ملايين المصريين سوف يتحولون إلى نازحين بعيدا عن المناطق المهددة بالغرق فى الدلتا نتيجة للتغيرات المناخية، كما تقول د. منال البطران، أستاذ التخطيط العمرانى والإقليمى بالمركز القومى لبحوث الإسكان والبناء. تتوقع د. منال فى دراستها بعنوان «أثر تغير المناخ على مصر وبخاصة على الهجرة الداخلية والخارجية» أن يفقد الكثيرون عملهم بسبب التغيرات القادمة، وأن تصبح المناطق المهددة بالغرق طاردة لأهلها، الأمر الذى تترتب عليه عدة أحداث اجتماعية واقتصادية كبيرة. بطالة بين الصيادين والمزارعين هناك أيضا من سيفقدون أعمالهم فى مجالات السياحة المختلفة وذلك لأن ابيضاض الشعب المرجانية نتيجة لارتفاع درجة الحرارة سوف يقلل من عدد السياح فى المناطق الساحلية، مما يضطر الأفراد والمجتمعات التى تعتمد على السياحة إلى التخلى عن المستوطنات التى يعيشون فيها والبحث عن فرص عمل فى أماكن أخرى. ونتيجة لما ستؤدى إليه التغيرات المناخية من تغير فى النظام الطبيعى «الأيكولوجى» للبحيرات الشمالية ونقص فى الإنتاج السمكى بها، فسوف يهجر العديد من صائدى الأسماك وأسرهم مساكنهم إلى أماكن أخرى فى الوادى المكتظ أصلا بالسكان. وفيما يتعلق بالهجرة الداخلية تحديدا تستشهد د.البطران بدراسة للبنك الدولى تقارن بين تأثير ارتفاع منسوب البحار والمحيطات فى 84 دولة نامية تقع أراضيها على سواحل بحرية، وقد اتضح أن زيادة مقدارها متر واحد فى منسوب أسطح البحار والمحيطات سوف يكون من شأنها اجتياح مساحة تقدر بنحو 194000 كم2، مما سيتسبب فى تحويل نحو 56 مليون مواطن فى هذه الدول إلى لاجئين بفعل البيئة. وتضع هذه الدراسة مصر بين الدول الأكثر تضررا فى شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتتوقع نزوح نحو 10.5% من إجمالى عدد السكان فى مصر من أراضيهم واعتبارهم فى حكم اللاجئين. هجرة داخلية مثيرة للصراعات من ناحية أخرى، تقدر الدراسات المصرية أن عدد المهجرين من الدلتا والساحل الشمال بسبب فقد الأرض الزراعية نتيجة ارتفاع سطح البحر وتغلغل المياة المالحة تحت التربة بنحو 4 ملايين فرد. يضاف إلى ذلك كل من يفقدون أعمالهم نتيجة أثر الفيضانات على المنشآت الصناعية وأثر ارتفاع معدل الحرارة على السياحة بالإضافة إلى الأعداد التى ستفقد مصدر رزقها من مهنة صيد الأسماك. ويعنى هذا أننا قد نواجه بهجرة عدد يتراوح بين 5 و6 ملايين نسمة، فى حين لا يوجد مكان فى الوادى المكدس الآن لهولاء المهجرين، «ويمكن أن يؤدى ذلك الى نزاعات شديدة بين هؤلاء المهجرين وبين سكان المناطق غير المصابة، وإذا أضفنا إلى هذا أن سكان مصر سوف يستمرون فى الزيادة بأكثر من 30 مليون نسمة، نستطيع أن نرى حجم المشكلة التى سنواجهها فى العقود القادمة». الساحل الشمالى للدلتا المصرية يعانى أصلا من عدة مشكلات بيئية خطيرة أهمها: ارتفاع الكثافة السكانية، ارتفاع معدل النمو السكانى، الهبوط الأرضى المستمر، ارتفاع معدلات النحر، غزو المياه المالحة للتربة واختلاطها بالمياه الجوفية، تملح التربة، زيادة التلوث البيئى من مخلفات المصانع والقمامة. فإن هذا يعنى ضرورة بدء التخطيط لأين سيعيش كل هذا الكم الهائل من البشر فى بلد يعانى من ضيق الرقعة التى يعيش فيها سكانه حاليا؟، الأمر الذى يستوجب اتخاذ الإجراءات العاجلة لوضع الخطط والبرامج اللازمة لمواجهة كل مسببات الهجرة الداخلية قبل أن تداهمنا. وهجرة خارجية فى اتجاه أوروبا أما فيما يتعلق بالهجرة الخارجية فإن تغير المناخ قد يؤدى إلى زيادة الجفاف والتصحر فى الجزء الجنوبى من أفريقيا، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة الهجرة إلى الشمال مما يزيد الضغوط على شمال أفريقيا بما فيها مصر وعلى البلدان الأوروبية. والحل الأمثل فى رأى الباحثة منال البطران هو بدء الإجراءات من أجل مقاومة هذه التغيرات المناخية خاصة فى دول أفريقيا، خاصة تلك التى تعيش على المطر أو المعرضة للجفاف المتتالى ووضع برامج قومية والتأقلم مع الآثار التى ستحدث نتيجة التغير المناخى، وكل ذلك يجب أن يتم بالتعاون مع الأممالمتحدة والدول المانحة. وبالنسبة لمصر ودول شمال أفريقيا هناك ضرورة للتعاون مع كل دول شمال البحر الأبيض لوضع سياسة مشتركة لدول الحوض.