بانتخابهم عضوا جمهوريا لمقعد فى مجلس الشيوخ الأمريكى، فإن المؤكد أن الناخبين الليبراليين عادة فى ولاية مساشوسيتس عبروا بذلك عن عدم رضاهم عن الكثير من الأشياء: البطالة، إنقاذ البنوك، تشريع الرعاية الصحية الذى كان الكونجرس على وشك إصداره. ولكن إذا كنت تؤمن بما تقوله استطلاعات الرأى فإن هؤلاء كانوا أيضا يعبرون عن عدم رضا، يتردد صداه عبر البلاد كلها، عن الرئيس أوباما نفسه. قليلون هم الذين يكنون مشاعر الكراهية لأوباما بالطريقة التى كره فيها كثيرون بيل كلينتون وجورج بوش. ولكن وسط أمريكا لا يشعر بالحب تجاهه.. وهو ما قد يكون لأسباب تتعلق بطريقته أكثر من سياساته. الطريقة التى يتصل بها أوباما بالشعب هى نقيض الطريقة التى كان يتصل بها أسلافه مثل كلينتون أو ريجان بهم. هؤلاء الرؤساء كانوا جميعا قادرين على التواصل مع الشعب الأمريكى. فهم كانوا قادرين على الاتصال بالناس على أساس الأحاسيس المشتركة والخبرات والمصالح..وبالنسبة إلى هؤلاء كان الاتصال بالناس جزءا لا يتجزأ من مهارتهم السياسية.. ولهذا فإن الناس كانوا يميلون إما إلى حبهم أو كرههم من دون منطقة حيادية وسطى بين الفئتين. ولكن هدوء أوباما وانفصاله يضعانه فى فئة مختلفة تتضمن لنكولن (فى الجانب الإيجابى من المعادلة)، وجيمى كارتر (فى الجانب السلبى منها). فعلاقته بالعالم هى فى الأساس علاقة تحليلية بدلا من كونها فطرية أو عاطفية. فكما يعترف فى مقابلته مع جورج ستيفانوبوليس الأخيرة، فإن ميله إلى التركيز على الجوهر يمكن أن يجعله يبدو بعيدا ومنفصلا وتكنوقراطيا. وهكذا وبينما ينظر الكثير من الناس إليه بإعجاب شديد، فإن قليلين منهم يخرجون من لقاء معه شاعرين أنهم أقرب إليه. فهو ليس دافئا أو مخلصا أو متعاطيا بعمق مع الآخرين. أكثر المتحمسين حرارة له ينزعون إلى التعبير عن الإعجاب بأفكاره التى يمثلها أمريكا المتجاوزة لتاريخها العنصرى، المجتمع الأكثر عدلا وصنع القرار العقلانى أكثر منه بالرجل نفسه. إن هناك إحساسا بوجود انفصال عن الناس الآخرين والمنظمات والقضايا يمر عبر السيرة الذاتية لأوباما كلها.. وهذا الشعور بالانفصال يميز علاقة أوباما بكل مؤسسة كان جزءا منها، من مدرسة باناهو فى هونولولو إلى مجلس الشيوخ. لم يتخل قط عن فرديته ليندمج فى المجموعة.. المكان الوحيد الذى وصف فيه شعورا بالانتماء إلى المجتمع الأهلى هو كنيسة ترينيتى فى شيكاغو. ولكن حتى فى تلك الكنيسة، كما يصف أوباما نفسه فى كتابه (أحلام من والدى) فإن إحساسه بالانتماء كان موسوما بقدر من اختلاط المشاعر. ويقول: «جزء منى واصل الشعور بأن هذا التواصل الدينى كل يوم أحد أدى بصورة ما إلى تبسيط حالتنا، بحيث إنه فى بعض الأحيان كان قادرا على إخفاء أو كبت الصراعات التى بيننا». إن تفسير أوباما لذاته هو تفسير مقنع جدا بحيث إنه استبق بالإجمال كل التفسيرات الأخرى. فبروايته لقصته بالنسبة إلى والده المفقود، يشرح الابن كيف أنه بعد أن عثر على هويته انتقل من حال الغضب والتشكيك الذى كان يجيش به إلى حال من الالتزام الاجتماعى العميق. ولكن انعدام الارتباطات العميقة فى حياته هو قضية أخرى. وإذا ما جاز لى أن أخمن، فإن ذلك قد يكون مرتبطا أكثر بعلاقته بأمه. فحين كان أوباما قد بلغ سن ال10 سنوات، أرسلته أمه من إندونيسيا للعيش مع أبويها فى هاواى. وقد عادت إلى هناك بعد أن انتهى زواجها الثانى، ولكن حين اختارت العودة ثانية إلى إندونيسيا بعد ذلك بسنوات عدة اختار ابنها الذى كان فى سن المراهقة حينئذ البقاء فى هاواى.. هذه العلاقة المحبة إنما البعيدة ماديا يبدو أنها جعلت أوباما معتمدا على ذاته بدرجة غير اعتيادية. بالنسبة إلى سياسى، فإن الاكتفاء الذاتى العاطفى هو رصيد وعبء فى آن واحد. ففى الجانب الإيجابى، فإن ذلك يدعم عقلانية أوباما واتزانه أثناء الأزمات، وطريقة اتخاذه للقرار بمعزل عن العاطفية. وفى الجانب السلبى، فإن ذلك يمكن أن يجعله يبدو وكأنه بارد ومنعزل وصلف متعجرف. إنه لأمر صحى أن أوباما لا يريد زمجرة الجمهور للتأكد من صحة ما يقوله أو يفعله. ولكنها مشكلة يبدو أن الجمهور يريد منه أكثر مما هو قادر على منحه. Newsweek International