النعماني يلتقي أعضاء هيئة تدريس طب سوهاج لتحديث المناهج    نقابة الصحفيين تستضيف سفير تركيا اليوم    محافظ أسيوط يفتتح المسرح المركزي والمعرض الدائم لإدارة أبنوب بمدرسة رفاعة الطهطاوي    20 ألف جنيه، احجز شقة كاملة التشطيب بالإسكان الاجتماعي    19 سبتمبر 2024.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    رئيس مدينة منيا القمح بالشرقية يناقش استعدادات استقبال العام الدراسي الجديد    19 سبتمبر 2024.. أسعار الحديد والأسمنت في المصانع المحلية اليوم    الكهرباء تفسر أسباب تأخر تطبيق خطة تخفيف الأحمال    تصريح عاجل من وزير الصحة اللبنانى بشأن ضحايا انفجارات البيجر    هل طلب الأهلي تأجيل بطولة السوبر المصري؟    ضبط 10 أطنان دقيق خلال حملات أمنية ضد محاولات التلاعب في أسعار الخبز    التعليم تكشف آخر موعد للالتحاق بفريق عمل مدارس التكنولوجيا التطبيقية    الأوبرا المصرية تقدم العرض الأول لفيلم 'مدرسة أبدية' بنادى السينما    الرعاية الصحية بالأقصر تستقبل وفد اليونيسيف لبحث مشروع الطاقة الشمسية (صور)    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية إكياد البحرية بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    البيت الأبيض ينفى اشتراكه في هجوم لبنان امس    تداول 43 ألف طن بضائع بموانئ البحر الأحمر    هل يضحي الأهلي بمعلول أو تاو في يناير؟ شوبير يكشف التفاصيل    «التنمية الحضرية» يطرح شقق سكنية بأسعار ميسرة لأبناء السويس.. وبدء الحجز الأحد المقبل    تعديل المخططات التفصيلية ل4 قرى بمحافظة الدقهلية    الصيف يودع.. الأرصاد تحذر من طقس شديد الحرارة خلال ل48 ساعة المقبلة (تصل ل42 درجة)    تفاصيل مناظرة النيابة لجثة سيدة سقطت من الأسانسير بمدينة نصر    خلافات سابقة.. حبس المتهم بقتل حارس عقار خلال مشاجرة في الجيزة    وزير الري يتابع جاهزية التعامل مع موسم الأمطار الغزيرة والسيول    الأوبرا تقدم العرض الأول لفيلم مدرسة أبدية بنادي السينما    نيويورك تايمز: إسرائيل أنشأت شركة وهمية لإنتاج أجهزة الاتصال اللاسلكية المزودة بالمتفجرات    إسرائيل تقدم مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار بغزة يشمل بندا خاصا بالسنوار    بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لسلامة المرضى.. الصحة: ملتزمون بتحقيق أعلى معايير الرعاية    تقديم 3 ملايين خدمة صحية بالمنيا ضمن حملة "100 يوم صحة".. صور    الاستخبارات الأمريكية: إيران عرضت على حملة بايدن معلومات مسروقة من حملة ترامب    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    فريق صحة الإسماعيلية يشارك باحتفالية تكريم السيدات بمكتبة مصر العامة (صور)    لهذا السبب.. صلاح عبدالله يتصدر تريند "جوجل"    بوريل يرحب باعتماد الأمم المتحدة قرارا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين    صباحك أوروبي.. إحباط أرتيتا.. ضربة لمانشستر سيتي.. وثورة في يوفنتوس    القصة الكاملة لمحاكمة أحمد ياسر المحمدي.. اللاعب متهم باستدراج فتاة أجنبية واغتصابها.. والمتهم: "اللي حصل برضاها وأنا باخد دواء للأعصاب"    جدول مباريات اليوم.. برشلونة أمام موناكو.. مواجهتي أرسنال وأتلتيكو.. وظهور ديانج    جدول ترتيب الدوري السعودي قبل مباريات اليوم الخميس.. صدارة ثلاثية    جامعة العريش تُطلق أول مسابقة للقيادات الإدارية    بعد نجاح كوبليه "شكمان الصبر مفوت"..ما علاقة أحمد حاتم ب تأليف الأغاني؟    "الراى الكويتية" تبرز تأكيد الرئيس السيسى على دعم لبنان.. وحرص مصر على أمنها    إجهاض إيمان العاصي في مسلسل برغم القانون يجذب الأنظار.. «مشهد مبدع»    قصف غزة.. الاحتلال يعتقل شابا بعد محاصرة منزله في كفر راعي جنوب جنين    المجلس القومي للمرأة يواصل معركته ضد من يسيء للسيدات    لاعب الزمالك يطلب الرحيل عن الفريق قبل مباراة الأهلي.. عاجل    برج القوس.. حظك اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024: لا تلتفت لحديث الآخرين    «أيام الفقر وذكرياته مع والده».. ماذا قال الشاب خالد في برنامج بيت السعد؟ (تقرير)    حكم صلاة الاستخارة للغير.. هل تجوز؟    كيفية الوضوء لمبتورى القدمين واليدين؟ أمين الفتوى يوضح    «افتراء وتدليس».. رد ناري من الأزهر للفتوى على اجتزاء كلمة الإمام الطيب باحتفالية المولد النبوي    اتحاد الكرة: تغيير لائحة كأس مصر وارد ليس لمجاملة الأهلي    موعد مباراة مانشستر سيتي وأرسنال في الدوري الإنجليزي.. «السيتيزنز» يطارد رقما قياسيا    حامد عزالدين يكتب: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم    بشاير «بداية»| خبز مجانًا وقوافل طبية وتدريب مهني في مبادرة بناء الإنسان    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    كشف حقيقة فيديو لفتاة تدعي القبض على شقيقها دون وجه حق في الإسكندرية    صلاح التيجاني: والد خديجة يستغلها لتصفية حسابات بعد فشله في رد زوجته    الفنانة فاطمة عادل: دورى فى "الارتيست" صغير والنص جميل وكله مشاعر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كمال إمام.. وداعا
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 10 - 2020

نعاه شيخ الأزهر قائلا: «لم يدخر جهدا فى خدمة الإسلام والمسلمين، وترك إرثا كبيرا فى مجال الفقه الإسلامى، وفقدنا بموته عالما من أبرز علماء الشريعة فى العصر الحاضر، ومشددا على أن كتبه ومؤلفاته وخاصة فى مجال مقاصد الشريعة ستظل مقصدا لطلاب الدراسات الإسلامية حول العالم».
