قائد القوات البحرية: مصر نجحت في منع الهجرة الغير شرعية منذ 2016    رئيس جامعة بنها: ندعم أفكار الطلاب وابتكاراتهم    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 22-10-2024 مع بداية التعاملات    حقيقة صرف مكرمة ملكية بقيمة 1000 ريال لمستحقي الضمان الاجتماعي في السعودية    استطلاع: أغلب الألمان يعارضون موقف الحكومة من تسليح إسرائيل    الأمم المتحدة تُدين التدهور السريع لوضع المدنيين في شمال غزة    أبرزهم خالد مشعل.. حماس تتجه لاعتماد لجنة خماسية بدلًا من تعيين خليفة للسنوار    جالانت يتخذ قرارا بشأن جمعية «القرض الحسن» التابعة لحزب الله    محمد عبد الجليل: حذرت لاعبي الأهلي من محمد رمضان وهذا موقفي من عقوبة كهربا    الأهلي بدون مهاجم.. آخر كواليس عقوبة كهربا وترحيله من الإمارات    أيمن الشريعي: اتحفظ على النظام الجديد للدوري ويجب سؤال أحمد دياب في قراره ضد إنبي    مجدي عبد الغني ل كهربا: أنت ليك ماضي معروف.. والناس مش نسياه    سيدات - مسار ل في الجول: ينسحبون أمامنا ثم يخسروا 10 أمام المنافس.. وغياب العقوبة يضرنا    تحذير شديد اللهجة من الأرصاد بشأن طقس اليوم، وهذا ما يحدث من من 6 صباحا إلى 11 ليلا    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته بسوهاج    الكوكايين الوردي، تفاصيل جديدة حول وفاة النجم ليام باين بعد التشريح الجزئي للجثة    الاحتلال يقتل فلسطينيين في غزة ويغتقل العشرات في قطاع غزة    الكلاب في الحضارة الفرعونية.. حراس الروح والرفاق في عالم الآلهة    الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قيادي في حزب الله في دمشق    الفنانة نورهان: اشتغلت مدرسة إنجليزي بعد الاعتزال.. التمثيل كان يسرقني من الحياة    بمستند رسمي..تعرف علي مواعيد قطارات «السكة الحديد» بالتوقيت الشتوي الجديد    مصرع شاب وإصابة 2 آخرين في حادث انقلاب سيارة بأسيوط    عاجل- كيفية الاستعلام عن موظف وافد برقم الإقامة وخطوات معرفة رقم الحدود عبر أبشر    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    كسر بالجمجمة ونزيف.. ننشر التقرير الطبي لسائق تعدى عليه 4 أشخاص في حلوان    عاجل - تمديد فترة تخفيض مخالفات المرور وإعفاء 50% من الغرامات لهذه المدة    ثقف نفسك| 10 خطوات هامة لمن يريد الزواج.. تعرف عليها    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    الصحة اللبنانية تدين تعرض إسرائيل لأكبر مرفقين طبيين في البلاد وتطالب بموقف دولي إنساني    3 مشروبات يتناولها الكثير باستمرار وتسبب مرض السكري.. احذر منها    قصف مدفعي مكثف في عيتا الشعب جنوب لبنان    وزير الدفاع الأمريكي: سنزود أوكرانيا بما تحتاجه لخوض حربها ضد روسيا    حل سحري للإرهاق المزمن    نشرة التوك شو| حقيقة زيادة المرتبات الفترة المقبلة ومستجدات خطة التحول إلى الدعم النقدي    قائد القوات البحرية يكشف سبب طُول الحرب في أوكرانيا وغزة    النائب العام يبحث مع نظيرته الجنوب إفريقية آليات التعاون القضائي    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ما حكم استخدام المحافظ الإلكترونية؟ أمين الفتوى يحسم الجدل    بعد منعه من السفر… «هشام قاسم»: السيسي أسوأ من حكم مصر    «القابضة للمطارات»: مؤتمر المراقبين الجويين منصة للتعاون ومواجهة تحديات الملاحة    إسرائيل تتوعد: الهجوم على إيران سيكون كبيرًا وسيجبرها على الرد    كيفية تفادي النوبات القلبية في 8 خطوات..لايف ستايل    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    متحدث الصحة: نعمل بجدية ومؤسسية على بناء الإنسان المصري    شريف سلامة: أتخوف من الأجزاء ولكن مسلسل كامل العدد الجزء الثالث مفاجأة    أبرز المشاهير الذين قاموا بأخطر استعراضات على المسرح (تقرير)    القصة الكاملة لتدمير القوات المصرية للمدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    50 جنيهًا تُشعل خلافًا ينتهي بجريمة قتل في كفر الشيخ    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    أبرز موافقات اجتماع مجلس مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأقصر    فى منتصف الأسبوع..سعر الطماطم والبصل والخضار بالاسواق اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    أبو هميلة: توجيهات الرئيس للحكومة بمراجعة شروط صندوق النقد الدولي لتخفيف الأعباء    الصفحة الرسمية للحوار الوطنى ترصد نقاط القوة والضعف للدعم النقدى    شيرين عبدالوهاب تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية (تفاصيل)    الموافقة على تقنين أوضاع 293 كنيسة ومبنى تابعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معايير خيارات السكن: مستوى أفضل أم الرضا بما هو أبسط؟
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 02 - 2010

الجدل حول خيارات السكن بين التملك والإيجار، لا يعكس فحسب القدرات الاقتصادية وحالة سوق العقارات، ولكنه يعكس أيضا قيما وأفكارا حول الاستقرار والتغيير، التفاؤل بالمستقبل أو الحذر منه، الحماس لمعركة مع الحياة من أجل مستوى أفضل أو الرضا بما هو أبسط.
كعادة يومية، يصلى الحاج عمر سعد الظهر فى المسجد القريب من منزله ثم يتوجه إلى قطعة الأرض التى اشتراها من زمن بنصيبه من ميراث أبيه. قطعة الأرض بحى الملك فيصل التى ظل سورها القصير يعلن لفترة طويلة أنها «ليست للبيع» تمتلئ الآن بالعمال الذين ينفذون الأساسات. حصل الحاج على مكافأة نهاية الخدمة وأضافها إلى بعض المدخرات لكى يبدأ فى بناء عمارته الخاصة. بمجرد أن يصل الحاج فى موعده اليومى يأمر له المقاول بكرسى وشاى ليجلسا معا ويتابعا أحوال البناء.
لا يمر يوم إلا ويأتى سمسار يسلم عليهما ويعرفهما بنفسه ويحاول الاتفاق مع الحاج بشأن تسويق شقق العمارة التى تحظى بموقع جيد، ولكن كلهم يفاجأون بتشبثه برأيه: «أقول لهم إن العمارة كلها لأولادى الخمسة وأولادهم من بعدهم. كان حلمى دائما أن أبنى لهم بيتا خاصا بهم، يغلقونه عليهم. وضعت أساسات تكفى لأدوار كثيرة ولكن ما معى الآن سيغطى تكاليف يناء دور لكل واحد منهم. وهم وشطارتهم فيما بعد».
لا يحب الحاج عمر أن يتطرق الحديث إلى ابنه المهندس ياسر، الوحيد من بين أبنائه الذى يرفض السكن فى العمارة الجديدة بعد انتهائها: «كل أولادى فرحوا بالأمر، وأحدهم متزوج سيبيع شقته فى مدينة الشيخ زايد ويأتى للسكن وسط إخوته. ولكن ياسر شاب صغير وهو الآن سعيد باستقلاله وبعده عنا. لكن أكيد سيكبر ويعرف معنى لمة العائلة».
