التقت "الشروق" بأبو بكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء في حوار حول أحوال المصريين كما جاءت بها أوراق بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2008 /2009 والذى أصدره الجهاز مؤخرا. الأغنياء والفقراء ومتوسطى الحال كيف يتجاورن فى مصر؟ كيف يتقاسمون الثروة والعيش معا؟ من يستحوذ على الثروة، ومن يعانى العوذ؟. نسأل رئيس الجهاز. المتزاحمون فى غرفة واحدة يدخنون السجائر وينفقون على المشروبات الكحولية أكثر من هؤلاء الذين يعانون من المساحات الخالية فى غرفهم. والعمال والحرفيون يصرفون على الوجبات الجاهزة من دخلهم نسبة أعلى مما ينفقه المستشارون والمديرون وكبار المسئولين. وأصحاب الشهادات الجامعية يصرفون على الدروس الخصوصية لأولادهم أقل مما يصرفه هؤلاء الذين فاتهم قطار التعليم. وكثير من الحقائق عن معيشة المصريين يكشفها بحث الدخل والإنفاق لعام 2008 /2009. ولكن نبدأ من خريطة الفقر حتى نرتب عليها كل ما عداها سواء هؤلاء القريبون من الفقر أو البعيدون عنه. هناك دائما خلط لدى الناس من التصريحات المتفاوتة بين المسئولين حول الفقر فى مصر. وما قاله عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية من أن من ينفق أكثر من ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه فى اليوم ليس فقيرا فتح الباب واسعا لاستفزاز الكثيرين حول مصداقية هذه التقديرات فمن هم الفقراء فى مصر؟ وكم نسبتهم؟ وهل تصلون إليهم بمعيارالدولار والدولارين؟. هناك دول تأخذ بمعيار البنك الدولى فى تصنيف الفقراء. والذى يعتمد على احتساب الفقير طبقا للقيمة الشرائية للدولار فى البلد ذاته. بحيث من ينفق أقل من القيمة الشرائية للدولار فى اليوم يعد فى مصاف الفقر المدقع، ومن ينفق أقل من دولارين فهو يقع فى شريحة الفقراء فقط. ونحن فى مصر لا نعتمد على هذا المعيار، ولكن نركز على معيار آخر وهو احتساب الأموال التى يقتضى على المواطن أن يصرفها لتلبية احتياجاته الأساسية من مآكل وملبس ومسكن، والذى يبقيه فقط على قيد الحياة. نقوم بحساب كم يصرفه الفرد على أقل كمية من السعرات الحرارية من أقل نوعية من الغذاء التى تحقق هذه السعرات التى تبقيه على قيد الحياة. وهذا يخضع لرأى علماء التغذية الذين يحددون كمية هذه السعرات وتنويعاتها ما بين سكريات وبروتينيات وكربوهيدرات وأملاح وما إلى ذلك. وعندما قمنا بحساب الأموال اللازمة لتوفير تلك الكميات، التى اتفق عليها علماء التغذية، وصلت قيمتها إلى 205 جنيهات فى الشهر بأسعار يوليو 2009. «مش قلنا فقير» ولكن كيف يمكن لهذه الجنيهات القليلة أن تبقيه على قيد الحياة. يأكل ويشرب ويسكن ويلبس ب205 جنيهات. كيف يعقل هذا؟ سيسأل الناس. «ما الغريب فى ذلك، مش قلنا فقير، بمعنى أنه يشترى الفول من عربية فى الشارع وليس من الهايبر، ويسكن مع أسرته فى العشوائيات فى غرفة واحدة، ويلبس قميصا ويرجع يغسله ويلبسه تانى، يعنى هذه الأسرة تكون قد أنفقت 800 جنيه لأن متوسط عدد أفراد الأسرة أربعة. وماذا عن التعليم والصرف على العلاج وهو ما يحتاجه الفرد لكى يبقى على قيد الحياة. ألا يدخل هذا فى الحساب عند تحديد الفقراء؟ التعليم ليس له دور للإبقاء على حياة البشر، المواطن يستطيع أن يحيا بدون تعليم لو ماتعلمش مش حيموت. وهذا الوضع لا يرضينا على الإطلاق، ونهدف إلى تحسين ظروف هؤلاء الناس، كل الحكاية أننا نحسب من هم الفقراء. ولكن عند احتساب الشريحة القريبة من الفقر نبدأ فى إدخال عناصر أخرى مثل الصرف على التعليم، والمواصلات، والصحة. فقد أجرينا بحث الدخل والإنفاق على عينة من 48 ألف مواطن وتوصلنا إلى أن معدل الفقر عام 2008 وصل إلى 21.5%، بعد أن كان 19.4% فى عام 2004 /2005. أى أن هناك 21.5% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر حاليا. ولكن يتعين علينا أن نأخذ فى اعتبارنا أن زيادة عدد الفقراء تعود فى جزء منها إلى أن الفترة التى كنا نجرى فيها البحث هى بداية الأزمة الاقتصادية العالمية والتى شهدت أعلى معدلات تضخم جاءت على مصر خلال الربع الثالث والرابع من عام 2008 حيث بلغ المعدل فى شهر أغسطس من العام الماضى 25% وهو أعلى تضخم تشهده مصر طوال تاريخها. وكان لابد أن ينعكس ذلك على مستوى معيشة المصريين. خاصة أن الفقراء يصرفون نسبة أعلى من الدخل على الطعام والشراب تصل إلى 50%. وقد شهدت المواد الغذائية ارتفاعات كبيرة فى الأسعار خلال العام الماضى، وهذا بالطبع انعكس على نسب الفقر. يعنى البطاطس والطماطم والبصل طلعوا روحنا فقد ارتفعت أسعارها بشكل غير طبيعى، لأن الخضر بشكل عام وزنها النسبى فى سلة السلع التى نقيس بها الأسعار كبير. «خريطة العدل» كثر الحديث عن أن ثمار النمو لا تتوزع بعدالة على المصريين. فإذا كان أغنى 20% من المصريين يستحوذون على 40.2% مما ننفقه جميعا. بينما أفقر 20% لا ينفق سوى 9.3% من إجمالى الإنفاق. فكيف تقرأ خريطة العدل فى مصر؟ المفروض أن ينفق خمس السكان 20% من إجمالى الإنفاق وهذه هى التوزيعة العادلة لثروة المجتمع، ولكن حقيقة الأمر أن الدخل أو الثروة لا تتوزع بعدالة مطلقة، فهذا لا يحدث فى أى مجتمع فى العالم. وما يوجد لدينا يتماثل مع نسبة التفاوت فى كثير من المجتمعات التى فى ظروفنا. فأغنى شريحة بدلا من أن تستحوذ على 20% استحوذت على 40%، وهو يعد متوسطا عاما فى الدول المماثلة لنا فى ظروفنا. ولا يجب أن ننكر أن شريحة ال20% الأكثر فقرا زاد نصيبها من إجمالى الاستهلاك بنسبة.50% منذ عام 2004 /2005 وحتى 2008 /2009. بينما انخفض نصيب شريحة ال20% الأغنى من السكان بنسبة 1.4% وهذا يعنى أننا نتجه نحو مزيد من العدالة فى توزيع الثروة. أى عدالة فى أن يزيد نصيب الفقراء من الثروة بنسبة 0.5% خلال 4 سنوات، بما يعنى أن هذا النصيب يزيد بنسبة تقترب من 0.1% مايعنى الفتات، وعلى الجانب الآخر ما ينقص من نصيب الأغنياء أيضا أقل من 0.5% وهو ذات الفتات؟ أهذا هو العدل؟ لم أقل عدلا ولكن قلت تحسنا فى ظروف المعيشة نحو مزيد من العدالة، أخذا فى الاعتبار أن هذا التحسن كان جزءا منه فى عام الأزمة التى لولاها لكانت الأمور أفضل. ولكن أليست تلك العدالة منقوصة بالنظر إلى التفاوت بين إنفاق الفرد السنوى فى الريف والحضر. حيث إن الأفراد الذين ينفقون أكثر من 5000 جنيه فى السنة يبلغ نسبتهم فى المحافظات الحضرية 21.6%، بينما تبلغ نسبتهم فى ريف الوجة البحرى 2.2%، وفى ريف الوجة القبلى تبلغ هذه الشريحة 1.2%. وعلى الجانب الآخر تبلغ نسبة من ينفقون ما بين 1000 جنيه إلى 2000 جنيه فى المحافظات الحضرية 16%، بينما هذه النسبة تبلغ 41.9% فى ريف الوجة البحرى، وتزيد إلى 61.3% فى ريف الوجة القبلى. أليست منقوصة بالفعل؟ العدالة لم تتحقق فى أى مجتمع من المجتمعات، ويجب أن نتيقن أن ما نفعله كجهاز للإحصاء هو نفس الدور الذى يقوم به الطبيب من حيث إنه يجرى تحليلات للمريض، وذلك بغرض أن نتعرف على خريطة الفقر فى مصر تمهيدا لوضع السياسات لإخراج الفقراء من فقرهم. وهذه البيانات هى التى على أساسها تم تحديد أفقر 1000 قرية فى مصر. لقد وضعنا 12 مؤشرا يتم على أساسها دراسة أفقر القرى مثل معدل التزاحم فى الغرفة الواحدة، وتوافر الصرف الصحى والمياه والكهرباء، ومدى اقتناء الأسرة للأجهزة، والحالة الاجتماعية لرب الأسرة، ووجود أكثر من أمى فى الأسرة، وغيرها من المؤشرات التى يمكن من خلالها تحديد أفقر الفقراء. المحمول والدش والحراك الاجتماعى كثرت الكتابات التى تشير إلى أن هناك اتساعا للطبقة المتوسطة فى المجتمع مع تنامى وضعها الطبقى ويدلل هذا الفريق على ذلك بزيادة عدد مستخدمى التليفون المحمول، والسيارات، واقتناء الدش، وبعض الأجهزة المنزلية مثل الغسالة الفول أوتوماتيك والتليفزيون الملون.. هل توافق رأى هذا الفريق على أن هناك تناميا فى هذه الطبقة؟ وهلى يصلح امتلاك الأجهزة للتدليل على أن هناك حراكا اجتماعيا؟ لا يمكن الاستناد إلى امتلاك الأجهزة على أن هناك حراكا اجتماعيا بالفعل، لأن الحراك الاجتماعى يعنى أن يستطيع الفرد أن ينتقل صعودا على السلم الاجتماعى إلى أعلى. ولكن يمكن التدليل بامتلاك الأجهزة على أن هناك تحسنا فى مستوى معيشة الطبقة المتوسطة، التى ترتفع مستوياتها عن طبقة الفقراء. فالأرقام تشهد على أن هناك تحسنا بالفعل. وإذا رأينا أن الشرائح التى تقع ما بين الفئة التى تستهلك 20% من إجمالى الاستهلاك السنوى فى المجتمع والشريحة التى تستهلك أقل من 80% من الاستهلاك، كانت تستحوذ على 49.6% من إجمالى الاستهلاك السنوى فى عام 2004، وأصبحت الآن تستحوذ على 50.5% فى عام 2008 فهذا معناه زيادة نصيب الطبقة المتوسطة. بلاى ستيشن وبلياردو فى الأزقة ولكن إذا كانت الطبقة المتوسطة، والتى تقع فى المسافة ما بين أقل الشرائح وأكثرها استهلاكا، لم يزد نصيبها من الاستهلاك الإجمالى للمجتمع خلال أربع سنوات سوى بنسبة تقل عن 1% فهذا وحده ربما يكفى لدحض رأى هذا الفريق. أى زيادة فى نصيب هذه الشريحة يعد تحسنا أو على الأقل ليس تراجعا فى مستوى معيشتها كما يدعى الفريق الآخر. وهناك قضية مهمة قد لا يلتفت إليها البعض وهى الخاصة برؤية الفقراء لأنفسهم فزمان الفقراء لم يكونوا يشعرون بأنهم فقراء إلى هذا الحد الذى يبدو عليه الأمر الآن بفعل التطلعات. فلم يكن الفقير يتطلع أو يتعرف على ما يدور خارج دائرة الفقراء. أما الآن فالفقير يرى من خلال الأعمال الدرامية التى يشاهدها فى التليفزيونات والفضائيات ما يجعله يغير كثيرا من سلوكياته. فهل يعقل أن تكون هناك أزقة فى الريف لا تستطيع أن تسير فيها من كثر طفح المجارى ومع ذلك تجد فيها دكاكين للبلياردو، والبلاى ستيشن؟. أهم شىء الآن عند الريفيين قبل حتى أن يأكلوا ويشربوا أن يقتنوا وصلة الدش. لذلك أصبح من المعروف فى الريف أن هناك شيئين غير مسموح فيهما بالشُكك (أى بدون دفع) هما الدروس الخصوصية ووصلة الدش.