يبدو أنه لا مفر أمام رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين ننتنياهو من مواجهة أحلك فتراته منذ توليه الحكم فى فبراير الماضى، والتى حاول تأجيلها قدر المستطاع. حيث بدا نتنياهو فى مأزق حقيقى على الصعيدين الداخلى والخارجى. فقد صعد المستوطنون اليهود لهجتهم ضد نتنياهو بعدما قرر تجميد أعمال البناء فى المستوطنات بالضفة الغربيةالمحتلة لمدة 10 أشهر، فيما اعتبره البعض نوعا من الرضوخ للضغوط الأمريكية. ويحاول تقرير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى رصد التغيرات، التى طرأت على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية على مدار عام 2009 فى عهد الرئيس الأمريكى باراك أوباما، والتى كانت محورها عملية السلام فى الشرق الأوسط وخاصة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، حيث اعتبر ديفيد ماكوفيسكى مدير مشروع عملية السلام بالشرق الأوسط بمعهد واشنطن إن الإعلان عن وقف البناء فى المستوطنات ينهى الفصل الأول من العلاقات الأمريكية الإسرائيلية فى عهد الرئيس الأمريكى باراك أوباما. وأرجع التحرك الأخير إلى محاولة واضحة لتطوير العلاقات بين الطرفين بالقدر، الذى يسمح لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وكذلك لاستعادة الجندى الإسرائيلى الأسير جلعاد شاليط. وقد ألقى الخلاف حول المستوطنات بظلاله على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، حيث قال ماكوفيسكى إن «أغلب هذا العام 2009 مضى فى الحديث حول الخلاف بشأن المستوطنات. وشعرت إدارة أوباما أنها لا تحظى بثقة إسرائيل دائما فيما يتعلق بالمشاورات الثنائية القريبة بين الجانبين بشأن مجموعة من القضايا مثل التهديد النووى الإيرانى، والتدريبات العسكرية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة «جونيبر كوبرا»، وتقرير جولدستون». وعرض ماكوفيسكى مجموعة من الدروس التى ينبغى أن يستفيد منها كلا الطرفين من عام 2009 حيث قال: «الدرس الأول هو أنه حتى إن لم تستطع المعارضة الإسرائيلية القول «نعم» لباراك أوباما، فإن الولاياتالمتحدة قد خسرت قبول التيار العام فى إسرائيل». وتابع ماكوفيسكى: «أما الدرس الثانى فهو أن الحذر مطلوب عند رفع مستوى التوقعات، فالرئيس الفلسطينى محمود عباس لا يمكن أن يكون أقل فلسطينية من الولاياتالمتحدة، ومع مطالبة الولاياتالمتحدة تجميد البناء الاستيطانى فى القدسالشرقية، فإن عباس لن يقبل على الأرجح بأقل من ذلك، مثل عدم التوسع الخارجى فى الأحياء اليهودية بالقدسالشرقية». وبدأ الاستيطان فى الضفة بعد احتلالها فى حرب يونيو 1967، التى مضى عليها اثنان وأربعون عاما. ومنذ ذلك الحين تحاصر المستوطنات أهل الضفة فى كل أوجه حياتهم، وتهدد بنسف بيوت وقضم أراضٍ جديدة. وتجميد الاستيطان الذى قررته إسرائيل لا يشمل القدسالشرقية ولا ال3000 مسكن قيد الإنشاء فى الضفة الغربية حيث يقيم أكثر من 300 ألف إسرائيلى ولا تشييد مبان عامة (المدارس والمعابد اليهودية). من ناحية أخرى، استخلص ماكوفيسكى أيضا بعض الدروس، التى ينبغى أن تنتبه إليها إسرائيل، وأهمها أن توافر أعلى درجات الثقة فى الولاياتالمتحدة هو أمر لا غنى عنه، «حيث سيؤثر كل من أوباما ونتنياهو فى الأحداث لبعض الوقت، وتعتقد إسرائيل أنه تم نصب كمين لها حول مسألة تجميد المستوطنات من قبل الولاياتالمتحدة. وأعرب الإسرائيليون عن حسرتهم لنقص الثقة بين الجانبين». ورأى ماكوفيسكى أن «إسرائيل محقة فى الإدعاء بأن إدارة أوباما أخطأت عندما أنكرت الاتفاق غير الرسمى بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل الذى تم عام 2003 على تحديد التوسع الجغرافى للمستوطنات» معتبرا أن هذا الإنكار «يقوض مستقبل التفاهم غير الرسمى مع الولاياتالمتحدة». وكانت إسرائيل