بالأسماء .. اعتماد تفاصيل حركة تغييرات موسعة لمديري ووكلاء المديريات التعليمية    الآلاف يحتفلون بالليلة الختامية لمولد العارف بالله إبراهيم الدسوقي بكفر الشيخ (صور)    رئيس جامعة الأزهر: نحرص على تذليل الصعاب لاستكمال بناء فرع دمياط الجديدة    سفير القاهرة فى لاهاى يستقبل ممثلى الاتحادات والجمعيات المصرية    القومى للمرأة يشارك في جلسة "الشمول المالي: الأثر والتحديات والحلول"    الفرصة الأخيرة.. أول رد للنواب على قرار مد فترة التصالح في مخالفات البناء    وفق الحسابات الفلكية.. موعد بداية فصل الشتاء 2024    قبل إغلاق العمل بالجهاز المصرفي.. بنك مصر يرفع عوائد الادخار بالدولار.. تفاصيل    مصدر مسئول: وفد أمني مصري رفيع المستوى يلتقي وفدا من قيادات حركة حماس بالقاهرة    مصطفى بكري يوجه رسالة قوية لصندوق النقد الدولي    التشكيل الرسمي لمواجهة فناربخشة ضد مانشستر يونايتد فى الدوري الأوروبي    بوتين لم ينكر التقارير المتعلقة بوجود قوات كوريا الشمالية في روسيا.. تفاصيل    19 شهيداً حصيلة القصف الإسرائيلي على لبنان خلال 24 ساعة    تعادل مستمر بين الأهلي والزمالك في 90 دقيقة    رئيس جامعة الأزهر يشيد بالإنشاءات الجديدة بكليات الطب بدمياط ويؤكد: إضافة للمنظومة الصحية    أحوال الطقس في مصر.. طقس مائل للحرارة نهارا " درجات الحرارة "    إصابة شخص سقط من قطار بمحطة القطوري بالعياط    السجن 6 سنوات لمتهم لاتجاره في مخدر الترامادول    يروى تاريخ السينما المصرية.. عرض فيلم «أصل الحكاية» في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي    نسرين طافش بإطلالة جذابة في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي    وزير الثقاقة يكرم الفائزين بمسابقات الموسيقى والغناء بالأوبرا    محظوظ ماليًا.. توقعات برج الثور يوم الجمعة 25 أكتوبر 2024    أمين الفتوى: "حط إيدك على المصحف واحلف" تعتبر يمين منعقدة    خالد الجندي: أنا أؤمن بحياة النبي في قبره    فضل قراءة سورة الكهف قبل الفجر بدقائق.. أسرارها والحكمة منها    قومي المرأة يشارك في جلسة "الشمول المالي.. الأثر والتحديات والحلول"    رويترز : نتنياهو يرحب باستعداد مصر للتوصل إلى صفقة للإفراج عن المحتجزين فى غزة    الثقافة تدشن أول مركز للموهوبين بإقليم شرق الدلتا    ترامب: اعتزم إقالة المستشار الخاص جاك سميث فورا حال انتخابي رئيسا لأمريكا    محمود عنبر: الفترة المقبلة ستشهد تطورا في التبادل التجاري بين دول «بريكس»    وقولوا للناس حسناً.. خالد الجندي يوضح أهمية الكلمة الطيبة في الحياة اليومية    حصار إسرائيلي خانق لمستشفى كمال عدوان في غزة وسط نداءات استغاثة طبية    بروتوكول تعاون بين جامعة حلوان و"الصحفيين" لتقديم الخدمات الصحية لأعضاء النقابة    شريف فتحي يؤكد عمق العلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا في مجال السياحة    «مُحق في غضبه».. تعليق مثير من عماد متعب بشأن أزمة كهربا مع كولر    تشكيل روما الرسمي لمواجهة دينامو كييف في الدوري الأوروبي    الجريدة الرسمية تنشر قرار إنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية    حب فى ظروف غير ملائمة    مدبولي يستقبل الشوربجي: نحرص على تذليل التحديات أمام المؤسسات الصحفية    وزير الأوقاف: مصر تهتم بالمرأة في شتى مناحي الحياة    "حياة كريمة" تحذر من إعلانات ترويجية لمسابقات وجوائز نقدية خاصة بها    انقلاب سيارة نقل "تريلا" بطريق الإسماعيلية القاهرة الصحراوي    نهائي السوبر المصري.. محمد عبدالمنعم يوجه رسالة للاعبي الأهلي قبل مواجهة الزمالك    عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل برغم القانون ل إيمان العاصى الليلة على on    بث مباشر.. انطلاق الحفل