"الدنمركيون أدركوا أن الإسلام هو محرك رئيسي في تغيير شكل المجتمع الدنمركي المستقر منذ مئات السنين"، بابتسامة دائمة وحماس شديد يشرح د. يوريجن سيمونسن، أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة كوبنهاجن، تاريخ ومستقبل الإسلام في الدنمرك. يقسم د. سيمونسن مسلمي الدنمرك إلي 3 فئات: مهاجرين ولاجئين ومتحولين دينيا. "لا يوجد إحصائيات دقيقة حول أعداد المسلمين في المجتمع الدنمركي"، وذلك لأن القانون والدستور يمنعان تعداد السكان علي أساس الدين أو العرق أو الانتماء السياسي. لكن التقديرات تشير إلي أن الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في الدنمرك بعد المسيحية علي المذهب البروتستنتي اللوثري، ويصل تعدادهم إلي 3% من سكان البلد أغلبهم من أصول عرقية غير دنمركية، في حين تقدر أعداد الدنمركيين المتحولين إلي الإسلام بألفي مسلم. "رغم ذلك فإن الدنمركيين يربطون الإسلام بالأجانب، دون حساب كبير للمسلمين من أهل البلد الأصليين"، والسبب في ذلك هو كيفية دخول الإسلام إلي المملكة المسيحية ذلت الألفي كنيسة. بدأ دخول المسلمين إلي الدنمرك من خلال هجرة العمال إليها، بداية من 1967 وحتي 1973، وذلك بسبب الطفرة الصناعية التي حولت المجتمع الدنمركي الريفي الزراعي إلي مجتمع مصانع يحتاج إلي أيدي عاملة مدربة غير متواجدة فيه. فتوافد علي الدنمرك مئات العمال من المغرب ويوغسلافيا وباكستان وتركيا. "هؤلاء، كانوا مسلمين، وإن لم يعتبروا الإسلام انتماءهم الأول"، طبقا للدكتور سيمونسن، "فالأبحاث تشير إلي أن أغلب المهاجرين كانوا يعرفوا أنفسهم بجنسيتهم وليس بدينهم، بل إنهم شرعوا في تقسيم أنفسهم لمجموعات أصغر طبقا للأصل العرقي، فتنشأ مجموعة من المغربيين ذوي الأصل البربري مختلفة عن المغاربة العرب، وأتراك من أصل أسيوي مختلفين عن الأتراك العرب، وهكذا". ولم يكن الإسلام هو الانتماء الأول، وبالطبع لم يكن أيا منهم يشعر بانتماء للدنمرك، فكلهم كانوا متأكدين أنهم سيرجعون إلي بلادهم بعد جمع أكبر قدر ممكن من المال. ونشأت "ظاهرة الهجرة المسلسلة" Chain Immigration، فكل من يجد وظيفة يشجع أهل قريته وأقاربه بأن يهاجر معه. عام 1973 قرر البرلمان إيقاف الهجرة إلي البلد والعمل بها لغير القادمين من دول أوروبية، من أجل منع مزيد من التأثير الأجنبي علي البلد، لكنه في عام 1974 أقر أهم قانون في تاريخ قوانين الهجرة علي مر تاريخ البلاد، والذي يسمح للمهاجرين الموجودين بالفعل بأن يصطحبوا عائلاتهم معهم إلي داخل البلاد. "وهذا بالطبع أدي لزيادة أعداد المسلمين بالدنمرك، وظهور جيل ثان من المهاجرين، أي أولاد المهاجرين الذين ولدوا علي أرض الدنمرك أو الذين جاءوا إليها وهم صغار وقضوا أغلب حياتهم بها". ومن هنا بدأت أزمة الهوية. "كيف نربي أبناءنا؟ علي التقاليد الدنمركي، أم بأخلاق بلادهم الأصلية حتي يستطيعوا العودة إليها والعيش فيها دون مشاكل؟"، هذا كان السؤال الذي يطرحه المهاجرون علي أنفسهم، وكان ميلهم دوما للخيار الثاني. وحين شب الجيل الثاني، وجد نفسه في أزمة ثقافية، فهم يتأثرون بالمجتمع من حوله ويعتبرون أنفسهم دنمركيين وهو ما يثير امتعاض آبائهم، ومن ناحية أخري فلون بشرتهم مختلف ودينهم مختلف ولا يحملون الجنسية، مما يجعل الدنمركيين أيضا يرفضون اعتبارهم مواطنين". ورغم محاولة الآباء تحبيب الأبناء في بلادهم الأصلية، إلا أن المحاولات باءت في الأغلب بالفشل، "حين يذهب الشاب إلي قرية والده في أجازة سنوية، يكتشف سريعا أن تمجيد الآباء لأسلوب الحياة في القرية وميزاتها هو أقرب للوهم والحنين العاطفي من الواقع". بداية من الستينات، استقبلت الدنمرك موجات من طالبي اللجوء السياسي من الشرق الأوسط الذي عصفت بأركانه أحداث سياسية مضطربة في إيران والصومال وفلسطين والعراق، لتشهد الدنمرك زيادة أخري في أعداد المسلمين. "رغم أنه الإسلام ليس هو العنصر الفاعل تحديدا، إلا أنه تصادف أن أغلبية المهاجرين واللاجئين كانوا من المسلمين، فبدأ الدنمركيون يشعرون أن الإسلام هو العنصر الغريب المغير لشكل المجتمع. "حتي أزمة الرسوم الدنمركية في 2005، كان هناك تطور محدود للغاية في مشاركة المسلمين في السياسة، لكن فور حدوثها، أدرك الآباء أن عليهم أن يتبعوا حذو الأبناء وأن يكون لهم صوت في المجتمع الدنمركي"، إضافة لذلك يشير د. سيمونسن إلى أن الدنمركيين أدركوا مدي التنوع الموجود لدي المجتمع الإسلامي، "وبعض السياسيين قالوا يا ليت للمسلمين هيئة واحدة تعبر عن موقفهم جميعا، ولكنهم يعلمون جيدا أنه ما من أحد يجرؤ أن يوجه خطابا مماثلا للدنمركيين ويختزل تنوعهم قائلا يا ليت من هيئة واحدة تعبر عن الدنمركيين جميعا". أما المستقبل، فيعد بدنمرك متعددة الأعراق والجنسيات وقابلة للآخر، في رأي د. سيمونسن. "بعض المسلمين مازالوا يتباكون علي الأيام الماضية الجميلة في قراهم البعيدة، وبعض الدنمركيين يتذكرون بحسرة الدنمرك المتجانسة، عندما كان الرجل يرجع من عمله فيجد في انتظاره ربة منزل مطيعة وطفلين باسمين. اتركوا أمثال هؤلاء لحالهم، فلا أهمية لهم ولا جدوي من النقاش معهم". السبب بسيط: أن هذا الجيل قد شاخ وقارب علي الفناء. أكثر من 50% من الدنمركيين تحت سن 30 عاما قد قابلوا شخصا غير دنمركي في اليوم الأول من الدراسة في الحضانة، وتعلموا منذ الصغر أن ليس كل دنمركي أبيض البشرة وأشقر الشعر. "تأكد الدنمركيون أن البلد في القرن الواحد والعشرين قد دخلت مرحلة جديدة في تاريخها. مرحلة تتميز بالعولمة والتعددية، ولم يصر أمامهم من خيار سوي التفكير في كيفية أن يصير ذلك التنوع ميزة يستفيدون منها وأن الدنمرك للجميع بصرف النظر عن العرق أو اللون أو الدين".