إنها واحدة من المباريات التى جمع فيها منتخب مصر كل المساوئ، ولم يترك سيئة واحدة لم ترد بكتاب كرة القدم.. وأقطع بذلك الطريق على هذا الإجماع المدهش بأن اشتراك محمد بركات فى مركز الظهير الأيسر وراء تلك النتيجة المتواضعة أمام منتخب زامبيا، فهو من جهة لم يشغل تلك الجهة ليكون ظهيرا، وإنما لعب هنا كلاعب وسط حر مهاجم يضاعف من القدرة الهجومية المصرية غرورا أو ثقة من جهازنا الفنى بقيادة حسن شحاتة.. لكن فى الواقع أن جميع اللاعبين كانوا مجرد قمصان خاوية شاخت فى مراكزها أمام شباب زامبيا.. وأن كل شىء فى أداء الفريق كان خطأ، فأسفر الأمر عن أسوأ أداء لمنتخب مصر على مدى 14 شهرا ماضيا..! كانت الأجواء كلها قبل المباراة تشير إلى أننا بصدد الاحتفال بالصعود إلى كأس العالم بمجرد الفوز على زامبيا، وهو فوز مضمون، لأنها زامبيا أولا وأخيرا، ولأنه منتخب مصر بطل أفريقيا مرتين، ولأن الجزائر تعادلت مع رواندا الضعيفة، وبالتالى فإن الفريق الجزائرى المنافس الأول لنا أضعف من أن ينافسنا.. وكنت أظن أن هناك كلمات انقرضت ودفنت من قاموس الكرة المصرية، منذ عام 2006، إلا أننا فى تلك المباراة عدنا لنستخدمها، إنها كلمات: «ياساتر.. استر.. يالهوى».. فنحن جمهور نادر يشجع منتخبه وفرقه كثيرا بالدعاء والابتهال طوال التسعين الدقيقة.. وأترككم للتأمل فى المعنى..! ماذا حدث.. وكيف حدث.. ولماذا حدث؟! كيف بدأنا المباراة ونحن نحسب فوزنا بثلاثة وأربعة أهداف، ثم تحولنا إلى الحلم بالفوز بهدف، ثم تمسكنا بالأمل فى أن نفوز بكورنر يحسب بربع، ثم انتهينا إلى الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى القادر على كل شىء أن نخرج بالتعادل ولا نخسر المباراة؟! 1 : الأداء الهزيل للفريق بدأ قبل أشهر، فقد كانت آخر مباراة لعبها المنتخب فى فبراير الماضى أمام غانا.. بينما لعب منتخب زامبيا 11 مباراة منذ خسر أمام المغرب فى نوفمبر من العام الماضى بثلاثة أهداف للاشىء، وتبع ذلك 5 مباريات ودية أيام 2 و4 و8 و27 يناير ثم 24 مارس الحالى، وكذلك لعب الفريق الزامبى 5 مباريات فى بطولة الأمم الأفريقية للمحليين.. وحصل على المركز الثالث. وكانت تلك مرحلة بناء فريق، بينما كنا نحكم على منتخب زامبيا من واقع أوراق تحكى تاريخ لقاءات الفريقين عبر التاريخ. ونظن أن تاريخ الزامبيين توقف عند حادث سقوط الطائرة ومصرع جيل كالوشا بواليا..! 2 : لاشك أن معدلات أعمار لاعبى المنتخب الوطنى ارتفعت، لكن مباراة واحدة اجتمعت فيها كل أخطاء الكرة، لا تكفى للادعاء بانتهاء مهمة هذا الجيل، وفى جميع الأحوال هم أفضل العناصر، وأحسن لاعبى مصر فى الوقت الراهن، وسوف نعتبر ما جرى باستاد القاهرة أمام زامبيا غياب كامل للتوفيق.. لكننا ساعدنا دون شك بغيابه، ساندنا كلاعبين وكجهاز وكإعلام فى نثر الثقة والغرور! 3 : المبالغة فى الثقة وراء هذا الاهتزاز، وأسوأ معركة هى التى يخوضها الجندى وهو غير متحمس أو بمعنى أدق غير محتفز. ولأن أى مباراة عبارة عن صراع بين أسلوبين، فقد انتصر منتخب زامبيا بتحفز وحماس لاعبيه منذ الدقيقة الأولى فى فرض أسلوبه، ففقدنا قوة البداية المصرية التقليدية، وتحولنا من المبادرة والفعل إلى الارتباك والانغماس فى رد الفعل، فى حالة غير مشهودة لفريق يحمل لقب بطل أفريقيا ويملك خبرات هائلة.. ويكفى أن تتذكروا مشهد زيدان وسونجو فى نهائى أفريقيا لتسألوا أين كانت إرادة لاعبينا وأين كان حماسهم أمام زامبيا وأين كانت لياقتهم وخفتهم؟! 4 : ما طلبه شحاتة من بركات وما كان يتوقعه تم تنفيذه حسب ظنى فى النصف ساعة الأول من المباراة، لكن القضية لم تكن بركات وإنما الفريق كله. وقد قام بركات بالانطلاق فى الجبهة اليسرى والانضمام إلى الداخل عند امتلاك المنتخب للكرة، ليحل محله فى الجبهة زميله محمد زيدان، لكن لا انضمام بركات حقق الزيادة العددية والسيطرة، ولا تحرك زيدان كان مفيدا.. لماذا؟! 