعية، ما إن يتمتعوا بالحرية الغربية التي لا يحلمون بها في بلادهم حتي يتطرفوا!
الرواية تريد التأكيد علي أن وحدة مصر إلي الغرب لا إلي الجنوب.. لو أنك لا تنتمي إلي قبائل البدو هل كانت رؤيتك ستتغير في تلك الحالة؟
لا، إنها حقيقة ليست لها علاقة بموقعي، وحدتنا الحقيقية مع ليبيا، الليبيون هم نفس الناس في الملامح والنبرة واللهجة، والأهم أن ليبيا قطعة من مصر، أقصد علي المستوي الجغرافي والاجتماعي والثقافي، والشعب الليبي هو امتداد للشعب المصري علي المستوي العرقي، والقاهرة بكل ما تعنيه من معانٍ هي مدينة الليبي كما هي مدينة المصري، وليس من قبيل الصدفة أبداً أن أول حزب سياسي في ليبيا كان علي رأس مطالبه الانضمام إلي مصر.
الرواية تتعاطف مع جنسية الصاد شين، وتكرهها في نفس الوقت، الرواية تتعاطف كذلك مع الزعيم القذافي، الذي غلب أمره مع شعبه، وفي نفس الوقت تحرض علي كراهيته، بكل أفعاله، بكل تجنيده للصاد شين في مهماته خارج الحدود، وهكذا تحشرك حشراً دائماً بين هذين الخطين، ما تعليقك؟
ربما يرجع ذلك إلي أنني شخصياً »‬لا ضد الزعيم ولا معه ولا ضد الصاد شين ولا معهم» أنا أحاول أن أفهمهم فقط، وأبحث عن الكاركتر الكامن داخلي وداخلهم.
بمناسبة الزعيم.. أنت لم تجعله بطلاً في الرواية، وقد اكتفيت بنثر حكاياته الصغيرة كالقصاصات التي توزعها هنا وهناك، لماذا؟
كتاب أمريكا اللاتينية العظام أسطروا شخصية الديكتاتور في العديد من الروايات العالمية، يوسا، النوبلي، في رواياته الشهيرة »‬حفلة التيس» بشَّع الديكتاتور بالكثير من الفظاعات الأسطورية لدرجة أنه جعله يكاد يأكل الأطفال من فرط أسطوريته، وأنا رأيت أن الشخصية الواقعية جداً للقذافي »‬أعجب» من كل ذلك بغض النظر عن أنني نجحت أو فشلت في الاقتراب منها في الرواية، شخص قرر هو وأصحابه التلاميذ في الإعدادية الدخول للثانوية العسكرية ثم الكلية الحربية ثم الجيش ثم الانقلاب علي حكم السنوسي، وهذا ما تم بالضبط، وأنا لم تشغلني شخصية القذافي لأني حقيقة لا أعرفها، كل ما شغلني فيه أنه مخترع الصاد شين، ربما لذلك جاء علي هامش الرواية.
كل الشخصيات الثانوية كان محكوماً عليها بالنسيان منذ اللحظة الأولي.. لم يكمل الكثير منها الرحلة مع البطل الرئيسي، هل هذا عائد إلي حركة هذا البطل نفسه، البطل الذي لم يكف عن الجري، والقفز فوق الأسوار، والمحطات، والاختباء في الترع، وقطع الصحراوات، والمدن، والبحار.. ألهذا السبب كان من الصعب أن يكملوا سوي ب »‬لعبة التذكر» التي كان صدام المصري يمارسها طوال الوقت؟
كل شخصيات الرواية تأتي من خلال تجربة رواة، راوٍ يحكي تجربته في »‬سبها» الليبية، وراوٍ يحكي تجربته في »‬ميلانو» الإيطالية، وكنت أطمح أن تظهر من خلالهما تجربة الصاد شين عموماً فهي متن الرواية وهدفها وشغلها الشاغل.
ألا تخشي توجيه تهمة الإساءة العنصرية البالغة للسودانيين، وكذلك للمغاربة، والبنجلاديش، وقبلهم الليبيون إلي هذه الرواية؟
لا لا أري ذلك، فهذه الشخصيات تعبر عن نفسها فقط، وليس عن عموم تلك الشعوب العظيمة.
نجاة البطل في كل المرات التي كان يجب أن يموت فيها، هل تبررها مبالغات الفن؟ هل هي رواية تريد أن تقول إن الإنسان قادر علي النهوض دائماً مهما استبدت به الشدائد، وإنه لا شيء يقدر علي كسر ظهره؟
طبعاً أنا شخصياً مؤمن بأن الإنسان قادر علي كل شيء، وأنه لو أراد شيئاً بإخلاص لتكاتف الكون لتحقيقه، ولكن بطل الرواية، »‬لا أحبذ هذه الكلمة، خليها شخصيات الرواية» لم تصل لحد الإرادة وتحديد المصير، إنها تكاد لا تفيق من أزمة إلا لتدخل أخري ومن مأزق إلا لتواجه آخر، كما أنها طوال الوقت تسير من جوع إلي مجاعة.
