نقيب المهندسين يُكرّم لجان التحكيم والمشروعات الفائزة بملتقى الابتكارات    إطلاق الحملة القومية لتحصين الأغنام والماعز ضد طاعون المجترات الصغيرة    وزيرة التعاون الدولي تبحث توسيع الشراكة بين مصر وإسبانيا بمختلف مجالات التنمية    مع قرب انتهاء فصل الصيف.. فنادق الغردقة ومرسى علم تستقبل آلاف السياح على متن 100 رحلة طيران    وزير الصحة اللبناني: استهداف المدنيين يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان    رئيس قبرص في اتصال مع ميقاتي: تصعيد الأزمة في المنطقة يجب أن يتوقف    قيادي بمستقبل وطن: توجيهات الرئيس السيسي بمراجعة وتقييم الاتحادات الرياضية ترسخ مبادئ المحاسبة والشفافية    اندلاع حريق بمزارع نخيل بقرية القصر بمركز الداخلة    رياح علي بعض الشواطئ وارتفاع أمواج.. الأرصاد تكشف حالة طقس الغد    خروج مصابي حالة التسمم بعد استقرار حالتهم الصحية في الفيوم    بالصور.. افتتاح المعرض التشكيلى المصاحب لملتقى فنون ذوى القدرات الخاصة    رئيس الوزراء: أزمة نقص الأدوية في طريقها إلى الزوال التام (فيديو)    محافظ المنيا يتفقد مصانع المنطقة الصناعية.. ويؤكد: فخور بكل منتج مصري ينافس العالمي    في اليوم العالمي للسلام.. جوتيريش: مسلسل البؤس الإنساني يجب أن يتوقف    حزب الله يعلن استهداف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا    برواتب تصل ل25 ألف جنيه.. وزارة العمل تُعلن عن فرص ب«محطة الضبعة النووية» (تفاصيل)    بسبب ضميره.. قصة مسلسل تنازل فيه الفنان محمود مرسي عن 1000 جنيه من أجره    هانسي فليك يفتح النار على الاتحاد الأوروبي    محافظ المنوفية يتابع الموقف النهائي لملف تقنين أراضي أملاك الدولة    ب1.76 مليار يورو.. «التخطيط» تبحث مع «الفرنسية للتنمية» استراتيجية تمويل المشروعات بمصر    منتدى شباب العالم يشارك في «قمة المستقبل» بنيويورك بعد حصوله على اعتماد خاص لتعزيز دول الشباب في القضايا الدولية    أنغام تُشغل حفل البحرين.. والجمهور يعلق: «أنتِ صوت الطرب العربي وكوكب الشرق والكون كله»    رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يدين قصف الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين في غزة    وزير الصحة يؤكد حرص مصر على التعاون مع الهند في مجال تقنيات إنتاج اللقاحات والأمصال والأدوية والأجهزة الطبية    تلاميذ في البحيرة يرفضون الذهاب إلى مدرستهم في أول أيام الدراسة.. ما القصة؟    عمرو الفقي يوجه التحية لصناع مسلسل برغم القانون    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج بتنهي أي خلاف ولا تدعو للتطرف أو التعصب    مبادرة بداية جديدة.. مكتبة مصر العامة بدمياط تطلق "اتعلم اتنور" لمحو الأمية    إخلاء سبيل المفصول من الطريقة التيجانية المتهم بالتحرش بسيدة بكفالة مالية    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوى الهمم بمنازلهم فى الشرقية    الرعاية الصحية تطلق "مرجعية" لتوحيد وتنميط البروتوكولات الإكلينيكية للتشخيص    استشهاد 5 عاملين بوزارة الصحة الفلسطينية وإصابة آخرين في قطاع غزة    أم تحضر مع ابنتها بنفس مدرستها بكفر الشيخ بعد تخرجها منها ب21 سنة    ضبط مدير مطبعة بالقاهرة بداخلها مطبوعات بدون تفويض أصحابها    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    ميدو يوجه رسالة خاصة لجماهير الزمالك قبل مواجهة الأهلي في السوبر الإفريقي    اسكواش - نهائي مصري خالص في منافسات السيدات والرجال ببطولة فرنسا المفتوحة    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    بسمة بوسيل تنشر إطلالة جريئة لها.. وتغلق التعليقات (صور)    باندا ونينجا وبالونات.. توزيع حلوى وهدايا على التلاميذ بكفر الشيخ- صور    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    رواتب تصل ل25 ألف جنيه.. فرص عمل في مشروع محطة الضبعة النووية - رابط التقديم    تحرير 458 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وسحب 1421 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    18 عالما بجامعة قناة السويس في قائمة «ستانفورد» لأفضل 2% من علماء العالم (أسماء)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    «اعرف واجبك من أول يوم».. الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل رابعة ابتدائي 2024 (تفاصيل)    تغييرات بالجملة.. تشكيل الأهلي المتوقع أمام جورماهيا في دوري أبطال إفريقيا    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليهود خارج فلسطين
نشر في الشعب يوم 26 - 01 - 2008