«أنا عندى الآن 27 سنة» يضحك ياسر، مهندس الكمبيوتر، وهو يقول إن أباه دائما يراه شابا صغيرا مراهقا، وربما لهذا السبب تحديدا فضل أن يسكن مع صديق له فى مدينة 6 أكتوبر. فى البداية تعلل ياسر ببعد المسافة وإرهاق العمل فى الشركة التى تقع أيضا فى 6 أكتوبر، لكن الواقع أنه أحب الحياة فى المدينة الجديدة بكل ما تحققه له من حرية واستقلال وخصوصية، وبدأ صدره يضيق ببيت الأسرة والحجرة المشتركة وعين الأب والأم والأشقاء:
«أبى يحن لبيت العائلة الذى تربى فيه فى القرية. طبعا هناك أمان ودفء وأشياء كثيرة جميلة. ولكنى لا أعتقد أنه يجب لكى أحصل عليها أن أظل ملتصقا بأبى وأمى. أبى يرعانى ويساعدنى رغم كل شىء ورغم عدم رضاه عنى أحيانا. لكن العمل فى مدينة بعيدة والسكن وحدى أو مع صديق فى شقة إيجار جديد تجربة أدفع ثمنها بعمل قاس لعدد ساعات طويلة. ولكنى أريد أن أحظى بحرية وخصوصية وأتمتع بمستوى من الهدوء والنظافة والعيش وسط أناس أشعر بالتجانس معهم كما يشعر أبى بالتجانس الآن مع أهالى حينا وجيراننا».
بين ياسر وأبيه جدل دائم منذ انتقل للسكن فى 6 أكتوبر منذ سنتين، والآن تجدد الجدل بسبب عزمه على الزواج. وتباحثهما معا فى خيارات السكن المتاحة. تفضيلات وقيم معينة تحكم توجه كلا منهما. الأب يريد توفير الأمان والاستقرار فى مستوى اجتماعى يراه معقولا وجيدا، تقريبا هو ذاته نفس المستوى الذى عاشت فيه الأسرة. فى حين يبحث الابن عن بعض المغامرة والتطلع إلى مستوى اجتماعى مختلف وبعض الرفاهية والخصوصية والحرية ولا مانع من التنقل.
معايير مختلفة
بسبب «مفاوضات» الزواج دخل على خط الجدل أيضا خطيبته وأبوها وأمها. ياسر وخطيبته يعملان معا فى نفس الشركة فى مدينة 6 أكتوبر.
دخلهما الجيد نسبيا يكفل لهما إيجار شقة فى مكان متميز وجيد هناك. الأم تريد أن يسكنا فى «مكان قريب» بينما 6 أكتوبر «بعيدة» ومتعبة لزوجين حديثين فى رأيها. يطيش صواب ياسر عند سماع عبارات مثل «قريبة وبعيدة». فهما يقضيان معظم حياتهما فى العمل ومن المناسب جدا أن يسكنا هناك.
والد خطيبته لا مشكلة لديه فى القرب والبعد ولكنه يفكر فى «الاستقرار» ويريد أن يحجز ياسر شقة كتمليك أو إيجار قديم لكى تحظى ابنته ب«مكان مضمون» على حد تعبيره. يحاول ياسر ألا يفقد أعصابه عند مناقشة أمر «المكان المضمون» الذى سيكلفهما مقدما باهظا أو أقساطا كبيرة ربما تطيح باستقرارهما المالى، خاصة أن كليهما هو وخطيبته يسددان أقساط سيارة حديثة.
«الغريب أن والدها يبدو أقرب قبولا للسكن فى عمارة أبى فى فيصل وهى منطقة متواضعة المستوى مقارنة بالأحياء التى أقترح السكن فيها فى 6 أكتوبر بنظام الإيجار الجديد»، يتعجب ياسر فهو يبدو أكثر قبولا للمنطق الذى يلزمه بأن يختار شقة فى مستوى اجتماعى أفضل وفى مكان جميل ويبدو مستقبله أفضل من أحياء القاهرة والجيزة المزدحمة التى تعانى الآن بالفعل من التكدس والازدحام ومشكلات النظافة والتلوث:
«خيار الإيجار الجديد بالنسبة للأجيال الأكبر كأنه الجحيم. بينما أراه جزءا من نظام حياتنا الجديد. إذا كنت فى وظيفة جيدة جدا وأحوالى ممتازة سأسكن فى حى راق لمدة 3 أو 5 سنوات وأستمتع. بدلا من أن أدفع مبالغ باهظة كمقدم أو أضطر للاعتماد كلية على أهلى. سأستغل باقى دخلى فى أقساط سيارة وشراء أثاث جميل. إذا تعثرت الأحوال قليلا بعد سنوات أنتقل إلى مستوى أقل قليلا، لا مشكلة. قد تتاح لى فرصة شراء شقة تمليك وأنا مستريح. وإن لم يحدث لا أظنها مشكلة. لا مانع من بعض المغامرة والقلق فى الحياة، قد يدفعنا ذلك للأحسن».
