استقبل المتظاهرون، كعادتهم دائماً، كبار المسئولين فى الاجتماع الوزارى السابع للمنظمة باحتجاجات عنيفة، ولكن هذه المرة وصل الأمر إلى حد تحطيم نوافذ جميع المبانى الموجودة على الطرق المؤدية إلى المنظمة، بالإضافة إلى إشعال النيران، ويخشى البعض من أن تكون الأزمة العالمية بمثابة القشة التى ربما تقسم ظهر المنظمة. تطوير نظام العمل بمنظمة التجارة العالمية، والتعرف على التحديات التى تواجه التجارة العالمية فى ظل الأزمة المالية، إلى جانب تقييم المناخ الاقتصادى العالمى الراهن، المحاور الأساسية التى سيتناولها المؤتمر الوزارى السابع للمنظمة، الذى سيبدأ فاعلياته اليوم بمدينة جنيف بسويسرا، والمقرر له أن يستمر لمدة ثلاثة أيام متتالية. ويحظى هذا الاجتماع بأهمية خاصة، فقد طال انتظاره والتحضير له، حيث لم تُجر المنظمة اجتماعا رسميا لها منذ اجتماعها الأخير فى هونج كونج فى عام 2005، كما يقول وليد النزهى، رئيس الإدارة المركزية لشئون المنظمة بوزارة التجارة والصناعة، مشيرا إلى أن «اجتماع هذا العام سيكون سياسيا فى المقام الأول، وليس له طبيعة اقتصادية مثل الاجتماعات السابقة»، على حد قوله. وكانت مفاوضات المنظمة قد توقفت منذ اجتماعها الأخير فى هونج كونج فى 2005، فمنذ هذا التاريخ، لم يتم عقد اجتماع رسمى لأعضائها، وإن كان هناك أكثر من 3 اجتماعات غير رسمية تم عقدها خلال هذه الفترة، فشلت كلها فى تقريب وجهات النظر فيما يتعلق بملفات الزراعة، والصناعة، والخدمات بين الدول النامية والدول المتقدمة. ثم جاءت الأزمة العالمية لتضيف عقبة أخرى أمام استئناف المفاوضات الخاصة بتحرير التجارة، حيث إن العديد من الدول، حتى الكبرى، اتجهت إلى اتخاذ إجراءات حمائية، تساعدها فى الخروج من الأزمة. ومن هنا تكمن أهمية هذا الاجتماع، الذى «سيمثل فرصة لممثلى مختلف الدول الأعضاء لمراجعة نظام العمل بداخل المنظمة»، كما قال باسكال لامى، المدير العام للمنظمة، فى تصريحات سابقة ل«الشروق»، مؤكدا أهمية الاستفادة من هذه الفرصة، للاتفاق على آليات ونماذج تمكن ال153 دولة الأعضاء من استئناف المفاوضات، ومن ثم الحفاظ على كيان المنظمة، «منظمة التجارة.. تكون أو لا تكون فى هذا الاجتماع»، على حد تعبيره. وكان لامى قد كشف ل«الشروق» فى نهاية الشهر الماضى أنه تم الاتفاق على 85 % من التنازلات المطلوبة من جانب الدول المتقدمة لصالح الدولة النامية، فيما يتعلق بالملف الزراعى فى جولة الدوحة، الذى كان السبب الرئيسى فى تعطيل المفاوضات، خاصة ملف القطن. وأضاف أنه لا يتبقى سوى الاتفاق على آليات التنفيذ، وتحديد الجدول الزمنى لإلغاء الدعم الحكومى الذى تقدمه الدول المتقدمة للقطن، والذى قد يستغرق فترة تتراوح ما بين سنة إلى خمس سنوات وفقا للمفاوضات، تبعا لقوله. إلا أن مدير المنظمة استبعد أن يتم الانتهاء من مفاوضات الدوحة خلال هذا الاجتماع، متوقعا أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائى فى 2010، إلا أنه رهن ذلك بالتوصل إلى صيغة نهائية لمطالب الدول النامية، وآلية لتنفيذها فى الاجتماع الحالى. وكانت السبب الرئيسى فى توقف مفاوضات جولة الدوحة، التى تهدف إلى تحرير التجارة بين الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية، هو الخلاف حول الملف الزراعى، تبعا لكيث روكويل، رئيس وحدة المعلومات والعلاقات الخارجية، حيث انتقدت الدول النامية سياسات الدول المتقدمة فيما يتعلق بتقديم دعم كبير لمصدريها، مما يعطيهم ميزة