بدت لي إيطاليا وربما فرنسا، وإن كانت بشكل أقل، خاليتين من البشر ومن السلطة، كما بدا أن البطل يحكم فعلياً مدينة ميلانو، علي سبيل المثال.. ما رأيك؟
ربما يحكم الهاموش، المستنقع، هم جميعاً عاشوا علي هامش ميلانو، هامشها القذر لو صح الوصف، المطارد، الخارج عن القانون، يمكنك أن تعتبره امتداداً لمغامرة العوم، حرفياً العوم في البحر للوصول للحلم الأوروبي.
المرأة في العمل مهانة بشكل بالغ، وتعمل في ظروف قاسية، ويبدو كذلك أن هناك عنصرية ما ضدها، كلهن غوانٍ، كلهن شرهات للجنس يبحثن عن فحولة السود، والقادمين من وراء البحار.. هل هناك مبرر لتلك الأحادية في تناولها؟
المرأة لدينا رغم مأساتها لم تصل إلي حد الغرق في البحر في سبيل الحلم الأوروبي، ليس لأنها تعف عنه، ولكنها علي الأقل بين الفئة التي تنتمي إليها معظم.. بل كل شخصيات الرواية، المرأة لم تطلع من البيت، بل إنها عيب وحرام شرعاً أن تخرج منه، لذلك لا تجد إلا المغامِرات الشجعاوات المتمردات علي أعراف المجتمع وقيوده.
أين يمكن أن تذهب بك هذه التجربة؟
أتمني أن تذهب بي إلي الرواية المصرية، المتخففة من ثقل القضية، المخلصة للإنسان الفرد، وإلي اقتراح اكتب نفسك بلغتك وسيسمعك العالم.
هل تري أنك تشكل رقماً في الكتابة المصرية؟ ومن هم الكتاب المصريون الحاليون الذين تعمل حسابهم وتري أنك تنتمي إليهم؟
أتمني أن أشكل أي شيء في الكتابة المصرية، وأقرأ للجميع، وحاولت كثيراً أن أنضم إلي جماعة أو تيار أو شلة أو حتي جيل وفشلت. أنا طبعاً علي مستوي السن أنتمي لجيل التسعينيات، ولكنه جيل متنوع ومتعدد التيارات وأنا أقرب فيهم لعالم ميرال الطحاوي، ولكتابة أسامة الدناصوري، وأستاذي العظيم خيري شلبي وصفني في حوار مع سمير درويش نشرته مجلة »‬الثقافة الجديدة» بأنني »‬نبت شيطاني»، وهو وصف علي غرابته دقيق حيث إنني فعلاً نبت شيطاني وحيد، نابت في أرض غير مواتية، ولا يشبه أحداً رغم محاولاتي الجادة للتشبه بالجميع.
ما المختلف في »‬الضحك» بينك وبين أساتذتك خيري شلبي وإبراهيم أصلان ومحمد مستجاب؟ هل نقلت الضحك في اتجاه آخر؟
أنا أعرف فقط الاختلاف بيني وبين أستاذي الأول، الراحل العظيم محمد مستجاب، هو كان يؤسطر الواقع وأنا أري في الواقع أسطورة أحاول توقيعها، وأنا طبعاً استفدت منهم كثيراً، ومجموعتي الأولي »‬أسراب النمل» واقعة تماماً في أسر مستجاب، وأول ما استفدته منهم »‬الثقة» وليس »‬مجرد التشجيع»، وأنا أعتبرهم آبائي، الستينيون عموماً آبائي، وحتي علي مستوي أبي وأمي فهما من جيل الستينيات أيضاً، والكتَّاب الثلاثة لم يكونوا مجرد أساتذة وإنما آباء، نشأت وترعرعت في بيوتهم حرفياً وعلي مكتباتهم وثقتهم، أدبياً وإنسانياً، ولهذا أنا فعلاً مدين لهم.
قلت لي قبل سنوات إن طموحك أن تكتب ثلاث روايات أو أربعا جيدة.. الآن لديك ثلاث، هل ستكون القادمة هي الأخيرة؟ وما طموحك عموماً بعد سنوات من إجابتك الأولي؟
هل تصدقني لو قلت لك إنني لم أكتب حتي الآن روايتي المشتهاة، روايتي الأم، فما إن أبدأ فيها حتي أتوقف وأفرّ إلي عمل آخر غيرها، لذلك فأنا أعتبر رواياتي الثلاث مجرد محاولات للهروب من كتابة روايتي الأم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.