حدوتة الساقية، أثارت الرغبة فى التعرف على تركيبة ومكونات محمد الصاوى الذى كان وراء هذا الكيان، كيف جعل من الحلم حقيقة، وكيف حوّل وكرا يختبئ فيه الخارجون على القانون إلى مركز ثقافى. ما الأسس والمعايير التى يسير عليها، ما الذى يريد الوصول إليه. سألته عن الأسباب التى تجعل مهندسا معماريا يهتم بعمل ثقافى عام غير هادف للربح، فقال: كان أبى أديبا، مفكرا، ووزيرا للثقافة، فنشأت فى هذه الأجواء، حيث كان يأخذنى أنا وأخى معه إلى الأوبرا القديمة لحضور عروضها، وتربيت فى رحاب مكتبته، وعلاقته بالثقافة والمثقفين، كان يحلم دائما بمركز ثقافى مثل هذا. فى البداية كان المكان مخيفا، عبارة عن فجوة كبيرة بها أطنان من القمامة، وبقايا مراتب للنوم، وسرنجات متناثرة هنا وهناك، فذهبت إلى الدكتور عبدالرحيم شحاتة وكان محافظ القاهرة، لكى أحصل على حق الانتفاع بهذا المكان مقابل إيجار شهرى، وعندما عرضت عليه فكرة المشروع الذى أريد إقامته، رحب بشدة، وقال لى كلمة واحدة «اشتغل»، وبدون أى إجراءات روتينية، أو أوراق أو توقيعات، خرجت من مكتبه، وفى اليوم الثانى مباشرة أحضرت المعدات والعمال، وبدأنا فى إزاحة هذا الكم من القمامة، وأقمنا هذا المسرح الذى تراه أمامك وأشار إلى مسرح قاعة الحكمة المجهز بشكل تقنى كبير، يكمل: ولكن فى البداية لم يكن بهذا الشكل، كان مجرد مسرح صغير من البلاط، وبدأت فى الإعلان عنه لدى الفرق لكى تأتى وتقيم عروضها عليه، ثم تدريجيا بدأنا فى تأهيله بشكل أحدث، وتوسع المركز وأصبح يضم أكثر من قاعة وأكثر من مسرح. هل توجد علاقة أو تعاون ما بين الساقية وبين المؤسسات الرسمية، وإن وجدت فما شكلها؟ هناك علاقة بيننا وبين أكثر من مؤسسة رسمية، وتتمثل فى أكثر من اتجاه، فمثلا علاقتنا بمحافظة القاهرة هى التعاقد بيننا على حق الانتفاع بالأرض الذى نقيم عليها، وإن تم إلغاء هذا التعاقد من قبل المحافظة فستكون مشكلة كبيرة. ألا توجد أى ضمانات فى هذه المسألة؟ ضماننا الوحيد هو اجتماع محبينا من المواطنين المهتمين بالساقية حولنا، كما أن الحكومة ترى أننا جهة تنويرية لا نسعى لشىء يضيرها، فبالتالى أستبعد أن يتخذوا موقفا كهذا دون مبرر قوى. هناك تعاون مع وزارة الثقافة، من خلال قطاع الفنون التشكيلية، ودار الأوبرا، فأحيانا تأتى فرق من الأوبرا للعرض فى الساقية، أو تقام معارض بالتنسيق مع قطاع الفنون التشكيلية، كما أن هناك العديد من المحافظات تبادر بدعوتنا لإقامة الأنشطة الثقافية بها، ومؤخرا بدأنا التعاون مع وزارة التعليم العالى، حيث صرح لنا الوزير الدكتور هانى هلال بإقامة فروع للساقية داخل الجامعات. نعرف أن الكثيرين يعتبرون أن ساقية الصاوى أصبحت وزارة ثقافة مستقلة، فى رأيك ما الذى تستطيع الساقية تقديمه، ولا تستطيعه الوزارة؟ ما تستطيعه الساقية ولا تستطيعه الوزارة يتمثل فقط فى السهولة والمرونة اللتين تميزا القطاع الخاص، فى مقابل قيود البيروقراطية والروتين المتوفرين بوفرة فى المؤسسات الحكومية، والتى لا تزال أمامها الكثير من الوقت لتتخطى هذه العقبات. تقصد أنك لا تستطيع إنجاز ما حققته مع الساقية فى حالة توليك وزارة الثقافة مثلا؟ حقيقة لا أعرف، ولكن دائما أقول أننى لا أحتاج للرجوع إلى نقطة الصفر بعد أن حققت حلمى، فلماذا أبدأ من جديد فى عمل أنا بالفعل حققت فيه ما أريد. حيث إنكم لا تهدفون إلى الربح، كيف تغلبت على مشكلة التمويل؟ هناك أكثر من مصدر لتمويل المشروع، مثل الرعاة الرسميين، الذين يدعموننا فى مقابل وضع اسمهم على نشاطاتنا، كما أن هناك بعض النشاطات التى يزورها الجمهور مقابل تذاكر رمزية، نستفيد بنصف قيمتها فى التمويل والنصف الآخر يعطى للفرق التى تتقاضى أجورا، ومن الأشياء التى تساعدنا فى التمويل، قيمة اشتراكات الأعضاء، والتى تبلغ 30 جنيها للاشتراك السنوى ، وتخفض إلى 20 جنيها فى حالة الاشتراك عن طريق الانترنت، ونأمل فى زيادة عدد المشتركين. وهل تكفى هذه المصادر لتغطية جميع احتياجات إنجاح المشروع؟ بالطبع لا تكفى، ولكنها تساهم بشكل كبير، والباقى تساهم به شركة الإعلانات التى أمتلكها مع أخى، ونأمل أن يزداد عدد المشتركين بحيث تغطى احتياجات المكان المختلفة. بعد نجاح الفكرة إلى هذا الحد، ما الذى تطمح فى أن يصل مشروعك إليه؟ أحلم بأن تصل فروع الساقية فى عام 2018 إلى مائة فرع، حيث إن هذا العام يوافق مرور مائة عام على مولد والدى عبدالمنعم الصاوى، كما أنى أسعى لأن يستمر المشروع، ويبقى قائما على نفس الأسس فى حالة غيابى عن الحياة.