هناك موضوعان لا تستقيم مناقشة أو حوار أو كتابة أو حديث تليفزيوني في مصر دون أن يحضرا إلي الساحة: الفقراء وإسرائيل. ولا أدري شخصيا عما إذا كانت هناك رابطة بين الموضوعين , اللهم إلا إذا اعتبرنا الحروب مع إسرائيل سببا من أسباب الفقر في مصر والدول العربية. ولكن ذلك لم يعد يذكر في مصر كثيرا هذه الأيام ربما لأن هناك حالة سلام ممتدة لثلاثة عقود; أو إذا اعتبرنا أن الانشغال بإسرائيل والقضية الفلسطينية يفقد مصر والأمة العربية تركيزها في التعامل مع القضايا الأخري بما فيها قضية الفقر والفقراء. علي أي الأحوال فإن الموضوعين يظلان جزءا من النقاش العام وكفي, ولا يوجد ما يلح علي اكتشاف الرابطة بينهما, وما يهمنا هنا هو محاولة التعرف علي حالة الفقر في مصر حتي لو كان التفضيل الشخصي هو التعرف علي حالة الغني في البلاد التي أظن أنها تستحق الاستكشاف حقا. وفي الحقيقة لا يوجد في الفكر منظور واحد إزاء ماهية الفقر, بل إن هناك ثلاثة منظورات في التعامل مع مسألة التعريف في الأدبيات العلمية: المنظور الأول يركز علي التعريف الموضوعي, الذي يشير إلي مستوي معين من الدخل والإنفاق, ويعد هذا المستوي نقطة فاصلة بين من يقعون تحت خط الفقر وبين من يخرجون عنه. المنظور الثاني هو التشخيص الذاتي الذي يستند إلي رؤية كل شخص لنفسه ومدي إشباعه لاحتياجاته الأساسية. المنظور الثالث هو التوصيف السوسيولوجي حيث يتم تعريف الفقراء بناء علي الإعانات والمساعدات الاجتماعية التي يحصلون عليها سواء من الدولة أو الأفراد أو المجتمع الأهلي. إن التوافق المستقر في التقارير الدولية بشأن تعريف الفقير في أي بقعة جغرافية في العالم هو الاستناد إلي الدخل الفردي كمؤشر لقياس الفقر. وبالتالي, فإن الفقير هو الشخص الذي يقل دخله عن دولارين في اليوم. وهناك مجموعة من الأساطير التي تروج لها بعض الأقلام في الصحف أو المتحدثين في الفضائيات الدولية, ومنها أن مصر دولة فقيرة أو دولة فقراء, ولكن الحقيقة هي أن مصر دولة فقراء وأغنياء وطبقة وسطي عريضة. ووفقا لأحد التقارير الصادرة عن البنك الدولي التي صدرت خلال العام2007, يوجد في مصر حوالي13.6 مليون مواطن بنسبة19.6% من السكان, يقعون تحت خط الفقر, ويندرج2.6 مليون مواطن منهم في خانة الفقر المدقع, أي الذين يعيشون علي أقل من دولار في اليوم. وهنا, يصبح التساؤل: كيف نضع النسبة المتبقية80% ؟ وعلي جانب آخر, هناك تقديرات محلية أخري تتسق إلي حد كبير مع التقديرات الدولية, وقد أشار إليها اللواء أبو بكر الجندي رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء وهي أن21% من سكان مصر تحت خط الفقر ويعيشون بأقل من205 جنيهات شهريا. وفيما يتعلق بمعالم خريطة الفقر في مصر, أشار تقرير التنمية البشرية الصادر في العام2008 إلي أن61.2% من الفقراء يعيشون في محافظات الصعيد, و66% من السكان الأشد فقرا, ويوجد بتلك المحافظات ما يقرب من95% من القري الأكثر فقرا علي مستوي محافظات الجمهورية. رغم أنه في تلك المحافظات توجد أعظم ثروة سياحية في العالم, ولكنها تعد رأس مال ميتا لم يتم توظيفه بدرجة ملائمة حتي اليوم, في حين أن محافظة مثل دمياط بلغت نسبة البطالة فيها صفرا. ووفقا لرئيس جمعية تطوير صناعة