أمام الحكومة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدنى فرصة تاريخية للالتقاء والاصطفاف حول مشروع قومى بحق وحقيق، ليس كمثل تلك المشاريع الصغيرة التى جرى ابتذال معنى المشروع القومى بتسميتها بهذا الاسم. يمكن للجميع فى هذا البلد من أكبر رأس إلى أصغر طالب أن يحتشدوا ضد «الضباع» التى تحاول إجهاض الحلم المصرى فى امتلاك الطاقة النووية من خلال محطة الضبعة التى تبدو مثل يتيمة على موائد اللئام وهم كثر. وحتى لا يتهمنى أحد بارتكاب خطيئة التعميم و«الشمولية» فى اتهام كل رجال الأعمال بأنهم من النوع الضبعاوى المتحرش، أقول إن مصر لم تعدم رجال أعمال شرفاء يستطيعون المشاركة فى حلم قومى نبيل. غير أن النقطة المحورية فى هذه القضية أن تكون لدى الحكومة المصرية الإرادة الحقيقية والجادة فى خوض معركة امتلاك الطاقة النووية، وفعل شئ محترم ونبيل تتذكرها به الأجيال القادمة، وعمل كهذا كفيل بأن يغسلها من أخطائها وخطاياها. أعلم أن مجموعة من «الضباع» حققت ثروات طائلة عبر عملية إفقار متعمدة للدولة، أفضت فى نهاية المطاف إلى أن أصبحت كلمة الضباع هى العليا، بعد أن جرى اختطاف القرار السياسى على أجنحة الثروة، وباتت مصر «رهينة» لدى بعض هؤلاء المهددين بنقل الاستثمارات الكبيرة أو تهجيرها. وإذا كانت هذه المعادلة هى الحاكمة فى أمور عديدة مما يجرى على أرض مصر، فإن انسحابها على مشروع الضبعة يعد خطيئة وجريمة سياسية بكل المقاييس، ذلك أن ثمة أمورا لا يصح أن تترك لمعايير «البيزنس» وحسابات الفائدة السريعة، واستعجال الأرباح المضمونة. وفى ذلك سمعت حديثا إذاعيا أثناء شهر رمضان لوزير الكهرباء الدكتور حسن يونس قال فيه: إن موضوع الضبعة لا يجب أن يترك للعواطف، بل تحسمه الدراسات العلمية، معلنا أن مؤسسة خبرة أوروبية تعكف على دراسة الأمر بشكل علمى دقيق للوصول إلى قرار نهائى بصلاحية «الضبعة » لتنفيذ المشروع النووى المصرى، أو العكس. وهذا كلام خطير، فمن ناحية هناك مشاريع لا ينبغى أن تغيب عنها «العواطف» خصوصا تلك المشاريع الكبيرة التى لا تنجح إذا لم يكن وراءها حالة من استنفار الشعور الوطنى القومى، واستنهاض الجميع للمشاركة فيها، كل قدر استطاعته. وأزعم أن مشروعا بحجم مستشفى سرطان الأطفال، مع الفارق طبعا بينه وبين مشروع الحلم النووى، ما كان له ليسير على قدميه لولا أن القائمين عليه نجحوا فى استدعاء سلاح العواطف والمعنويات لدى كل قطاع الشعب المصرى.. دون أن نغفل بالطبع أهمية التخطيط العلمى لهذه الحملة الوطنية بامتياز. فالعواطف ليست عيبا يا سيادة الوزير، كما أنها ليست نقيصة تلحق بالشخصية، المهم أن تستغل هذه العواطف فى إطارها الصحيح. وتستطيع الأحزاب التى تعانى الفراغ وتشكو البطالة السياسية أن تجد لها فى الدفاع عن مشروع الضبعة فرصة للخروج من قمقم خناقاتها الصغيرة وفعل أى شئ يجعل الناس يشعرون بوجودها. ولا أدرى ما مصير الجبهة الوطنية للدفاع عن مشروع الضبعة التى تم الإعلان عن العمل على تشكيلها، ثم انقطعت أخبارها فجأة.