ترجل من سيارة فى شارع ويلمزلو بمدينة مانشيستر البريطانية، واقتحم المقهى يحمل على كتفه العلم الجزائرى. كانت الساعة تقترب من السابعة والنصف مساء، بتوقيت لندن، حين اجتمع ما يقرب من 80 عربيا، أغلبهم من المصريين، فى مقهى «ليالى مصر» فى الشارع الطويل الذى يضم على جانبيه مقاهى ومطاعم ذات أجواء عربية. اعترضه صاحب المقهى المصرى عند المدخل، محاولا منعه من استفزاز المصريين فى الداخل، وحاول العراقيون العاملون معه مساعدته فى ذلك «لتجنب حدوث أزمة»، هكذا قال. كان الحزن يخيم على المكان، ساعد فى ذلك الإضاءة الخافتة فى الداخل. جلس هشام مع أصدقائه معلقين أعينهم وآمالهم على شاشات التليفزيون. هشام يدرس الماجستير فى جامعة مانشيستر واشترى علم مصر من على الإنترنت خصيصا لمباراة مصر والجزائر. «اتعرض علىّ 50 استرلينى علشان أبيعه». لكن هشام رفض أملا فى أن يحتفظ به حتى مباريات كأس العالم العام المقبل. التوتر كان باديا على وجهه أثناء المباراة وإن حاول وأقرانه الاحتفاظ بقدر كبير من الهدوء. كان متنفسهم ربما فى أنفاس الشيشة التى تقدم لهم، ولكن ليس دائما. «يا بنى شوط»، «هى دى»، صياحات انطلقت عندما اقترب أبوتريكة من مرمى الجزائر قبل أن ينجح الحارس فى اختطاف الكرة. «ياااه، الظاهر كده ما فيش نصيب»، قالها إسلام القادم للمدينة فى زيارة عابرة. «ما فيش حظ»، ترددت كثيرا فى أروقة المقهى الصغير، عقب محاولات عديدة أخفق فيها المنتخب المصرى فى هز الشباك الجزائرية. «مصر. مصر. مصر»، انطلقت مع تصفيق بالأيدى، بدأها السعوديون ورددها معهم العراقيون، ثم المصريون على قدر كبير من الاستحياء وهم يعدون الدقائق الباقية من المباراة. «إيه يا حكم؟!» انطلقت الصرخة من الأفواه تطالبه بضربة جزاء عندما اعترض لاعب جزائرى زيدان وهو داخل المربع. «خلاص»، قالها فتحى «تلاتة، اتنين، واحد» ويصفر الحكم. أجهش إسلام بالبكاء، وساد الصمت المكان، وقف الجميع لدفع الحساب ومغادرة المقهى، الذى توقف العاملون فيه عن خدمة الزبائن تقريبا طوال الشوط الثانى من المباراة، مفضلين متابعة ما يجرى على الشاشة. خرج فتحى ليدخن سيجارة. دقائق وانطلقت كلاكسات السيارات فى الشارع البريطانى الهادئ. وشباب وأعلام جزائرية فى سيارات أبطأت من حركتها أمام «ليالى مصر». يشيرون أحيانا بعلامة النصر وأحيانا صيحات غاضبة، فى وجه المتوقفين أمام مدخل المقهى والمقاهى المجاورة. «يالا نمشى، وبلاش نستفزهم»، قالها هشام لعلياء التى حاولت الرد على أحد الجزائريين. دقائق أخرى وظهرت سيارات الشرطة ثم عاد الهدوء إلى الشارع. غادر المصريون ليتابعوا الأخبار عبر اتصالات من الأصدقاء أو الأهل فى مصر وأوروبا. فى الصباح كان الخبر الذى يتردد هو توقف حركة القطارات من مانشيستر إلى لندن بسبب ما قيل إنه «إلقاء جزائرى لرجل مصرى على قضبان السكة الحديد».