قد أعلنت فى يونيو الماضى عن وجود اتفاقات ثنائية بين إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش وإسرائيل بشأن توسيع مستوطنات يهودية. وهو الأمر الذى نفته الولاياتالمتحدة حيث قالت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون «لدينا محاضر المفاوضات، أى الوثيقة الرسمية التى سلمتها إدارة بوش إلى إدارة أوباما، لا يتوافر أى أثر لاتفاق شفهى أو غير رسمى». وبحسب مسئولين إسرائيليين فإن جورج بوش وجهه رسالة فى 2004 إلى رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون، قال فيها إن ترسيم الدولة الفلسطينية المقبلة يجب أن يأخذ فى الاعتبار التكتلات الاستيطانية. ويرى المراقبون أن قرار نتنياهو جاء نتيجة الضغوط، التى مارستها الولاياتالمتحدة على إسرائيل لتحريك مفاوضات السلام مع الفلسطينيين المعلقة منذ الحرب على غزة قبل عام. ويطالب الفلسطينيون بتجميد تام للاستيطان فى الضفة الغربية وفى القدسالشرقية قبل استئناف المفاوضات. وقد دهش أوباما بإعلان بناء مستوطنات جديدة فى حى جيلو بالقدس خاصة أنها جاءت بعد أسبوع من محادثات خاصة ونادرة مع نتنياهو. وكانت إسرائيل قد وافقت منتصف الشهر الماضى على بناء 900 وحدة سكنية استيطانية جديدة فى حى «جيلو» بالقدسالشرقية. وكان مساعدو نتنياهو على حق عندما قالوا بإن الولاياتالمتحدة لم تكن صارمة مع حكومة أولمرت بقدر صرامتها مع هذه الحكومة بحسب ماكوفيسكى. وبينما يرجع هذا الأمر جزئيا إلى التغير فى الإدارة الأمريكية، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يستبعد احتمال قلة الجدل الداخلى فى الولاياتالمتحدة فى الماضى كان بسبب قوة اتجاه أولمرت. وربما يقول البعض فى واشنطن إن التنازلات، التى يقدمها نتنياهو تأتى على مضض، وبالتالى يمكن أن تكون أقل من المطلوب. وسيكون رد نتنياهو أن التنازلات الإسرائيلية، التى جاءت متاخرة أفضل من عدم تقديم أى تنازلات من الجانب العربى. ولم يغفل ماكوفيسكى الجانب العربى، حيث قال إن هناك بالطبع بعض الدروس المستفادة للعرب أيضا، «ورغم خطاب أوباما الذى ألقاه فى القاهرة والذى رفع سقف التوقعات، فإن الحلم العربى الذى طال انتظاره بأن تقوم الولاياتالمتحدة بثنى إسرائيل عن إرادتها لم يتحقق». وفى محاولة منه لالتماس الأعذار لرئيس الوزراء الإسرائيلى على تحركه السياسى الأخير قال الكاتب الإسرائيلى إيزى ليبلير فى مقاله بصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية تحت عنوان «هل يعد تجميد نتنياهو للبناء فى المستوطنات خيانة؟» «بالفعل شعر العديد منا بخيبة أمل شديدة عندما وافق رئيس الوزراء على تجميد أعمال البناء فى المستوطنات، بالتأكيد أمر عجيب أن تفرض مثل هذه القيود القاسية لمدة سنة تقريبا على التكتلات الاستيطانية الكبرى، ولكن قبل اتهام نتنياهو بالخيانة، وأنه يفتقر إلى الشجاعة للوقوف فى وجه الضغوط الأمريكية، فإن الاستعراض النزيه للخيارات التى واجهها أمر مبرر، فالسياسية قبل كل شىء هى فن الممكن». وأوضح ليبلير «لكى يصل إلى قراره، اضطر نتنياهو أن يأخذ فى اعتباره عنصرين: أولا أننا نعتمد على الولاياتالمتحدة فيما يخص تفوقنا العسكرى والتكنولوجى، والتى بدونها قد نواجه الجحيم. بالإضافة إلى ذلك فإن غياب الدعم العالمى الذى تقدمه الولاياتالمتحدة لإسرائيل واستخدامها حق الفيتو فى الأممالمتحدة، سيكون لأوروبا مطلق الحرية فى التصديق من جانب واحد على إقامة دولة فلسطينية، والتى يمكن الاستيلاء عليها سريعا من قبل حماس». وتابع قائلا: «ثانيا: فإن الولاياتالمتحدة واحدة من البلدان القليلة جدا التى لا يزال الرأى العام فيها يؤيد إسرائيل بشكل كبير. فأى إدارة أمريكية تميل إلى تبنى سياسات من شأنها أن تقوض بوضوح أمن إسرائيل قد يفجر ردود فعل كبيرة لدى العامة».