5 : أقارن بما جرى فى كأس الأمم الأفريقية الأخيرة فقد لعبنا فى غانا كل مبارياتنا ب13 مركزا وليس 13 لاعبا، وكان هناك بعض اللاعبين الذين يؤدون مهام مزدوجة دائما، لكن المنتخب أمام زامبيا لعب ب8 مراكز فقط شغلها 11 لاعبا.. وقد ظل وسط مصر ناقصا طوال الوقت بحالة الارتباك مع طلقة البداية بسبب سرعة وحيوية لاعبى زامبيا، فلم يتقدم أحمد حسن للمساندة، ولم يسمح له أصلا لا هو ولا غيره من لاعبى مصر بامتلاك الكرة والتصرف فيها، وحين يفقد أفراد ومفاتيح لعب فريق الكرة والسيطرة عليها، يفقد الفريق كله تلك السيطرة، ويفقد المبادرة ويفقد القدرة على احتلال أرض الخصم، لأنه خرج من الصراع تقريبا، وبدون احتلال الأرض لا يمكن الفوز بحرب! 6 : لم يكن بركات سبب التعادل والأداء الهزيل، فالكرات العرضية التى تأتى من اليمين واليسار، من حلول اللعبة، لكن ما هى الحلول الأخرى التى استخدمها المنتخب.. باستثناء كرتين عرضيتين من المحمدى، وتسديدة قوية من بركات، ظل الفريق بعيدا عن مرمى زامبيا طوال 60 دقيقة، فلا تسديد، ولا فائدة من كرة ثابتة، ولا جمل تكتيكية أمام الصندوق للاختراق، ولا تحركات جيدة للمهاجمين لفتح الثغرات.. ومساحة خالية فى الوسط لتراجع شوقى وأحمد حسن وترتب عليها فجوة بين الوسط والهجوم، ولم تعد هناك مجموعة هجوم، وإنما أشلاء مهاجمين..! 7 : لعبنا ببطء وكسل وثقة وغرور، وتراخ، وبلا عقل، وبلا قوة وبلا حماس، وبلا سرعة، فماذا كان معنا كى نفوز؟!.. فى المقابل ماذا كان مع زامبيا، فنحن كنا بهذا السوء لأن زامبيا كانت بتلك القوة والبراعة والمفاجأة.. خمسة لاعبين من الفريق الزامبى أثاروا الذعر فى صفوف المنتخب، وهم يعقوب مولينجا، وكريس كاتونجو، وميشيل لونجو، وفورد كابالا وفيلكس كاتونجو.. هؤلاء كانوا ينطلقون بقوة وسرعة وحيوية عند امتلاك الكرة، ويرتدون للدفاع بنفس السرعة، ومعهم زملاء يملكون نفس المهارات، حيث تظل السرعات والقوة البدنية والتركيز الذهنى من أهم مهارات كرة العصر..! 8 : سرعة وحيوية وضغط لاعبى زامبيا سلبت من منتخب مصر واحد من أهم أسلحته، امتلاك الكرة بالتمرير، وهز ثقة المنافس بهذا الامتلاك ورفع الثقة بالنفس.. ولاحظ كم مرة تبادل منتخب مصر الكرة، وكم مرة احتفظ بالكرة قليلا، لم يستطع بسبب الضغط، بينما سمح لاعبو مصر للاعبى زامبيا بالامتلاك والانطلاق لأننا لم نضغط على الإطلاق، ولم نقدر على الضغط.. وربما يتميز منتخب زامبيا بالديناميكية والحيوية والشباب والرؤية الجيدة نسبيا للملعب، لكنه يفتقد القوة الهجومية الحقيقية وابتكار الجمل التكتيكية التى يخترق بها دفاع خصومه، ولا يملك مهارات التسديد ولا حتى تنويع الهجوم بالكرات العرضية.. فكانت خطورته قائمة على فروق السرعات بين لاعبيه وبين لاعبينا.. وحالة المنتخب السيئة هى التى جعلت منتخب زامبيا يبدو بتلك القوة التى أصابتنا بالذعر! ساعة كاملة كنا نصل خلالها إلى مرمى زامبيا بشق الأنفس، هذا لو وصلنا، وبعد اشتراك أبوتريكة لاحت للمنتخب فرصتان للتهديف، وأثق الآن أن اختصار النتيجة السيئة فى لعب بركات بالجهة اليسرى كان سيكون السر الأكبر، هو نفسه، فى تفوق منتخب مصر.. إن تلك الخسارة الجسيمة لنقطتين على أرضنا لم يكن السبب فيها بركات ومركزه، وإنما الفريق كله ونحن جميعا بلا إستثناء وهو درس نعود به إلى جديتنا وإلى تواضعنا وإلى قلقنا المشروع قبل كل مباراة؟ درجات اللاعبين عصام الحضرى (4)، هانى سعيد (صفر)، وائل جمعة (3)، أحمد فتحى (2)، محمد بركات (4)، محمد شوقى (4)، أحمد حسن (3)، عماد متعب (صفر)، المحمدى (6). زيدان (3)، عمرو زكى (5)، أبوتريكة (4)، ميدو (صفر)، حسنى عبدربه (3).. بإختصار الدرجات كما يلى: العظمى (6) والصغرى (صفر)..!