أول أيام العام الدراسي.. محافظ الغربية يتفقد مدارس طنطا ويوجه الشكر لمديرية التعليم    النيابة العامة تخلي سبيل صلاح التيجاني بكفالة مالية    محافظ المنوفية يعلن طرح 12 مدرسة جديدة للتعليم الأساسي والإعدادي والثانوي    مفتي الجمهورية: الحوار بديل فعال للصراع والنزاع العالمي    مجلس الوزراء: خطوات هامة وبدايات مبشرة لصناديق الاستثمار المصرية في الذهب    «النقل الدولي»: تأسيس مركز عالمي لصيانة السفن يدعم توطين الصناعة محليا    مؤشر الذهب العالمى يسجل مستوى تاريخيا، الأونصة وصلت لهذا السعر    لحوم مجمدة بسعر 195 جنيها للكيلو في منافذ المجمعات الاستهلاكية    وصول آلاف السياح إلى الغردقة ومرسى علم في آخر أيام الصيف    «القاهرة الإخبارية»: 60 مصابا من المدنيين بسبب الغارة الإسرائيلية على بيروت    وزير الداخلية اللبناني: انعقاد دائم لمجلس الأمن الداخلي لمواجهة اختراقات الاحتلال الإسرائيلي    الناخبون في التشيك يواصلون التصويت لليوم الثاني في انتخابات مجلس الشيوخ والمجالس الإقليمية    بمناسبة يوم السلام العالمي، مصر تكشف دورها الريادي في تحقيق الاستقرار إقليميًا وعالميًا    التشكيل المتوقع للمصري في مواجهة الهلال الليبي بالكونفدرالية    السيسي يوجه بتحجيم المشاركة في الألعاب التي لا تتمتع مصر فيها بميزة تنافسية    توجيهات رئاسية لمحاسبة الاتحادات المشاركة في أولمبياد باريس    حاول شنقها بدافع السرقة، كشف غموض التعدي على مسنة داخل منزلها بالغربية    انتظام الدراسة في المعاهد الأزهرية.. جولة لرئيس القطاع في الأقصر.. وتعليمات بسرعة تسليم الكتب والمشاركة في مبادرة بداية (صور)    بمختلف المحافظات.. رفع 46 سيارة ودراجة نارية متهالكة    إخلاء سبيل صلاح التيجاني بكفالة 50 ألف جنيه    مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي يعلن قوائم لجنة المشاهدة بالدورة التاسعة    عمرو الفقي: تحية لفريق عمل والقائمين على مسلسل برغم القانون    الرعاية الصحية بالإسماعيلية: «بداية» خارطة طريق لبناء مواطنين أصحاء نفسيا وبدنيا وفكريا    وزير الصحة يلتقي السفير المصري بالهند لبحث سبل التعاون المشترك    ضمن مبادرة «بداية جديدة».. تقديم العلاج لكبار السن بالمنازل في الشرقية    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    موعد مباراة ريال مدريد وريال سوسيداد والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    المشاط تبحث تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الوكالة الفرنسية للتنمية    انطلاقة قوية لمواليد برج الأسد في بداية الشهر الشمسي الجديد    القصة الكاملة لشائعة وفاة محمد جمعة.. ما علاقة صلاح عبد الله؟    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    صور| "بالجلباب والطربوش".. المعاهد الأزهرية تستقبل الطلاب في أول أيام الدراسة بقنا    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    اليوم .. منتخب مصر يواجه أمريكا في نهائي بطولة العالم للكراسي المتحركة لليد    مستشفيات جامعة سوهاج تنهي قوائم الانتظار بنسبة 98 ٪؜    في يوم السلام العالمي| رسالة مهمة من مصر بشأن قطاع غزة    تقرير أمريكي: بلينكن لم يزر إسرائيل بجولته الأخيرة خشية تقويضها لجهود الوساطة    «اللي بيحصل يهد ريال مدريد».. رسالة نارية من ميدو ل جمهور الزمالك قبل السوبر