تتخذ المغامرة وجها آخر مع أحمد حسان، المهندس المدنى، الذى يتعرض لموقف شبيه. هو أيضا مقدم على الزواج، وصارح أهل خطيبته أن لديه سيولة تكفى لتملك شقة، ولكنه يستعد لاستثمار أمواله فى مجال المقاولات لأن عمله كمهندس فى شركة لا يلبى كل طموحه. ظن أن هذا الكلام سيرفع قدره عند والدها.
إلا أنه فوجئ به يرد عليه: «هذا مشروعك أنت الشخصى، ولكن الشقة التمليك ستحقق استقرارا دائما لابنتى. كما أن شراء العقارات استثمار يعود بالنفع عليكما».
يفكر أحمد أن التفكير فى الاستثمار فى شراء العقارات يعكس حالة اجتماعية من الخمول وعدم الرغبة فى المغامرة: «المشروعات الأخرى تدر دخلا أعلى إن نجحت وتحقق ذاتك وتثرى خبرتك بدلا من الاستسلام لوظيفة نمطية والارتكان على استقرار يحققه لك شىء تملكه، وفى النهاية بدلا من أن تبادر وتشتغل وتغامر، تضع نفسك تحت رحمة سوق العقارات التى ربما تنقلب عليك مع أى ركود».
قبول فكرة التنقل أو السكن لمدة محدودة تبدو الآن قريبة من أشخاص مغامرين طموحين، ولذلك لا يزال نظام الإيجار القديم موجودا ليلبى الرغبة فى الاطمئنان على مكان السكن وسط تغيرات الحياة والعمل غير المضمونة بالنسبة لكثيرين ممن يبدون فى موقع دفاعى عن حياتهم ويريدون أن يغلقوا باب «معركة السكن» ليتفرغوا لغيرها.
من هؤلاء حازم عبدالله، موظف الموارد البشرية بشركة استثمار عقارى: «أعتقد أن لدى طموحا كبيرا. ولكنى لا أستطيع أن أقول إنى وجدت طريقا حتى الآن لكى أسير فيه إلا قبول هذه الوظيفة أو تلك بفوراق قليلة فى الدخل. لدى بعض المدخرات لا ترقى لشراء شقة تمليك. أقساط التمليك فوق قدرتى. أبحث عن شقة بنظام الإيجار القديم، ستكون حلا وسطا تحقق بعض الاطمئنان والراحة».
بين حازم وخطيبته الصيدلانية جدل آخر. فهو يبحث عن شقة فى أحياء تراها هى متواضعة مثل الهرم وفيصل، بينما تفضل هى أن يغامرا بعض الشىء ليتملكا شقة فى إحدى المدن الجديدة أو الضواحى. هو يفضل ألا يسيطر قلق الأقساط على حياته، المغامرة بلا ارتكان على شىء قد تجعله فيما بعد أقل قدرة على المغامرة فيما يخص حياته المهنية، فيقبل بأى وظيفة أو يكون مقيدا فى التنقل بسبب خوفه من موعد القسط:
«فى المستقبل ربما تتضح الأمور أكثر وربما نفكر فيما هو أحسن. أما الآن فأنا غير متفائل بالفرص المتاحة ولا يمكننى أن أجعل نفسى مدينا وأجعل من المكان الذى أعود إليه، لأغمض عينى وأريح أعصابى، أحد مصادر القلق والتوتر»، فالحياة بالنسبة له أبسط من ذلك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.