الأثاث بدمياط عبد الرازق حسن فإن' محافظة دمياط رغم أنها من أصغر المحافظات المصرية, وتقع علي المصب الشرقي لنهر النيل في البحر المتوسط, إلا أنها موطن صناعة الأثاث في مصر, وتبلغ صادراتها حوالي700 مليون دولار سنويا. فقد تخصصت دمياط في صناعة الأثاث, ويعمل بها نحو500 ألف مواطن من بين سكان المحافظة البالغ عددهم نحو مليون وربع المليون نسمة, ويشكلون78% من الأيدي العاملة في المحافظة, ويعملون في نحو36 ألف ورشة ومصنع. وتشير الأرقام إلي أن عدد الفقراء في مصر لا يزداد بل يقل بمرور السنوات, فقد بلغ معدل الفقر حوالي24.3% في عام1990, وتحسن مستوي المصريين الفقراء بنسبة9.7% خلال السنوات الأربع الماضية, وحدثت زيادة في متوسط استهلاك الفرد بنسبة4%. كما أن12% من المصريين خرجوا من دائرة الفقر فيما دخل9% بدلا منهم, في حين ظل69% علي حالهم, وهو ما برز تفصيلا في الحلقة النقاشية التي نظمها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام نهاية الشهر الماضي عن ماذا حدث في معيشة المصريين؟. ووفقا لشبكة المعلومات الدولية فقد بلغ متوسط دخل الفرد في مصر2162 دولارا وذلك بالقياس طبقا للقيمة الاسمية. في حين أن التقديرات التي تعتمد علي القوة الشرائية تشير الي ان هذا الدخل يصل إلي5896 دولارا. ويمكن القول: إن تزايد الأغنياء في مصر لا يعني تزايد أعداد الفقراء, بل يمهد تدريجيا للقضاء علي الفقر من خلال تزايد الاستثمار وتوفير فرص عمل للعاطلين, الأمر الذي يقلص معدل البطالة. كما أن الزيادة في الغني تتوازي معها زيادة في التبرعات والأعمال الخيرية, وهو ما يتم التعبير عنه بالدور الاجتماعي لرجال الأعمال أو القطاع الخاص. والواقع أنه حدثت زيادة في نصيب الفقراء المصريين من الدخل القومي بمقارنتها ببعض البلدان المتقدمة. ووفقا للإحصاءات الصادرة عن البنك الدولي في نهاية عام2007, بلغ نصيب أفقر20% من السكان في مصر نحو8.9% من الدخل القومي مقارنة ب8.5% في ألمانيا و7.2% في فرنسا و6.5% في إيطاليا و5.3% في تركيا. وإذا ما اعتمدنا مؤشر جينيGiniIndex لقياس توزيع الدخل في مصر بين الشرائح الاجتماعية في مصر فإن مصر تقع وسط الدول المتوسطة الحال, وأنها تتفوق علي بلاد مرموقة حيث يبلغ المؤشر لمصر1,32 بينما هو في جنوب إفريقيا57.8 والمغرب40.9 وإندونيسيا39.4 والصين41.5 وإيران38.3 وفنزويلا43.4, وهي دول كثيرا ما تتم الإشادة بها في حواراتنا العامة. علاوة علي ذلك, زادت حصة الطبقة الوسطي المصرية من إجمالي الدخل القومي خلال عامي2009/2008, فعلي عكس الآراء الشائعة التي تقول بأن الطبقة الوسطي في مصر تآكلت, فهناك تقديرات أخري تشير إلي أن هذه الطبقة تحصل علي ما يقرب من62% من إجمالي الدخل القومي للبلاد, وتراجع عدد الأسر التي تنفق أقل من ألف جنيه بحوالي1%. واللافت للنظر أنه رغم ما يقال عن استفحال الفقر في مصر إلا أنه حدثت زيادة في متوسط الاستهلاك السنوي للأسرة المصرية وفقا لما يشير إليه أحد التقديرات من11 ألفا ومائة جنيه خلال الفترة(2004-2005) إلي17 ألفا و300 جنيه خلال الفترة(2008-2009). كما ارتفع متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك السنوي للأسرة من2500 جنيه إلي3700 جنيه خلال