الإفريقي    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    بسمة بوسيل تنشر إطلالة جريئة لها.. وتغلق التعليقات (صور)    انتظام الدراسة في أول أيام «العام الجديد» بقنا (تفاصيل)    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    رواتب تصل ل25 ألف جنيه.. فرص عمل في مشروع محطة الضبعة النووية - رابط التقديم    وزير الإسكان: تخفيض 50% من رسوم التنازل عن الوحدات والأراضي بالمدن الجديدة    بعد ارتفاع الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 21 سبتمبر 2024 في المصانع    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو اعتداء شخص على سيدة في القاهرة    بدء العام الدراسي الجديد.. ما هي خطة وزارة الصحة لتأمين للمنشآت التعليمية؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    «اعرف واجبك من أول يوم».. الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل رابعة ابتدائي 2024 (تفاصيل)    انخفاض جديد في درجات الحرارة.. الأرصاد تزف بشرى سارة لمحبي الشتاء    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    لطيفة: أمي قادتني للنجاح قبل وفاتها l حوار    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    الزمالك يُعلن طبيعة إصابة مصطفى شلبي ودونجا قبل مواجهة الأهلي في السوبر الأفريقي    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروتوكولات حكماء صهيون الافتراضية
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 03 - 2009

ما من أمر يخرج أى يهودى أو نصير لليهود عن طوره فيغضبه أيما إغضاب أكثر من الاستشهاد ب«بروتوكولات حكماء صهيون»، الوثيقة التى تنص على مجموعة من التوجيهات العلمانية للطائفة اليهودية لكى تسعى سعيا ناجحا إلى تقويض مجتمعات الأميين (غير اليهود) Goyim والسيطرة عليها لمصلحة اليهود الصهيونيين وتمكينهم من حكم العالم بأسره.
لكن اليهود وغير اليهود من المعادين للعنصرية والمتعاطفين مع معاناة اليهود فى روسيا وأوروبا لما لاقوه من اضطهاد عنصرى، يعتبرون أنه فعل من أفعال الإيمان وإدانة قصوى للعنصرية وللاسامية أن يصروا مستنكرين غاضبين على أن «بروتوكولات حكماء صهيون» هى وثيقة زورتها المخابرات الروسية لإثارة مشاعر اللاسامية وتعميق الكراهية لليهود. وهناك كمّ هائل من الأبحاث والأدبيات التى تسعى لإثبات واقعة ذلك التزوير وظروفها وتفاصيلها.
شخصيا، وفى ضوء كل تلك الأبحاث والأدبيات، لا أملك إلا التصديق بأن تلك الوثيقة مغرضة ومزورة بالكامل. وبدافع انتمائى إلى العرب الساميين كنت سعيدا بفضح ذلك التزوير وفضح أغراضه اللاسامية والعنصرية وأهدافها الدنيئة!
لكن التسليم بأن تلك الوثيقة مزورة وأهدافها مفضوحة هو بداية للمشكلات وليس حلا لها. فالمنهج العلمى، فى سعيه لفهم وتفسير ظاهرة ما، يبدأ باستقراء الظاهرة والوقائع المكونة لها لكى يخلص إلى فرضية تفسر ما هو متاح من تلك الوقائع. بعد ذلك يقضى المنهج العلمى باستقصاء مزيد من وقائع الظاهرة وعرضها على تلك الفرضية للتثبت مما إذا كانت تصمد للوقائع الإضافية وتصلح لتفسيرها. فإذا كان الأمر كذلك تتحول «الفرضية» إلى «نظرية» علمية معتمدة باعتبارها التفسير العلمى لتلك الظاهرة. وتبقى تلك النظرية جزءا من العلوم الطبيعية إذا كانت تفسر ظاهرة طبيعية، وجزءا من العلوم الاجتماعية إذا كانت تفسر ظاهرة اجتماعية.