د. إبراهيم علوش

يتمتع اليهود خارج فلسطين بصفتين متلازمتين تغطي إحداهما جيداً على الأخرى، أما الصفة الأولى فهي أنهم أقلية في المجتمعات التي يعيشون فيها، بما يحمله تعبير أقلية، خاصة في الغرب، من إمكانية التعرض للاضطهاد أو التهميش أو التمييز ضدهم من قبل الأغلبية، أما الصفة الثانية، فهي أنهم يتمتعون بوضع اجتماعي-اقتصادي متميز على الشعوب التي يعيشون بينها، خاصة في البلدان الغربية من الولايات المتحدة إلى أستراليا، وأن وجودهم المكثف - بنسب تفوق بأضعاف نسبتهم بين السكان - في المفاصل الأساسية للمجتمعات الغربية، ونفوذهم المستشري في قطاع المضاربة المالية والبنوك إلى قطاع مؤسسات صنع القرار السياسي إلى وسائل الإعلام والثقافة والترفيه كهوليوود مثلاً، تجعل الحديث عنهم كأقلية مضطهدة مجرد استخفاف بعقول الناس...

واليهود ليسوا قومية، كما نعلم، بل ديانة تسرب منها كثيرٌ من أبنائها عبر الزمن، وليسوا عرقاً أو سلالة، بل أخلاطاً عرقية ورثت منظومة من القيم الثقافية الناتجة عن دورهم التاريخي كجماعة وظيفية مارست التجارة والحرف في المدن والربا وجمع الضرائب لمصلحة الإقطاعيين، بدلاً من الزراعة والجندية والخدمة العامة. وقد كرس حاخاماتهم انفصالهم عن الشعوب التي عاشوا بينها حرصاً على عدم ضياع نفوذهم على عامة اليهود، فنشأت في مستنقعات هذه الغيتوات اليهودية، ومن ثنايا دورها الاجتماعي-الاقتصادي الطفيلي في أوروبا خاصة، عقلية التقوقع والانعزال، عقلية العداء للمحيط والخوف منه في آنٍ معاً، وضرورة استغلاله والتلاعب به والسيطرة عليه وتفكيكه من أجل الحياة، وبالتلازم، ضرورة القضاء المسبق على أية انتفاضات شعبية كانت تستهدف عامة اليهود في أوروبا في الأزمات بسبب دورهم الربوي الكريه وكوسطاء للسادة الإقطاعيين، وكجماعة طفيلية لا يتناسب نفوذها السياسي والاقتصادي أبداً مع حجمها العددي في المجتمع.