الختامي للمؤتمر العالمي للسكان    رئيس هيئة الدواء: مصر تطوي صفحة النواقص ومخزون وطني لتأمين أدوية الضغط    3670 حافظا للقرآن ومبتهلا يتقدمون للمنافسة المحلية المؤهلة لمسابقة بورسعيد الدولية    مديرية أمن الأقصر تنظم حملة للتبرع بالدم    "إيتيدا" و"القومى للاتصالات" يختتمان برنامج التدريب الصيفى 2024 لتأهيل الطلاب    الابن العاق بالشرقية.. حرق مخزن والده لطرده من المنزل    جامعة بني سويف تحتل المرتبة 11 محليًّا و1081 عالميًّا بتصنيف ليدن المفتوح    المشدد 5 سنوات لعاطلين شرعا في قتل سائق "توك توك" وسرقته بالمطرية    ضبط عامل بالفيوم لقيامه بإدارة ورشة لتصنيع الألعاب النارية والإتجار فيها    سيميوني: ركلة جزاء غير صحيحة منحت ليل الفوز على أتلتيكو    جيرارد: صلاح مهووس باللعبة.. أتحدث عنه باستمرار.. وأتمنى بقاءه    الطقس اليوم.. استمرار الرياح على البلاد وأمطار تضرب هذه المناطق بعد ساعات    برامج تعليمية وتدريبية.. تعرف على أنشطة مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى"    أول إجراء من الزمالك ضد مؤسسات إعلامية بسبب أزمة الإمارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة أوكرانيا والنظام الدولى

كانت نهاية الحرب العالمية الثانية كالاستيقاظ من كابوس مخيف، خمسون مليون قتيل وكم هائل من الدمار. كانت الحرب امتدادا للحرب العالمية الأولى التى قتل فيها عشرون مليونا، وما تلاها من حروب بدءا من الحرب الأهلية الروسية التى أعقبت الثورة البلشفية، والحرب الصينية اليابانية، والحرب اليونانية التركية، والحرب الأهلية الإسبانية.
لكن الحرب لم تكن شيئا جديدا على الدول الكبرى فلقد شهدت أوروبا حروبا عديدة لعل أكثرها دموية وتدميرا كانت حرب الثلاثين سنة التى امتدت من 1618 إلى 1648، وكان مسرحها قارة أوروبا من السويد شمالا إلى فرنسا جنوبا ومن إسبانيا شرقا إلى ألمانيا غربا. ويقدر عدد ضحاياها بثمانية ملايين منهم نصف سكان ألمانيا وهذا يجعل ضحاياها نسبيا أكثر من ضحايا الحرب العالمية الثانية حيث لم يكن سكان العالم وقتها قد بلغ بليون نسمة. ثم كانت حرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا التى بدأت عام 1756 وامتد مسرحها من أمريكا الشمالية إلى أوروبا حتى الهند شرقا، ثم الحروب النابليونية التى اجتاحت أوروبا من روسيا إلى البرتغال لمدة عشرين سنة. وفى الولايات المتحدة كانت حرب الاستقلال ثم الحرب الأمريكية البريطانية عام 1812 التى احتل البريطانيون خلالها واشنطن وأحرقوا البيت الأبيض ثم الحرب الأهلية التى أتت على الأخضر واليابس وعودة أخيرة إلى أوروبا بحرب القرم.
يوضح هذا السرد أن الحرب لم تكن أمرا جديدا على أوروبا وأمريكا لكنها جزء ملازم لتاريخهما إلا أن الحرب العالمية الأولى شكلت صدمة مرعبة لأنها كانت نتاج الصراع فى العصر الصناعى الحديث وبعد أن كانت الحروب طوال التاريخ سلاحها الخيل والسيوف انضم إليها فى القرن الرابع عشر المدفع والأسلحة النارية. كما شهدت الحرب العالمية الأولى تصادم التكنولوجيا الحديثة والسلاح الحديث كالغواصة والطائرة والدبابة والمدفع الرشاش الذى حصد الأرواح حصدا وأخيرا الغاز السام. ثم كانت الحرب العالمية الثانية وتطورت الطائرة فكان القصف الجوى يحصد الآلاف فى غارة واحدة مثل الغارة على هامبورج وعلى درسون التى سقط فى كل منها ستون ألفا، والغارة على طوكيو بالقنابل الحارقة وقتل خلالها مائة وعشرون ألفا، وأخيرا ظهر المارد المخيف السلاح النووى عندما ألقت الولايات المتحدة قنبلة على هيروشيما وأخرى على ناجازاكى فأدركت الدول الكبرى أن الحرب بينها خيار انتحارى مجنون يؤدى إلى دمار الجميع المنتصر والمهزوم معا. وظهر مصطلح MAD Mutually Assured Destruction أو الدمار المشترك المؤكد.