الظاهرة التى نحن بصدد تفسيرها، والتى لم تفلح فى تفسيرها وثيقة «البروتوكولات» كونها مزورة، هى هذه الهيمنة التى تمارسها الحركة الصهيونية على السياسة والسياسيين وعلى الإعلام والإعلاميين وعلى الثقافة والجامعات والمثقفين والجامعيين، وآخرها اضطرار الرئيس الأمريكى الجديد أوباما، وهو ما زال فى شهر العسل من عهد رئاسته، أن يسحب ترشيحه لشخصية متميزة هى «فريمان» للمشاركة فى الإدارة الأمريكية العليا. وقبل تلك الواقعة تجدر الإشارة إلى واقعة ذات مغزى مشابه وهى حين اضطرت هيئة الإذاعة البريطانية (بى. بى. سى) التى طالما فخرت باستقلاليتها، إلى الاستنكاف عن بث النداءات الإنسانية للهيئات الخيرية البريطانية للتبرع لمنكوبى غزة بحجة أن ذلك يخل بحياديتها! وكان من الواضح أنها كانت خاضعة لابتزاز من نوع رهيب يجبرها على هذا الموقف المخجل والإصرار عليه بالرغم من مناشدات العشرات من أعضاء البرلمان البريطانى وشخصيات مرموقة أخرى ومنهم، لا أقل من ذلك، رئيس أساقفة كانتربرى ورئيس أساقفة يورك، أكبر مرجعيات الكنيسة الإنجليزية إطلاقا.
إذا كانت تلك الوقائع غريبة، فإن المغرق فى الغرابة هو القوانين التى سنتها معظم الدول الأوروبية بأن أى شخص أو باحث أو مؤرخ يجرؤ على مجرد التفكير بالقيام بأى بحث تاريخى أو علمى للتحقق من وقائع وأحداث الاضطهاد النازى لليهود، أو حتى يجادل فى تاريخهم وأساطيرهم، يكون لاساميا مرتكبا لجريمة يعاقب عليها القانون. فى حين تقوم حركة التنوير الأوروبى بأسرها على مقولة فولتير: «إننى لا أصدق حرفا مما تقول، ولكننى أبذل حياتى فى الدفاع عن حقك فى قوله»، ما لخّص المفهوم الحديث للحريات الأساسية وفى مقدمتها حرية الرأى والتعبير والمعرفة، إلخ.. لقد صمدت روح التنوير هذه ضد جميع الممارسات السيئة لتلك الحريات، ومنها ما كان يهدد بفتن حقيقية مثل الرسوم المسيئة للدين الإسلامى، ولكنها لم تصمد للقوى الخفية التى نجحت فى طعن الحريات الليبرالية الأساسية فى الصميم، حين ساقت إلى المحاكمة الجنائية مفكرا عالميا بدرجة روجيه جارودى بسبب نقده للأساطير المؤسسة للصهيونية!
ولا نلتفت هنا إلى القصص الكثيرة عن مؤسسات وجامعات راقية يتحزب فيها اليهود لليهود، ويحاربون بدون وازع كل من لا يتحزب معهم أو لا يجاملهم، فيحرمونه من التقدم والترقى الوظيفى إن لم ينجحوا فى طرده أصلا. لا نلتفت إلى ذلك، لأن من المعروف عن الأقليات والمجموعات الطائفية تحزبها للمنتمين إليها ضد الآخرين. ولكننا نلتفت إلى العمل المنهجى والجهد المنظم لبناء قواعد واسعة من النفوذ والتأثير، مادتها الأساطير التى تجمع حولها قوى اليهود وتبنى لهم عصبية يتمكنون بها من جعل تكتلهم ذا نفع للنخب الحاكمة فى بريطانيا وأوروبا وأخيرا الولايات المتحدة. ولا بأس أن تكون هذه النخب قادة الاستغلال والفساد الاقتصادى فى مجتمعاتها والاستعمار فى العالم. وأوضح ذلك التبادل للمنافع بين الصهيونية والاستغلال والاستعمار هو التحالف الشيطانى بين اللوبى الصهيونى (الإيباك) والمحافظين الجدد فى عهد بوش.
لكن السعى إلى النفوذ والتأثير لا يترك للمصادفة والحظ حين تتاح الفرصة للتحالف مع فريق بعينه، بل هو جهد ممنهج يعمل على شتى المستويات وحتى الثقافية والفنية، يتغلغل فيها لتكريس مفاهيم بسيطة ومحددة أبرزها: فكرة الشعب الضحية المستدامة حتى ولو مارس هذا الشعب أقبح جرائم الاغتصاب والاستعمار والقتل الجماعى ضد شعب برىء هو الضحية الحقيقية. الفكرة الأخرى هى أن معارضى السيطرة الصهيونية هم أبالسة ملعونون يدينون بدين إرهابى متخلف.