وكان من الطبيعي أن تنشأ، على قاعدة هذا الدور وهذه العقلية، شبكة من العلاقات ما فوق القومية بين الغيتوات اليهودية المنتشرة عبر القارة الأوروبية وعبر المحيطات كانت تعزز الدور السياسي والتجاري لليهود، وتجعلهم في آنٍ معاً موضع حسدٍ كبيرٍ من التجار الأغيار المحليين، وفاقدين للهوية الوطنية وللانتماء القومي للبلدان التي ولدوا وعاشوا وعملوا فيها. فاليهودي ينتمي للشبكة العالمية لليهودية قبل أي شيء أخر، لا بل أن مصطلح Cosmopolitan ، أو كوزموبوليتيكي، بمعنى "مدني عالمي"، فاقد للهوية والانتماء الوطني، كثيراً ما كان يقصد به اليهود في أوروبا دون غيرهم، وكذلك كان يستخدم في أوروبا الشرقية، خاصة في روسيا وبولونيا في بداية القرن العشرين.

ومن هنا، ارتبطت اليهودية كمنظومة ثقافية، حتى بشكلها العلماني غير المتدين، بالحديث عن "الإنسان"، مقابل الحديث عن الأمة أو الوطن، وبجهد فكري دائب لتحقير الثقافات القومية ورموزها، وبالشبكات والجمعيات السرية الممتدة عبر الحدود، وبالمؤامرات الدولية، والأهم، بمنهج افتراس غير اليهود بالمكر والخديعة، و"الذكاء" المتجرد من أي ضابط أخلاقي، تماماً كذكاء الخفاش المنكب على دماء وريد الخيل في عتمة الليل.

وقد وصف كارل ماركس اليهودية (وليس الصهيونية)، في كراسه "حول المسألة اليهودية"، بأن اليهودية تصبح عقيدة النظام الرأسمالي برمته في مرحلته العليا، مرحلة تفككه وانحلاله، ولا يهم هنا أن يكون كثيرٌ من المنتمين إلى هذه المنظومة الثقافية اليهودية من غير المتدنيين، إذ "لا يجب أن نبحث عن سر اليهودي في دينه، بل فلنبحث عن سر الدين في اليهودي الواقعي... ما هو الأساس العملي لليهودية؟ المصلحة العملية والمنفعة الشخصية..."، ويضيف الكراس بعدها: "المال هو إله إسرائيل المطماع... هذا هو الإله الحقيقي لليهود... وقومية اليهودي الوهمية هي قومية التاجر، قومية رجل المال". وقد اقتطفت من كراس ماركس من أجل العلمانيين واليساريين الذين لم يتخلصوا بعد من عقدة التعاطف المرضي مع اليهود!

نحن إزاء عقلية ذئبية إذن، أو إزاء حقيقة الخفاش مصاص دماء البشر بالأحرى، أي إزاء الثقافة اليهودية، وهي نفس الثقافة التي تنتج عنصرين أساسيين أخرين من توجهات اليهود السياسية، بغض النظر عن مدى تدينهم، وهما: 1) فكرة "أرض الميعاد"، أي احتلال فلسطين كوطن قومي لليهود، و2) فكرة "شعب الله المختار"، أي التعالي على غير اليهود وافتراسهم، أي العنصرية.

والمقصود أننا لا يمكن أن نتعامل مع قضية فلسطين كاحتلال موضعي فحسب. فقد كنا نواجه منذ البداية شبكة دولية، شبكة متغلغلة في نسيج القرار الدولي، ولا نواجه احتلالاً مثل احتلال فرنسا للجزائر مثلاً كي يقول بعضنا ما معناه أن كل فرنسي لا يحتل الجزائر ليس عدواً، أو كل أمريكي لا يحتل العراق ليست لنا مشكلة معه!!!

