«كلام حريم» ليس عنوانا مجانيا جاذبا اختاره الفنان المتميز عمر الفيومى لمعرضه المقام حاليا فى قاعة المركز الثقافى الروسى بالدقى بل هو الجزء الثانى من مشروعه الفنى، الذى بدأ منذ سنوات، وعرض مجموعته الأولى العام الماضى بقاعة كريم فرنسيس (انظر الشروق العدد 27 أبريل 2009). يقدم الفيومى اليوم 28 لوحة زيتية حول عالم النساء، يقتنص بفرشاته هذه اللقطات الفريدة لاجتماعات النسوة فى جلسات حميمة، يثرثرن، يدخنّ، يلعبن الورق، يشربن القهوة ولا مانع من الاطلال على هذه الخطوط التى ترسم وتتكون داخل الفنجان لتقرأ الواحدة منهن ما يخفيه لها الطالع، أو تسر الواحدة منهن للأخرى بما يجثم على صدرها بمنتهى الحرية، طالما «هو» الرجل «الغائب الحاضر» لا تطأ قدماه أرض أى من اللوحات،. فى المعرض الأول الذى حمل العنوان نفسه، بدت «حريم» الفيومى، أو نسائه الشعبيات عالما غامضا يتلصص عليه الفنان، يستدعى بفرشاته لحظات الشجن الماضى، حين كان طفلا يجلس فى ظل أمه تتحلق حولهما الصديقات وجارات الحى الشعبى، فينقل إلينا اندهاشاته أمام هذا العالم الغامض الحامل لكل المتناقضات، يتحصن الفنان بخطوط وجوه الفيوم التى ميزت أعماله منذ بداياته ليبرع فى تقديم البورتريه وابراز نظرة العين المستسلمة المنكسرة أوالمتوعدة المتحدية والتى يغلفها جميعا ألق روحانى شفيف. أما فى الطبعة الثانية من «كلام حريم» أو معرضه الحالى يستخدم الفنان هؤلاء السيدات المجتمعات أو الفرادى فى حالة انتظارهن اللانهائى ليعبر بشكل مجازى عن حالة أعم وأشمل لا تخص النساء وحدهن بل تنطبق على حالة الانتظار والتربص التى تتملك الجميع. فقد تغيرت النظرة ولم تعد تسبح فى الفراغ أملا باحثة عن الخلاص، بل صارت أكثر تحديدا كما لو كانت تشحذ طاقتها نحو هدف ما. وأصبح عالم النساء هو التميمة التى يتكئ عليها عمر الفيومى فى الغوص فى عالمه الجوانى فنجد جنبا إلى جنب لوحات السيدات المنتظرات وجلسات «النميمة» ثم مجموعة جديدة من اللوحات تصور أتيلييه الفنان من الداخل والمفردات التى تستغرقه وتشكل حياته اليومية. فيظهر على سبيل المثال مجاز شهرزاد فى هذه الآنية التى تحمل الزهور على كرسى خشبى فى أحد أركان مرسم الفنان لتعيد التفكير فى الزهور وما تحمله لنا من قصص العشاق وحكايات الغرام. كما تظهر شخصية «القطط» فى عدة لوحات، كاحالة مستترة لعالم المرأة، تتقاسم الفنان مرسمه ومنزله وتمثل تجلى من تجليات الوجود النسائى فى حياته. يصورها الفيومى بما ترمزه من وجود حسى وهى جالسة بين يدى السيدة فى لوحة، وفى لوحة أخرى تجلس قطتان على طرف النافذة، لا نرى منهما سوى ظهريهما لكنهما يبدوان الدلال اللازم الذى يلزم الفنان فى كثير من الأحيان للعودة إلى المنزل وعدم التأخر حتى لا يجتمعان ضده ويعكران صفو حياته.