وفى سبيل إقناع العالم بأنهم الضحية المستدامة وأن ضحاياهم ليسوا ضحايا حقيقيين لأنهم دون البشر، يلجأ اليهود الصهيونيون إلى أخبث الأساليب حتى من خلال تسخير أنبل النشاطات الإنسانية وهو الفن. وللتدليل على ذلك لن أنسى مثالا واحدا بعينه: فى عام 1992 صدرت للأديب الكندى سريلانكى الأصل ميشيل أونداتجى Michael Ondaatje رواية رائعة بعنوان «المريض الإنجليزى» نالت عدة جوائز وترجمت إلى عدد كبير من اللغات. وفى عام 1996 قامت إحدى شركات السينما بإخراجها فى فيلم سينمائى. وسرعان ما طبقت شهرة الفيلم الآفاق بعد حصوله على تسع من جوائز الأوسكار بما فيها «الفيلم الأحسن». وكنت أحد الذين تأثروا بتلك الشهرة، فشاهدت الفيلم لأجده فيلما فوق المتوسط فى الجودة ولا يضاهى جودة الرواية التى حاول محاكاتها. وبت أتساءل: ماذا فى الفيلم ما جعل هيئة التحكيم للأوسكار تكيل له كل تلك الجوائز! وطفت بتساؤلى على عدد من الأصدقاء الذين شاهدوا الفيلم فلم ألق لديهم إلا الحيرة ذاتها. وحين استعرضت فى الذاكرة ما الذى أعجبنى وما الذى لم يعجبنى فى الفيلم، وجدت أنه احتوى مقاطع جيدة وكذلك مقاطع مملة فى عرضه الذى يستغرق ساعة ونصف الساعة، ولكن لم يكن ثمة ما اعتبرته مزعجا حقيقة سوى مشهد واحد لم يكد يستغرق ثلاث دقائق! يتلخص المشهد فى ضابط نازى ينتمى إلى جهاز الأمن الألمانى سيئ السمعة (إس إس) المشهور بمسئوليته عن أسوأ ما قام به النظام النازى من قتل وتعذيب وجرائم ضد الإنسانية. فى المشهد يحاول الضابط أن ينتزع معلومات أو اعترافات من بطل الفيلم الذى وقع فى أسره. لكن ضابط ال(إس إس) هذا، ويا للغرابة، لم يلجأ إلى ضرب السجين أو تعذيبه بالكهرباء أو أى من تلك الوسائل، بل لم يقم هو بأى فعل بنفسه. ما فعله هو أن أشار فدخلت غرفة الاستجواب (أو التعذيب) فتاة جميلة سمراء تعتمر خمار الممرضات، فخاطب الضابط النازى السجين قائلا: هذه فلانة وهى مسلمة ولذلك فإنها بموجب إيمانها الدينى (الذى يعاقب بتقطيع الأيدى والأرجل) لن تجد أى حرج فى فرم أصابع يديك العشرة إذا استمر إصرارك على حجب الاعترافات التى نطلبها منك! اللافت أن الرواية الأصلية التى اشتقت منها قصة الفيلم ليس فيها أى واقعة من هذا القبيل!
إننى أزعم أن الفيلم تعمد بإصرار أن يجعل تلك الرسالة بالغة السلبية عن الإسلام تنزرع زرعا فى العقل اللاواعى للمشاهدين sublimal حتى تصبح جزءا من الإدراك الذى يحدد فهمهم للإسلام ومواقفهم منه. كما أزعم أن كومة جوائز الأوسكار التى حصدها الفيلم ليست تقديرا لإسهامه فى الفن السينمائى بل لتمكينه من التسويق الناجح الذى يوصل رسالته إلى أوسع جماهير المشاهدين!
نعم، إننا نسلّم أن وثيقة بروتوكولات حكماء صهيون التى تتوفر نصوصها مطبوعة أو الكترونية على الإنترنت هى وثيقة مزورة تزويرا فاضحا. ولكن ما حكم البروتوكولات «الافتراضية» virtual التى توحى كل تلك الشواهد بوجودها الأكيد وخطرها الأفدح؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.