•••
ولدت خلال هذه الأجواء منظمة الأمم المتحدة وميثاقها الذى صار دستورا للقانون الدولى وأعطى تنظيم الأمم المتحدة وميثاقها ميزة حق النقض veto والعضوية الدائمة فى مجلس الأمن وهو الجهاز التنفيذى للمنظمة والتى تعتبر قراراته قوانين ملزمة واجبة النفاذ للدول الخمسة: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وبريطانيا وفرنسا والصين. اليوم بعد أكثر من خمسة وسبعين عاما من إنشاء المنظمة لازلنا نتساءل لماذا هذه الدول؟ هل لأنها الدول المنتصرة فى الحرب؟
لقد حققت الولايات المتحدة نصرا لا ينكره أحد فى أوروبا وفى آسيا والمحيط الهادى وخرجت وهى القائد الذى لا ينازعه أحد للتحالف الغربى وخرجت ومعها سلاح الردع الذى لم يملكه من قبل غيرها. الاتحاد السوفيتى أيضا خرج منتصرا بعد أن اجتاحت جيوشه نصف قارة أوروبا وبات مهيمنا على شرق ووسط القارة وصار الغرب يخشى من أيديولوجيته الاشتراكية أكثر من خشيته من سلاحه وجيوشه. أما فرنسا فقد هزمت فى السنة الأولى من الحرب وتم احتلالها، وبريطانيا التى قبلت استسلام ألمانيا غير المشروط إلا أنه لا يمكن اعتبارها منتصرة فقد خرجت من الحرب منهكة مستنزفة وفقدت امبراطوريتها التى كانت الشمس لا تغيب عنها. أما الصين فالموقف منها كان له العجب، فأعطت المنظمة المقعد الدائم لجمهورية الصين الوطنية التى هربت إلى جزيرة تايوان وتعدادها أقل من تسعة ملايين نسمة وحرمت المقعد على جمهورية الصين الشعبية التى كان تعدادها وقتها ستمائة مليون نسمة!
لعلنا نتساءل هل اختيرت الدول الخمسة لدورها التاريخى فى إرساء دعائم السلام والعدل؟ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من أكثر الدول التى أشعلت الحروب فى التاريخ ويبلغ ضحايا حروبها الملايين واحتلوا أراضى الغير ونهبوا ثرواتهم. قد يدافع البعض بأن عصر الاستعمار كان سابقا على ميثاق الأمم المتحدة لكن التاريخ يقول إين هذه الدول أرادت إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بعد الحرب العالمية الثانية وبعد ميثاق الأمم المتحدة وقانونها، فشنت فرنسا حروبا دامية لتكرس وضعها فى مستعمراتها فى فيتنام وفى الجزائر، وشنت بريطانيا حروبا لاستعادة وضعها الامبريالى فى الملايو وضد حركة ماو ماو التحررية فى كينيا، وفى مصر لمنعها من استعادة حقها فى قناة السويس. كما قام الاتحاد السوفيتى بغزو المجر سنة 1956 وبغزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968.
لقد تحكمت الدول الخمس فى مقدرات العالم ليس من أجل إحقاق مبادئ الأمم المتحدة وإحياء ميثاقها ولكن من أجل الحفاظ على مصالحها وما منع الانفجار الكبير هو توازنات القوة النووية التى منعت الصدام المباشر وكان البديل هو ما عرف بالحرب الباردة. هذا المصطلح يفيض بالمعانى العنصرية فهى حرب باردة بالنسبة للدول النووية الكبرى لم تطل أراضيها وتدمرها. صحيح أن جنودهم انتقلوا إلى كوريا وفيتنام وأفغانستان والعراق لكن الحرب ظلت بعيدة عن أرضهم وديارهم أما بالنسبة لدول العالم الثالث فكانت حربا ساخنة لافحة قتلت شعوبهم ودمرت بلادهم ولعله لم يتم صراع مسلح فى أى بقعة من بقاع العالم إلا وكانت الدول الكبرى وراءه تنفخ فى نيرانه وتزيد من سعيره.