الفترة نفسها بالتزامن مع انخفاض نسبة الأفراد الذين ينفقون أقل من2000 جنيه من48.5% إلي43.8% خلال الفترة نفسها, بينما ارتفعت نسبة الأفراد الذين ينفقون ما بين2000 و5000 جنيه من44.8% إلي49.2%, فيما ارتفعت الطبقة التي تنفق5000 جنيه وأكثر من6.7% إلي7.1% خلال الفترة نفسها. والمسألة أكثر من ذلك أن هناك برامج وسياسات تتبعها الحكومة المصرية لمعالجة مشكلة الفقر من خلال برنامج الاستهداف الجغرافي لأفقر ألف قرية,( يطلق عليه مشروع القرن) والذي يشمل ما بين6 و8 ملايين فقير من إجمالي14 مليون فقير في مصر, بهدف النهوض بهذه القري ورفع مستواها اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا, إضافة إلي استهداف الأسر الأولي بالرعاية وقدرتهم علي تنفيذ وتشغيل مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر, مع رصد مدي ملاءمة الخدمات المقدمة للحاجات الفعلية. كما أنشأت وزارة التضامن الاجتماعي ستة مراكز للتنمية الاجتماعية بمحافظات الدقهلية والإسكندرية والمنوفية للنهوض بالخدمات, وكذلك مراكز جديدة في دمياط وأسوان والوادي الجديد انطلاقا من أن الفقر لا يعد فقرا في الدخل وإنما فقرا في الخدمات أيضا. وهناك مشروع يجريه مركز معلومات مجلس الوزراء بالتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للسكان تحت عنوان تقسيم أداء المحافظات المصرية نحو تحقيق أهداف الألفية, يهدف إلي تمكين10 محافظات في المستقبل من تحقيق هدف خفض الفقر بحلول عام2015, وتشمل بورسعيد والسويس ودمياط والشرقية والقليوبية وكفر الشيخ والغربية والمنوفية والبحيرة والمنيا, وأن بقية المحافظات ستتمكن من تحقيق الهدف بعد هذا التاريخ بعام أو بعامين, مع ملاحظة أن هناك محافظات أخري لن تتمكن من تحقيق ذلك وهي بني سويف وأسيوط وسوهاج, وهو ما يفرض الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك المحافظات. كل ذلك ينبغي أن يكون واقعا تحت أنظار كل المتحدثين والمتحاورين في مصر, فلا يوجد شك في كل ما سبق وأن الفقر موجود في مصر, وأن مصر دولة فقيرة في عمومها, والسؤال المهم هنا: هل توجد سياسات للتعامل مع هذه الحالة البائسة أم لا؟ والسؤال الذي لا يقل أهمية هو: هل توجد سياسات بديلة لما هو واقع الآن. إن القضية ليست موضع احتكار من أحد, وينبغي لها أن تكون موضع الاهتمام من كل القوي السياسية علي أن يكون الهدف هو حلها أو التعامل معها وليست المتاجرة بها. أن عدد الفقراء في مصر لا يزداد بل يقل بمرور السنوات, فقد بلغ معدل الفقر حوالي24.3% في عام1990, وتحسن مستوي المصريين الفقراء بنسبة9.7% خلال السنوات الأربع الماضيةوحدثت زيادة في متوسط استهلاك الفرد بنسبة4%. كما أن12% من المصريين خرجوا من دائرة الفقر فيما دخل9% بدلا منهم, في حين ظل69% علي حالهم,هناك مشروع يجريه مركز معلومات مجلس الوزراء بالتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للسكان تحت عنوان تقسيم أداء المحافظات المصرية نحو تحقيق أهداف الألفية, يهدف إلي تمكين10 محافظات في المستقبل من تحقيق هدف خفض الفقر بحلول عام2015 وتشمل بورسعيد والسويس ودمياط والشرقية والقليوبية وكفر الشيخ والغربية والمنوفية والبحيرة والمنيا. [email protected]