هل في استطاعة باراك اوباما تجاوز النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الفرعية في ولاية ماساتشوستس؟ في كل الأحوال، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أو حال من الأحوال الأستخفاف بالنتائج السياسية التي يمكن أن تترتب في المدي القريب علي الهزيمة المدوية التي لحقت بالرئيس الأمريكي وإدارته بعد الانتخابات التي شهدتها الولاية قبل أيام قليلة. للمرة الأولي منذ ما يزيد علي نصف قرن، يشغل عضو في الحزب الجمهوري مقعد آل كينيدي في مجلس الشيوخ. انه المقعد الذي شغله جون ف. كينيدي في العام 1953 وخلفه فيه شقيقه أدوارد إبتداء من العام 1962 بعد دخول جون البيت الأبيض. توفي أدوارد صيف العام الماضي فتوجب انتخاب بديل منه. كان متوقعا أن يخلفه ديموقراطي آخر في مجلس الشيوخ، إلي أن تبين أن هناك إنزعاجا حقيقيا وتململا علي الصعيد الشعبي من إدارة أوباما. كشف الانزعاج والتململ ومدي عمقهما تفوق المرشح سكوت براون علي الديموقراطية مارثا كوكلي بفارق كبير بعدد الأصوات. لم يكن هذا الفارق متوقعا إطلاقا. كان فوز المرشح الجمهوري علي المرشحة الديموقراطية مفاجأة ضخمة يمكن وصفها بضربة مؤلمة لأوباما. جاءت الضربة عشية احتفاله بالذكري السنوية الأولي لدوسه عتبة البيت الأبيض. بلغة الأرقام، صار لدي الجمهوريين واحد واربعون مقعدا في مجلس الشيوخ في مقابل تسعة وخمسين مقعدا للديموقراطيين. الفارق لا يزال كبيرا. لكن خسارة الديموقراطيين لهذا المقعد تبدو كافية لتمكين الجمهوريين من العرقلة وتأخير تمرير اي قوانين جديدة أو إصلاحات تريدها إدارة أوباما التي فقدت سيطرتها علي الأكثرية المطلقة في مجلس الشيوخ، وهي سيطرة تحتاج إلي ستين مقعدا وما فوق ذلك. كان أوباما يتوقع الانتهاء من تمرير الإصلاحات، علي رأسها برنامج جديد للرعاية الصحية يقره الكونجرس بمجلسيه، في الصيف الماضي وذلك كي ينصرف بحرية أكبر إلي معالجة ملفات أخري داخلية وخارجية. تأخر كل شيء بسبب المعارضة التي واجهها علي كل صعيد من الجمهوريين وحتي من بعض الديموقراطيين المحافظين. تبين بعد مرور سنة علي دخوله البيت الأبيض أن الأمريكيين ضاقوا ذرعا بعدم قدرته علي الحسم، خصوصا مع استمرار الأزمة الأقتصادية التي تركها له جورج بوش الابن وفي ضوء تورط الجيش الأمريكي في افغانستان وفتح جبهة جديدة ضد الإرهاب في اليمن واستمرار التحدي الإيراني للسياسة الأمريكية في غير مكان من العالم ... جرت العادة في الولاياتالمتحدة أن يحكم الناس علي الرئيس، أي رئيس، بعد سنة ونصف سنة من دخوله البيت الأبيض. هل هو قادر علي عمل شيء أم أن وعوده التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية ستظل وعودا؟ الآن علي أوباما أن يفعل شيئا في حال كان يريد إنقاذ ولايته الأولي وكي لا تكون هذه الولاية الأولي والأخيرة. امامه ستة أو سبعة أشهر كي يثبت للأمريكيين أنه أكثر من خطيب لامع يقول كلاما جميلا ويحسن تسويق نفسه. أنها مدة كافية لتمكين الديموقراطيين من تفادي هزيمة أو سلسلة من الهزائم الأخري في الانتخابات التي ستجري في نوفمبر المقبل والتي تشمل ثلث أعضاء مجلس الشيوخ وكل أعضاء مجلس النواب. أن أي فشل للحزب الديموقراطي في تلك الانتخابات سيعني أن أوباما صار "بطة عرجاء"، حسب التعبير الأمريكي، ولن يعود قادرا علي التحرك في أي اتجاه كان. من هذا المنطلق، كانت انتخابات ماساتشوستس بمثابة جرس إنذار. لعل أخطر ما في الأمر أن شخصا مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بات يعتقد أن الإدارة الأمريكية باتت عاجزة عن ممارسة أي نوع من الضغوط عليه أو مواجهته وأنه سيكون في استطاعته ممارسة هوايته المفضلة. تتمثل هذه الهواية بفرض الشروط المسبقة والتقدم بالمطالب التي تحول دون أي مفاوضات جدية مع الجانب الفلسطيني. في النهاية، كل ما يسعي إليه بيبي نتانياهو هو التفاوض من أجل التفاوض. الآن بعد شعوره بأن أوباما ضعيف وقبل ساعات من استقباله مبعوث الرئيس الأمريكي السناتور السابق جورج ميتشل، بدأ يطرح ضرورة أن يكون هناك وجود عسكري أسرائيلي علي طول الحدود الفلسطينية - الأردنية في حال قيام دولة فلسطينية مستقلة. أن مثل هذا الطرح يعني بكل بساطة أن إسرائيل تضع مزيدا من العراقيل أمام معاودة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني وهي تصر علي إذلال رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (أبومازن) بسبب إصراره علي ضرورة وقف النشاط الاستيطاني قبل الدخول في مفاوضات جديدة... أي رفض تكريس الاحتلال! الذين يعرفون أوباما عن كثب يقولون أنه ليس رجلا سهلا وأنه سيقاوم وان ليس في الأمكان اعتباره، منذ الآن، رجلا منتهيا. صحيح أن انتخابات ماساتشوستس كان ضربة مؤلمة له ولإدارته، ألاّ أن الصحيح أيضا أن ما حصل يمكن أن يدفعه إلي إثبات أنه رئيس قادر علي اتخاذ قرارات كبيرة إضافة إلي أنه رجل حازم في الداخل والخارج. ما الذي سيفعله باراك أوباما لإنقاذ رئاسته؟ هل يستعجل إقرار الإصلاحات في المجال الصحي في الفترة القصيرة التي لا يزال يتمتع فيها بالأكثرية المطلقة في مجلس الشيوخ، نظرا إلي أن سكوت براون لن يشغل مقعده في مجلس الشيوخ قبل نهاية الشهر الجاري؟ ثمة من يعتقد أنه سيمتنع عن ذلك. لكنه سيثبت في المقابل، بطريقة ما، أنه من الرؤساء الذين لا يترددون في إتخاذ قرارات كبيرة علي الصعيد الخارجي في مجال الحرب علي الأرهاب او الحد من طموحات إيران أو أثبات أنه قادر علي عمل شيء من اجل السلام في الشرق الأوسط. في غياب مبادرة ما من اوباما، يمكن القول منذ الآن الف سلام وسلام علي ولايته الرئاسية الأولي.