تنافسية فى الأسواق على حساب منتجات الدول النامية، ولم ينجح الاجتماع غير الرسمى الذى عُقد فى 2008 فى جنيف فى إنقاذ الجولة. وهذا الأمر أدى إلى تعثر المفاوضات بأكملها، وذلك بالرغم من الإنجازات التى تم تحقيقها على صعيد ملفى الصناعة والخدمات، «لا يمكن الاتفاق على جزء دون الاتفاق على الكل»، على حد قول روكويل ل«الشروق». الصناعة والزراعة والخدمات.. حزمة واحدة فى الجولات السابقة على جولة الدوحة، كانت المفاوضات تسير بخطى أسرع، فمع بداية تعثر مفاوضات الدوحة فى 2001، التى ركزت فيها الدول النامية على الحصول على مزايا خاصة فيما يتعلق بملف الزراعة، قررت الدول ألا يتم الاتفاق على ملف واحد فقط، بل الثلاثة مجالات فى آن واحد. وفيما يتعلق بالملف الصناعى، فإنه تم الاتفاق على تخفيض التعريفات الجمركية، والعوائق غير الجمركية، بينما اختلفت الدول على نسب الإعفاء، والمواد الذى يتم فرض الإعفاء عليها. ولكن ظهر منذ عام 2005 ما يسمى بالمبادرات القطاعية، وهى أن تقوم مجموعة من الدول التى تتمتع بميزة تصديرية فى صناعة معينة، بالاتفاق فيما بينها على مبادرة للتصدير بدون تعريفة جمركية أو بتعريفة منخفضة للغاية، «على أن يكون ذلك تطوعيا»، كما تنص المبادرة. وبالنسبة لملف الخدمات، فبالرغم من أن الاتفاقات الخاصة به حديثة، حيث تم التطرق إليها فقط منذ جولة أوروجواى «1986 1993»، فإنه لا ينطوى على خلافات كثيرة بين الدول الأعضاء، وقد حدث به تقدم كبير، إلا أن الدول النامية علقت هذا التقدم، كوسيلة للضغط على الدول المتقدمة، للحصول على مزايا فى المقابل فى الملف الزراعى. أما الملف الزراعى، فهو عقدة المفاوضات، وبرغم نجاح الدول النامية، والدول الأكثر فقرا فى فرض مطالبها على الدول المتقدمة، إلا أن الأخيرة تماطل فى تنفيذها، خاصة فيما يتعلق بإلغاء الدعم المحلى والنفاذ إلى الأسواق. ويرى آتول كوشيك، مدير منظمة كونسيومر يونيتى آند تراست سوسايتى، إحدى المنظمات غير الحكومية فى جنيف، إن «الدول الكبرى بقدر ما تريد أن تأخذ، لابد أن تعطى، وإلا لتمتنع الدول النامية، الأكثر ضعفا، هى أيضا عن الالتزام بالتحرير»، على حد تعبيره. الدول النامية ترفع صوتها بالرغم من تلميحات الدول الأعضاء، منذ اندلاع الأزمة العالمية، على عدم استعدادها تقديم مزيد من التنازلات فى الجولة الحالية، إلا أنها «أدركت أخيرا أهمية التجارة فى مساعدتها على الخروج من الأزمة»، على حد قول روكويل، مشيرا إلى أن ما تم إنجازه بين ممثلى الدول على المستوى الفنى وعلى مستوى الاتفاقيات فى الأشهر التى سبقت الاجتماع يدعو إلى التفاؤل. وترى سميحة فوزى، مساعد أول وزير التجارة، إن الدول النامية «اكتسبت وزنا خاصا فى المفاوضات خلال الفترة الأخيرة، لما تمثله من بوابة تجارية مهمة للدول الكبرى، تمكنها من فتح أسواق جديدة أمامها، الأمر الذى يسهم فى دفع النمو»، تبعا لفوزى، معتبرة أن الدول النامية اكتسبت أيضا «المهارة والحرفية التى تمكنها من الدفاع عن حقوقها، والتمسك بها». وكما يقول مصدر مسئول فى إدارة التجارة العالمية التابعة لوزارة التجارة، لقد استطاعت الدول النامية، مؤخرا، فرض مطالبها على الدول المتقدمة، والاختلاف الآن حول آليات التنفيذ. ويرى كوشيك إنه «يجب على الدول النامية من الآن فصاعدا ألا تقبل تنازلات تضيف أعباء عليها»، خاصة أن «الدول المتقدمة ستكون أشرس خلال المفاوضات القادمة، لما تتعرض له من ضغوط اقتصادية نتيجة للأزمة العالمية»، بحسب تعبيره.