هذا خبر مبهج لو صح ما نشرته الأهرام أمس فى مكان بارز بالصفحة الأولى «الضبعة موقع أول محطة نووية» معنى ذلك أن أمواج البيزنس العاتية وجدت من يصدها، وتكسرت على صخرة قرار سياسى سيادى قرر إنقاذ «الضبعة» من بين أنياب «الضباع» وأنصت لأصوات خبراء الطاقة فى مصر الذين طالبوا بمقاومة شهوة الاستثمار السياحى الجامحة، واعتبروا أن من يقاوم مشروع محطة الضبعة متآمر على مصر. معنى ذلك أن حلما وطنيا كبيرا أفلت من قبضة المنحازين إلى «مصر الشاليه» ضد «مصر المصنع والمزرعة». معنى ذلك أن الجناح العاقل فى الإدارة المصرية لايزال قادرا على الصمود أمام رغبات الشباب الصاعد المتوعد المدجج بأموال مجموعة من رجال الأعمال الذين كونوا ما يشبه طبقة «الأوليجارك» فى العصور القديمة، تلك الأقلية من الأثرياء الذين اختطفوا صناعة القرار السياسى وفرضوا قيمهم على المجتمع. والمعنى أيضا أننا أمام فرصة ذهبية لإيجاد مشروع قومى حقيقى يلتف حوله الجميع وتجد من خلاله كل الأيدى العاطلة طريقا للعمل والإنتاج والإحساس بأنهم شركاء فى هذا الوطن وليس مجرد رعايا يلتقطون ما تلقيه لهم الحكومة. وبصرف النظر عن أن معركة الضبعة استغرقت وقتا طويلا حتى تحسم، إلى درجة أن كثيرين تصوروا أن الحكومة سترضخ فى النهاية لرغبة بعض المستثمرين المتربصين بالموقع، إلا أن صدور القرار السليم متأخرا أفضل من ألا يصدر على الإطلاق، وعليه مطلوب من الحكومة الآن أن تعتبر نفسها الآن على موعد مع دخول التاريخ إذا أحسنت إدارة ملف الضبعة وحولته من مجرد إنشاء محطة إلى قضية وطنية لكل مواطن مصرى شريف فيها نصيب ودور، بحيث يتم استنهاض المشاعر الوطنية التى وضعت فى الثلاجة منذ عقود، ولم يسمح لها بالخروج إلا فى مناسبات عابرة فى حروب كرة القدم. الآن يمكن توجيه طاقة «الألتراس» إلى ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، بدلا من إهدارها فى زبد الهوس الكروى، مع عظيم التقدير لما أنجزه منتخب مصر، وليس منتخب أى أحد آخر. والآن أيضا يمكن إعادة الاعتبار لمفهوم المشروع القومى الذى جرى ابتذاله وتسيطحه على نحو مرعب خلال السنوات العديدة الماضية، إلى الحد الذى تساوى معه السد العالى بالكابتن عصام الحضرى. وأحسب أن الحكومة ستحسن صنعا وهى مقبلة على معركة كبيرة لو أجرت صلحا سريعا مع مواطنيها بإعادة صياغة مشروع الضريبة العقارية، بحيث يتم إعفاء السكن الخاص وتحصيل الضريبة مضاعفة من أصحاب القصور والشاليهات التى اختطفت من الناس زرقة البحر بامتداد الساحل الشمالى. [email protected]