يحاول كتاب مصطفى اللباد «حدائق الأحزان» الإجابة عن سؤال رئيسى وهو: كيف نفهم السياسة الإيرانية؟ وكيف استطاعت نظرية ولاية الفقيه أن تحكم إيران بذات الشعارات والمضامين دون تغيير منذ أكثر من ربع قرن؟. بل حاول اللباد أن يشرح كيف أن الفقهاء أسقطوا دولة محمد رضا بهلوى قائلا: «إبعاد الإمام الخمينى إلى خارج إيران قد أسس لمرحلة جديدة فى تاريخ المؤسسة الدينية وإيران. راح الإمام الخمينى يواصل حلقات دروسه فى النجف بالعراق، وهناك ذهب بعدائه لنظام الشاه إلى آفاق أرحب، حيث أنضج وأسس لنظرية سوف تترك بصماتها على تاريخ إيران الحديث، وهى نظرية ولاية الفقيه». وفى محاولة منه لتقديم سياسات الشاه التى سقطت أمام الثورة الإسلامية، قال د. اللباد، فى كتاب الصادر عن الشروق، إنه فى النصف الثانى من الستينيات، شكلت سياسات الشاه عاملا كبيرا فى تبنى كثير من التيارات السياسية العمل السرى الراديكالى، وبلغ قمع النظام للمعارضة حدودا غير مسبوقة، حيث لم تسلم أى شخصية إيرانية عامة من يد السافاك، إذا ما تكونت لها قاعدة شعبية أو بدرت منها سانحة ضد النظام، حتى إن بطل المصارعة غلام رضا تختى المعارض للشاه تم اغتياله فى عام 1967. وعند نهاية الستينيات، كما يذكر اللباد، أمكن للمؤسسة الدينية أن تحتسب شهداء لها ضد النظام، إذ استشهد آية الله سعدى وآية الله غفرى بعد عمليات تعذيب فى السجون بسبب معارضتهما للنفوذ الأمريكى والإسرائيلى فى إيران وقتها. ويشرح اللباد أيضا أسباب سقوط الشاه بارتفاع أسعار النفط الذى استخدمه الشاه فى تمويل نموذج للتنمية يقفز فوق إمكانات إيران الذاتية، ويرمى لتحويل سريع للمجتمع الإيرانى إلى مجتمع صناعى متقدم وعسكرى حديث، فكان من تبعات هذه السياسات أن توارت الاعتبارات الاجتماعية خلف أولويات التصنيع والعسكرة، فاتسعت دوائر الشرائح الاجتماعية المعارضة لنظام الشاه. وفى عام 1975 أعلن الشاه إلغاء نظام الحزب الواحد القائم منذ عام 1963، فحل حزب «إيران نوين» وأسس بنفسه حزب «راستخيز» «الصحوة الوطنية»، واحتفظ للحزب الجديد بالموقع الاحتكارى لسلفه، أى الحزب الشرعى الوحيد فى إيران. وعرض اللباد ما قاله الشاه عام 1975: «الشخص الذى لا ينضم للحزب السياسى الجديد ولا يؤمن بالشاه وحقه فى التصرف فى شئون الناس، إما أنه شخص ينتمى إلى منظمة غير شرعية، وإما أنه ينتمى إلى حزب «توده» المحظور، أو بعبارة أخرى خائن. مثل هذا الشخص ليس أمامه إلا أحد طريقين، فالمكان الذى يجب أن يوضع فيه مثل هذا الشخص هو أحد السجون الإيرانية، أو يستطيع، إذا رغب فى ذلك، أن يغادر البلاد غدا». ويختم اللباد رؤيته لسقوط الشاه فقال بحلول عام 1977، كانت إيران تمور بالثورة، التى ظهرت مقدماتها بوضوح فى صورة تنامى علامات الرفض والاحتجاج الشعبى. وكذلك فى مستويات المعيشة المتردية للغالبية العظمى من الإيرانيين، وفى احتكار السياسة من نظام الشاه، وكل ذلك على خلفية فشل مشروعات التنمية الاقتصادية المقترنة بفساد فاق كل المعدلات. ويضيف اللباد: لم يعد للشاه سوى تأييد الحلقة الضيقة من الشرائح الطفيلية والوكلاء المحليين المرتبطين بالخارج، فضلا عن قوات الجيش والسافاك، التى سرعان ما تهاوت أمام عزم الجماهير الإيرانية فى فبراير 1979.