لا يشكل وجود خطة طوارئ لخفض القوات الأمريكية فى العراق أى مفاجأة، لكن ما يجدر الالتفات إليه هو إعلان الجنرال راى أودييرنو عن مثل هذه الخطط. ويتناول الإعلان الأهداف البعيدة والقريبة المتضاربة فى البلاد والمنطقة، خصوصا ما يتصل بإيران. فقد أعلن الجنرال أودييرنو، قائد القوات الأمريكية فى العراق بوضوح أن لدى الولاياتالمتحدة خططا بديلة لتخفيض قواتها فى العراق يمكن بمقتضاها إعادة 46 ألف جندى من أصل 96 ألف جندى سيبقون بالعراق حتى نهاية أغسطس. ووفقا للخطة الحالية، يظل عدد القوات الأمريكية ثابتا لشهرين بعد إجراء الانتخابات الوطنية البرلمانية المتأخرة، والمقرر إجراؤها غدا، ثم تنخفض بسرعة إلى حوالى 50 ألفا بنهاية أغسطس، بما فى ذلك سحب كل القوات «المقاتلة»،حيث من المقرر أن تبقى لتدريب قوات الأمن، وتقديم المشورة والدعم لها. وفى حين أنه من المؤكد أن لدى الجيش الأمريكى فى العراق خططا للطوارئ، فإن الإعلان عنها جدير بالملاحظة ويأتى فى منعطف جيوسياسى مهم، فى ظل وجود الكثير من المصالح الأمريكية المتصارعة التى يقوم فيها تخفيض القوات فى العراق بدور مهم. ومن المؤكد أن أفغانستان لها اعتبارها.. فبينما يخضع الجدول الزمنى لتخفيض القوات فى العراق للتغيير، بدأ البنتاجون بالفعل يوجه تركيزه العسكرى شرقا ويرسل بالقوات والعتاد إلى البلد الداخلى. وعلى الرغم من بقاء عدد كبير من القوات فى العراق للتدريب وتقديم المشورة والدعم للعراقيين حتى نهاية 2011 على أقل تقدير، فإن حكومة الولاياتالمتحدة لا نية لديها للاحتفاظ بمائة ألف جندى فى العراق مادامت لا توجد هناك ضرورة قصوى. وفى القلب من المسألة نجد إيران، أهم اللاعبين الإقليميين فى العراق. وعندما يتعلق الأمر بإيران، فإن للولايات المتحدة أهدافا قصيرة وبعيدة المدى متضاربة فيما يتصل بوضع القوات الأمريكية وحجمها فى العراق. وفى ذروة العنف الذى اجتاح العراق فى عام 2006، كانت القوات الأمريكية تعانى من الشراك المتفجرة البدائية المميتة والمعروفة بالقنابل القادرة على اختراق الدروع التى يمكن أن يكون مصدرها إيران. ومقابل الكثير من القوات العراقية فى الشوارع المقابلة تماما للحدود العراقية، كانت هناك أعداد كبيرة من عملاء إيران والأسلحة الإيرانية التى كبدت الاحتلال الأمريكى خسائر كبيرة فى الأرواح. ولم تعد القوات الأمريكية منتشرة فى كل شوارع العراق كما كان الحال فى يوم من الأيام، وهى أقل عرضة للمخاطر عما كان عليه الحال وقتها، لكن مادامت هذه القوات موجودة فى العراق بأعداد كبيرة، فستظل عرضة للمكائد الإيرانية. كذلك تحتفظ إيران بقدر من النفوذ والروابط العسكرية فى العراق تمكنها من إشعال التوترات العرقية الطائفية، وتقويض كل ما حققته الولاياتالمتحدة لدحر التمرد. وحتى بغض النظر عن الخسائر المحتملة فى الأرواح، كان تحقيق التوازن العرقى الطائفى الهش أمرا صعبا، ولا ينبغى التقليل من أهمية النفوذ الإيرانى. تعد هذه التوليفة التى تجمع بين القدرتين القدرة على إلحاق الخسائر فى الأرواح بالقوات الأمريكية على وجه الخصوص وكذلك تقويض الوضع الأمنى والسياسى فى العراق عموما أحد الروادع التى تحول دون هجوم إيران. وإذا كان للولايات المتحدة أن تختار بين الحفاظ على استقرار العراق أو مهاجمة إيران على حساب هذا الاستقرار، فستختار الأول إلى حد كبير. من هنا، فإن خفض القوات الأمريكية فى العراق يعتبر وسيلة جذابة لتقليل جوانب الضعف الأمريكية وتقوية موقفها فى مواجهة إيران. لكن القوة القتالية الأمريكية فى العراق تشكل أيضا قوة توازن كبيرة أمام النفوذ والتدخل الإيرانى على المدى القصير. إنها قوة قادرة على إشاعة الاستقرار عندما يتعلق الأمر بالتوترات العرقية الطائفية والحفاظ على توازن القوى الهش. وهى تسمح للولايات المتحدة بالمزيد من الخيارات العسكرية عندما يتعلق الأمر بدعم قوات الأمن العراقية وحفظ الأمن،ويتيح بذلك للولايات المتحدة نفوذا سياسيا كبيرا على الحكومة العراقية. ويلمح أودييرنو الآن إلى أن الولاياتالمتحدة تأخذ هذا الاعتبار الأخير الاحتفاظ بقوات لحفظ الاستقرار بكل جدية، مثلما أخذت الأول انسحاب القوات الأمريكية من الصراع. وبرغم أن إيران لا تؤخذ فى الاعتبار رسميا فيما يخص الجدول الزمنى، فإن نفوذها ونواياها فى العراق على قدر كبير من الأهمية.