•••
عاش العالم خمسا وسبعين سنة والدول الكبرى تشعل الحرائق والحروب ثم تتمترس خلف النقض الذى كفله لها ميثاق الأمم المتحدة بعيدا عن الشجب والإدانة والعقاب. وفى بداية عقد التسعينيات من القرن الماضى، كانت هناك محاولة للإصلاح لكنها حادت عن الدعوة إلى تصحيح العوار فى الميثاق لصالح تكريس العوار وتوسيعه بتوسيع العضوية الدائمة فى مجلس الأمن بإضافة دول حققت مكانة ووزنا على الساحة الدولية. دغدغت هذه الدعوة رغبات دول العالم الثالث فأضعفت الجبهة الموحدة ضد طغيان الكبار وأدت إلى انقسامات حول من يستحق التمثيل الدائم فثار الصدام بين مصر وجنوب أفريقيا ونيجيريا فى أفريقيا، وبين الهند وباكستان وإندونيسيا فى آسيا، وبين البرازيل والأرجنتين وشيلى فى أمريكا الجنوبية. ولم تتقدم المباراة قيد أنملة ووقفت الدول الخمسة تشهد عبث دول العالم الثالث وهى تتصارع على مقاعد افتراضية تزيد معه خلل المنظومة الدولية بدلا من البحث عن علاج للشلل الذى يسببه حق النقض ولو مرحليا بربط قرارات مجلس الأمن بتوصيات الجمعية العامة التى تبطل حق النقض إذا عارضه ثلثا أعضاء الجمعية العامة.
اليوم نرى دولة كبرى تغزو جارة لها وهو عمل لابد من إدانته لكن يجب أيضا إدانة العمل الاستفزازى الذى قاد إليه. وبدلا من أن يسهم سقوط الاتحاد السوفيتى فى حلحلة مناخ الحرب الباردة بتجميد حلف الناتو بدأ الحلف يتوسع بضم جيران روسيا ونقل الصواريخ إلى حدودها حتى دفعوا بالأمور إلى حافة الهاوية وخلقوا مواجهة عسكرية تهدد السلم والأمن العالمى.
أهذا تصرف مقبول من أكبر عضوين فى مجلس الأمن منوط بهما إقرار القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة؟ إضافة إلى ذلك تسريبات عن تصرفات تزعزع الثقة فى الأعضاء الدائمين مثل ما سربته روسيا من مراكز للحرب البيولوجية تديرها أمريكا فى أوكرانيا، والاتهامات المتبادلة بين أمريكا وأوروبا والصين عن تخليق فيروس كوفيد19، وما سبق تداوله عن مسئولية فرنسا عن تسريب فيروس الإيدز من معاملها فى أفريقيا، فضلا عن موقف الولايات المتحدة من قضية التغير المناخى وأخيرا التصريحات العنصرية للإعلام والسياسيين الغربيين عن اللاجئين الأوكرانيين مقارنة بلاجئى العالم الثالث.
هل هذه هى القيادة المقبولة للنظام العالمى؟ هل هؤلاء هم الكبار الذين يرسون القانون الدولى ويحافظون على ميثاق الأمم المتحدة. لقد أثبتت الأيام والتاريخ أن الكبار هم أكثر من أخل بالقانون وشوهه وتمترسوا وراء حق النقض ليعصمهم من العقاب.
لقد آن الأوان ليتمرد العالم ضد نظام وضع منذ ثلاثة أرباع القرن تغير العالم خلاله كثيرا بشكل يتطلب مراجعة شاملة لنظام الأمم المتحدة وميثاقها وإعادة توزيع الأدوار على الساحة الدولية ويكبح جماح الكبار ويجعلهم قيد المساءلة.
لعلنا نعى درس التاريخ ولا نترك الأمم المتحدة تشيخ ويتكرر فشلها كسابقتها عصبة الأمم حتى نستيقظ يوما على حرب عالمية جديدة ينهار معها النظام الدولى والحضارة البشرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.