مع اليهود، كنا نواجه منذ البداية ثقافة ذئبية "كوزموبوليتية" تعاني منها شعوبٌ عدة، لا نحن فحسب، وكنا نواجه منذ البداية مشروعاً كونياً وحركة عالمية، كنا نواجه اليهودية العالمية كمؤسسة دولية، وكثقافة باتت جزءاً من ثقافة وبنية المؤسسة الحاكمة في الدول الإمبريالية.

والمعنى ببساطة أن كل يهودي خارج فلسطين لم يتساقط خارج المنظومة الثقافية اليهودية الآنفة الذكر، تلك المنظومة الكوزموبوليتية، هو عدوٌ ليس لنا فحسب، بل لكل شعوب الأرض.

وكما أشرت في كتابات أخرى، ليس صدفةً أن يتم تبني "المحرقة" رسمياً من قبل الأمم المتحدة، كعقيدة يمنع نقاشها تحت طائلة العقاب، وكعقيدة تجعل اليهود أكثر أقلية مضطهدة في تاريخ البشرية، في الوقت الذي: 1) تكرست فيه العولمة كتيار يسعى إلى إضعاف وتفكيك السيادة الوطنية والثقافة القومية للشعوب، 2) تكرست فيه ضمن النظام الإمبريالي هيمنة القطاعات غير المنتجة في الاقتصاد، القطاعات الربوية والمالية، على القطاعات المنتجة الصناعية والزراعية والتجارية. أي مع ازدياد تغلغل اليهود ودورهم في النخب الحاكمة في "النظام الدولي الجديد" الذي لا يقوم عليهم وحدهم طبعاً.

والطريف الآن طبعاً أن تجد الجماعات الفلسطينية في الغرب اليوم تحرص أشد الحرص على جعل اليهود في مقدمة قياداتها لكي تضع البرامج وتحدد السقف السياسي "للتضامن مع القضية"، ولكي تنفي عنهم تهمة "معاداة السامية"، ولكي تعوضهم عن عقد النقص إزاء اليهود...

ثانياً: حول الموقف من اليهود في فلسطين

يبرز الموقف من التواجد اليهودي في فلسطين اليوم باعتباره المؤشر العقائدي الأهم، والميزان السياسي الحساس، لمدى ثبات المرء إزاء المشروع الصهيوني برمته، وإزاء السياسة الأمريكية.

ويلاحظ في هذا السياق أن التساهل مع الوجود اليهودي في فلسطين يتناسب طرداً مع التساهل تجاه هذا الجانب، أو تلك الخطوة، في السياسة الأمريكية-الصهيونية، مما يساعد على تقبل الطرف المتساهل في منظومة الهيمنة الدولية.

والعكس صحيح أيضاً، إذ يؤدي تحسن العلاقات مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، بالمحصلة، للاعتراف بقانونية التواجد اليهودي في فلسطين، كما تشهد عشرات الأمثلة بعد توقيع اتفاقية أوسلو. وتجد هذا القانون منسحباً على الهند وروسيا والصين والدول الأفريقية والعربية وغيرها على حدٍ سواء، حتى يمكن اعتباره أحد القوانين التي تحكم العلاقات الدولية في زماننا المعاصر.

أما على مستوى التنظيمات والمثقفين، فينطبق القانون نفسه، حيث يتحسن وضعهم المالي والإعلامي، ومقبوليتهم السياسية إقليمياً ودولياً، بالتناسب مع الخطوات التي يخطونها باتجاه استيعاب الوجود اليهودي في فلسطين بغض النظر عن الحجج والذرائع. وبالتالي، يمكن التعميم أن تقبل مشروعية التواجد اليهودي في فلسطين أمسى أحد السمات المميزة للعولمة السياسية في عصرنا ابتداءً من تسعينات القرن العشرين.

