احتفاء بشهر مولد النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، أصدر الأزهر الشريف كتاب "السيرة النبوية.. وتاريخ العرب في الجاهلية" الذي تناول فيه الدكتور محمود أبو العيون، أحد كبار علماء الأزهر الشريف، سيرة النبي محمد منذ مولده وبعثته والدعوة للإسلام سرا والجهر بها، مرورا بمواقف صبره والمسلمين على أذى قريش ومبايعته لأهل المدينة وهجرته وأشهر غزواته وحتى حجة الوداع ووفاته. تحدث "أبو العيون" في كتابه الذي اطلعت "الشروق" على نسخة منه، عن مبايعة النبي الكريم لأهل المدينة، بعد عداوة أهل مكة معه بسبب الدعوة للإسلام، فقال ولما كان وقت موسم الحج، قدم اثنا عشر رجلا من الأوس والخزرج يريدون الحج، فاجتمعوا بالرسول صلى الله عليه وسلم عند العقبة، وأسلموا وبايعوه وانصرفوا إلى يثرب، وأرسل معهم مصعب بن عمير وعبدالله بن أم مكتوم، وهو ابن خال خديجة يعلمانهم القرآن ويفقهانهم في الدين، فكان يسلم بسماع القرآن أناس كثيرون حتى أسلمت كل بيوت الأنصار إلا بيتُ أمية بن زيد، وتسمى هذه البيعة «بيعة العقبة الأولى». ولما كان العام المقبل وفد إلى مكة كثير من أهل المدينة يريدون الحج، منهم المؤمن والمشرك، وأرسلوا وفدا منهم إلى رسول اللہ صلى الله عليه وسلم، فوعدهم المقابلة ليلا عند العقبة، وأمرهم بكتمان ذلك عن المشركين منهم، فلما حان الموعد وقد مضى ثلث الليل، خرج المسلمون من رحالهم يتسللون تسلل القطا (وهو طائر معروف مضروب به المثل في حسن المشي لتقارب خطاه) مستخفين، حتى اجتمعوا في الشعب عند العقبة وهم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان. فجاء الرسول ومعه العباس بن عبدالمطلب عمه، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فبعد أن تكلم العباس ووثق منهم وثوقا بنصرتهم للرسول وأنهم لن يخذلوه أبدا، قال قائل منهم: تكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت، فتلا رسول اللہ صلى الله عليه وسلم القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام، ثم قال: (أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم)، فأخذ البراء بن مغرور كبيرهم والمتكلم عنهم بيده، وقال: (والذي بعثك بالحق لنمنعنك بما نمنع به أزرنا -أي نساءنا وأهلنا وأنفسنا-). فبايعوا رسول اللہ صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال عهودا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا بين الرجال! فتبسّم رسول اللہ صلى الله عليه وسلم ثم قال: (بل الدم الدم والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم). ثم أخرجوا من بينهم اثني عشر رجلا سماهم رسول اللہ صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: (أنتم على قومكم كفلاء ككفالة عيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي). قالوا: نعم. ولما رأت قريش أن النبي بايعه قوم أهل حرب وشدة، ضيقوا على أصحابه وأنالوهم من العذاب ما ضاقوا به ذرعا، فأصبحوا ما بين مفتون بدينه ومعذب في دنياه، وهارب في المهامه والقفار يشكو إلى الله تعالى ظلامته، فأمرهم رسول اللہ صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة أرسالا (أي أفواجا وفرقا متقطعة) مستخفين، فكانوا كذلك إلا عمر بن الخطاب. فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه (أي علقها في منكبه) وانتضى (أي انتقى) في يديه أسهما، ومضى نحو الكعبة، والملأ من قريش بفنائه فطاف البيت سبعا، ثم أتى المقام فصلى ركعتين، ثم مال إلى القوم فقال: «شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس من أراد أن تثكله أمه أو يؤتم ولده أو يرمل زوجته فليتبعني وراء هذا الوادي»، فلم يتبعه أحد. وبذلك، هاجر أصحابه صلى الله عليه وسلم ولم يبق إلا أبو بكر وعلي وصهيب وزيد ابن حارثة، ومن كان مريضا أو محبوسًا أو عاجزا أو مستضعفا من الرجال والنساء.