لقد أصبح التعرف إلى الفقاعات المالية الهواية العالمية المفضلة لدى محبي الثرثرة، والصين هى لعبتهم المفضلة حاليا. فالمخاوف من أن تشهد الصين «انكماشا» أثارت الرعب في نفوس المتاجرين بالأسهم، لا سيما في آسيا وفى الأسواق التي تتأثر بالسلع الأساسية. إن كبحت بكين نموها من خلال زيادة معدلات الفائدة والحد من القروض، فإن المحرك الذي كان يدفع قطار النهضة العالمية سيتباطأ، مؤديا إلى الركود «المزدوج» (ركود يتبعه نهوض قصير الأمد ثم ركود آخر) الذي يخشاه الجميع.. وهذا ما يتوقعه المتشائمون. أول ما يجب أن يعيه المرء بشأن الصين هو أن ما من أحد يعرف حقيقة ما يجرى فيها، فهى بكل بساطة شديدة الغموض. وهى أكبر من أن يتم تجاهلها.. وأنا لا أعتقد أن الصين تشهد فقاعة. فبحلول أواخر عام 2009، كان الاقتصاد الصيني والفضل يعود جزئيا إلى التحفيزات المالية والضريبية الضخمة ينمو بنسبة 10٪. وفى أواخر الخريف، بدأت السلطات الصينية تحد قليلا من تحفيزاتها المالية. ثم فى أوائل يناير، قدمت البنوك عددا ضخما من القروض الجديدة. وفى حين أن ازدياد عدد القروض فى أوائل الربع المالي ليست بالأمر غير الاعتيادي، يبدو أن هذه الزيادة كانت ضخمة بشكل مقلق. فى الوقت نفسه، ارتفعت نسبة التضخم من 0.6٪ فى نوفمبر إلى 1.9٪ فى ديسمبر. لكن بما أن معظم هذا الارتفاع متأتٍ من ارتفاع أسعار الأغذية، والسبب يعود جزئيا إلى العواصف الشتوية القاسية، فهذا لا يدعو إلى الهلع. فى مواجهة التضخم الطفيف فى اقتصاد ينمو بنسبة 10 إلى 11٪، تحرك البنك المركزى الصيني بسرعة للحد من التحفيزات المالية. آخر ما يريده البنك المركزى هو نمو الاقتصاد بشكل مفرط وانهياره، مما سيؤدى إلى عواقب اجتماعية وخيمة. المسئولون هناك يعون بالطبع وجود مجموعة من المتشائمين والمراهنين على انهيار الاقتصاد الصيني الذين يقولون إن هذا على وشك أن يحدث. لكنهم من جهة أخرى درسوا أحداث ثلاثينيات القرن الماضى ولا يريدون أن يكون رد فعلهم مفرط ومتسرع، مما سيقوض عملية النهوض الاقتصادي الهش. لذلك رفعت السلطات نسبة الفائدة الممنوحة على سندات الخزينة التى تستحق بعد ثلاثة أشهر وبعد سنة، ونصحت البنوك بألا تفرط فى تقديم القروض. وتم رفع نسبة الفائدة الممنوحة على سندات الخزينة المستحقة بعد عام بثمانى نقاط فى كل من الأسبوعين الأولين من شهر يناير. هذا «كبح للتحفيزات» بلا شك، لكنه يحدث بشكل بسيط وتدريجي. وربما للحرص على أن يفهم الجميع الأمر، أعاد أحد نواب الحكام الأكثر نفوذا التأكيد الأسبوع الماضي على التزام البنك المركزي الصيني بسياسة مالية «متساهلة نسبيا». بما أن الاقتصاد الصيني يدار من قبل «الحكومة»، فإن لهذه التحذيرات تأثيرا كبيرا. ولكل الأسباب البديهية، يبدو أن البنك المركزي الصيني يريد التخفيف من سرعة النمو لتتراوح بين7 و8٪، وتفادى تراجع نسبة نمو الناتج المحلى الإجمالى بشكل سريع إلى 4 أو 5٪. فالمسئولون يأخذون بعين الاعتبار وجود 200 إلى 300 مليون صيني متململين عاطلين عن العمل أو لا يعملون ساعات كافية. المتشائمون يجادلون أيضا بأن الصين شبيهة باليابان فى أواخر ثمانينيات القرن الماضي لأنها أفرطت في الاستثمار وأسعار الأصول فيها مرتفعة بشكل كبير. فى الحقيقة، فإن وضع الصين اليوم أشبه بما كانت اليابان عليه فى سبعينيات القرن الماضي. فأسعار الأسهم الصينية، بحسب مؤشر إم إس سى آى للبورصات العالمية، تبلغ 13.4 أضعاف قيمة الإيرادات المتوقعة لهذا العام و2.6 أضعاف قيمة شركاتها، وهى نسب معقولة. أسعار أسهم اليابان خلال ذروة فترة ازدهارها المفرط كانت تصل إلى 70 ضعف قيمة الإيرادات وأكثر من خمسة أضعاف قيمة الشركات التى تصدرها. كما أن أسعار العقارات اليابانية وصلت إلى مستويات قياسية ولاتزال تنخفض بعد مرور 20 عاما. فى الصين، ارتفعت أسعار الشقق السكنية الفاخرة فى بكين وشنغهاى بنسبة 50٪ العام الماضي، لكن متوسط أسعار المنازل فى 70 مدينة لم يرتفع إلا قليلا، بنسبة 8٪. فقط ال25٪ الأكثر ثراء من سكان المدن لهم علاقة بهذه السوق، وربع الذين يشترون يدفعون نقدا. وتبلغ قيمة القروض السكنية نحو نصف قيمة العقار، وعلى المشترين المالكين أن يدفعوا دفعة أولى توازى 20٪ من المبلغ الإجمالي. أما المشترون المستثمرون فعليهم أن يدفعوا 40٪. لقد ارتفعت أسعار العقارات التجارية، لكن عمليات التمويل تخضع لقيود مماثلة. فقطاع العقارات فى الصين تموله الأموال المدخرة وليس الأموال المقترضة. يقول المتشائمون أيضا إن الصين تستثمر بشكل مفرط فى مشاريع كبيرة، لا سيما الطرقات والسكك الحديدية وغيرها من البنى التحتية. لكن وكما أشارت مجلة الإيكونوميست، لا يمكن أن تكون للصين قدرة إنفاقية فائضة عندما لا تساوى قيمة ممتلكات الفرد إلا نحو 5٪ من قيمة ممتلكات الفرد الأمريكي أو الياباني. لا يمكن القول إن الصين تفرط فى إنشاء سكك حديد عندما تكون مساحتها موازية لمساحة الولاياتالمتحدة، لكنها لا تحتوى إلا على 110.000 كيلومتر من السكك الحديد مقارنة بال400.000 كيلومتر التى كانت منتشرة فى الولاياتالمتحدة عام 1916. أما فيما يتعلق بالطرقات المعبدة، فإن 40٪ من البلدات الصينية تفتقر إلى طريق معبد يربطها بالبلدة التجارية المجاورة. ما الذى يمكن أن يحدث؟ إن انهارت اقتصادات الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان من جديد لفترة طويلة، ستتأثر الصادرات الصينية سلبا إلى حد كبير. فى ما عدا ذلك، يبدو لي أن الاقتصاد والبورصات الصينية فى حالة جيدة.