وكي لا يكون في الأمر لبسٌ، يتناول الحديث هنا بالضبط الوجود اليهودي في فلسطين، وليس فقط التعبير السياسي لذلك الوجود، أي دولة "إسرائيل"، أو الحركة السياسية التي أنتجت ذلك الوجود، وهي بالطبع الحركة الصهيونية. فالأهم هو أن يقبل المرء مبدأ ومشروعية التواجد اليهودي في فلسطين، ولو تحت شعارات براقة مثل الدولة الديموقراطية، أو "إسرائيل" ثنائية القومية، أو "إسراطين"، ولا يهم بعدها أن ينتقد الأم (الحركة الصهيونية)، والأب الراعي (دولة "إسرائيل")، ما دام يعترف بذريتهما.

بالمقابل، رب قابلٍ بدولة "إسرائيل" بذريعة ميزان القوى المختل، مثل بعض الأنظمة والقوى السياسية العربية، ممن لا يقبل بمشروعية الاستيطان اليهودي في فلسطين من حيث المبدأ أو بما يكفي من الحماسة الداخلية. بيد أن الطرف الأمريكي-الصهيوني بات يرى هذه الشريحة لم تعد تفي بالغرض، باعتبارها تنتمي لتوازنات الحرب الباردة.

فالمطلوب اليوم في مرحلة زحف العولمة والهيمنة الإمبريالية هو التقبل الثقافي والعقائدي والقانوني للوجود اليهودي في فلسطين مع تحوله لمركز هيمنة إقليمي "شرق أوسطي"، وتحول الحركة الصهيونية نفسها لقطبٍ عالمي. فمجرد التعاطي السياسي "العقلاني" مع دولة "إسرائيل" بات أقل بكثير مما يتوخاه ويقدر عليه الخصم، مع العلم أن هذا التعاطي بعض الأنظمة والقوى العربية مع دولة العدو كان أحد المقدمات الضرورية للحصار الذي تعيشه تلك القوى نفسها بعد أن أصبح البرنامج المعادي هو إزاحتها لمصلحة قوى أكثر ولاءً وانسجاماً مع المرحلة التالية من المشروع الأمريكي-الصهيوني.

المهم، لا بد من التأكيد هنا على نقاط هي بمثابة بديهيات في الشارع العربي، لكنها كثيراً ما تغيب عن القوى السياسية العربية الرسمية والمعارضة:

1) أن اليهود أتوا إلى فلسطين كغزاة، وليس كمهاجرين، وبالتالي لا مشروعية لوجودهم فيها حتى لو لم يطردوا أهلها منها.

2) أن الاحتلال الصهيوني لفلسطين ليس احتلالاً عسكرياً فحسب، بل احتلالٌ ديموغرافيٌ، أي أن الوجود اليهودي في فلسطين هو قاعدة الاحتلال وديمومته، فنحن لا نقاتل من أجل جلاء قوات عسكرية محتلة فقط كما في العراق مثلاً.

3) أن الميثاق الوطني الفلسطيني (البند السادس) يقول أن كل اليهود الذين أتوا إلى فلسطين بعد المشروع الصهيوني لا يعدون فلسطينيين، وهذا يعني أن نسبة اليهود المسموح لهم بالعيش في فلسطين المحررة لا يمكن أن تتجاوز نسبتهم من الفلسطينيين قبل بدء المشروع الصهيوني، أي خمسة بالمائة بأعلى تقدير.

4) أن فلسطين أرض عربية (البند الأول من الميثاق)، وهذا الحق العربي بأرض فلسطين لا يسقط بتقادم الزمن، ولو لم يبقَ فلسطيني واحد حياً. وقد احتلها الفرنجة قرنين، ولم يغير ذلك من حق الأمة فيها شيئاً.

5) لو افترضنا جدلاً حق اليهود وغيرهم كأفراد، وليس كقومية مزعومة، بالهجرة لفلسطين، كما في ظل الحكم الإسلامي عبر العصور مثلاً، فإن ذلك يخضع للقرار السيادي المحلي، وليس للقرار الدولي، كما في أي حالة هجرة حول العالم. فما بالك بهم إذا ظلموا وقتلوا وهدموا؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.