كما نعاه مجمع البحوث الإسلامية الذى يوازى هيئة كبار العلماء بكلمات مؤثرة ونعاه مفتى الديار المصرية د/شوقى علام مشددا على دوره فى تجديد الفكر الإسلامى وخدمة دار الإفتاء على مدى عقود وأن مؤلفاته فى مقاصد الشريعة والإفتاء والفقه وأصوله استفاد منها مئات الباحثين.
لم يكن د/إمام مجرد أستاذ جامعى ولا كبير المذيعين فى إذاعة القرآن، ولا مديرا لتحرير مجلة المسلم المعاصر لعشرين عاما كاملة، ولا عضوا فى مؤتمر القمة العالمى لحوار الأديان فى نيوريوك، ولا مؤلفا لأكبر موسوعة علمية فى مقاصد الشريعة، ولا شريكا أساسيا فى إخراج أقوى مجلة عالمية فى علم صعب وهى مجلة «الفقه المقارن»، ولا معدا أساسيا لمشروعات قوانين كثيرة فحسب.
إنه أكبر من ذلك كله فقد كان موسوعة علمية شاملة تمشى على الأرض فى تواضع الحكماء ودقة العلماء، لا تفاتحه فى علم من هذه العلوم الدقيقة إلا وجدت ينابيع العلم والحكمة والفكر الرصين تتدفق منه، فلا تعجب لأنه أفنى حياته كلها لله والعلم والدين والفقه والوطن.
وكان يردد دوما مقولته المأثورة: «الفقيه بحق عليه ألا يعرف مجتمعه فحسب، ولكن عليه أن يعرف عصره كله، وعليه أن يتعرف على الحضارة الإنسانية كلها بوجهيها الإيجابى والسلبى».
أما عن الخلطة السحرية التى كونت عقل د/كمال فقد امتزجت فيها جدية ورجولة الصعيدى وشهامته وصرامته، وبيئة إسنا مقر العلم والعلماء والقضاة والشجعان، مع تكوينه الأكاديمى الصارم بحثيا وعلميا، فضلا عن كونه ثالث ثلاثة كونوا النواة الأولى لإذاعة القرآن الكريم بعد أن تحولت من كابينة استماع تبث القرآن فقط إلى إذاعة كاملة سنة 1975 وكان معه العملاقان د/عبدالخالق عبدالوهاب والمرحوم عزت حرك، وكان كل منهم يتولى إدارة أنشأها من الصفر حتى القمة.
ومن خلال هذه الإذاعة الوليدة تعرف عالمنا على كل فقهاء وعلماء وشعراء مصر حيث قدمهم جميعا فى برامجه، وهذه الفترة أفادته معرفيا وعمليا، ونقلته من الأكاديمية البحتة التى تهم الخواص إلى اللغة الإنسانية الرقراقة التى تصل لكل شرائح المجتمع.
كانت برامجه «عيون التراث الإسلامى»، قادة الفكر الإسلامى «من فيض الإيمان» «ومأدبة الله» وغيرها تنقل صوته الصعيدى المعروف والمميز إلى المستمعين جامعا لهم بين «الأصالة والمعاصرة» والواجب الشرعى ممتزجا بالواقع العملى «رابطا بين «الدين والحياة»، مؤلفا «بين مقاصد الشريعة ومتطلبات الحياة».
كانت حواراته وإطلالاته الإذاعية غاية فى التميز تدعمها خبراته وعلمه ودكتوراه الحقوق التى يحملها، انتقل بعدها للتدريس فى قسم الشريعة بحقوق الإسكندرية العريقة حتى أصبح رئيسا للقسم.
حارب طوال حياته تطرفين، التطرف العلمانى الذى أراد إلغاء النص من الحياة، وأن الدنيا يمكن أن تستغنى عن هداية السماء وثانيها التطرف الإسلامى الذى يفصل النص عن الواقع، ويفصل الدين ونصوصه عن مقاصد الشريعة الكلية، أو يريد تنحية العقل حتى لو كان ذلك فى فهم النص والتأمل فى حكمته وكل ذلك دفعه للتخصص الدقيق فى علم المقاصد حتى صار يطلق عليه «أبو المقاصد الشرعية فى مصر» فهو مؤلف أقوى موسوعة علمية «فى مقاصد الشريعة» فى العالم، والتى ترجمت إلى العديد من اللغات.
العلماء الموسوعيون قلة ويتناقصون تدريجيا بالموت ليحل محلهم أناس رغبتهم فى المنصب والمال أكبر من متعتهم بالعلم، قلوبهم دائرة مع الدنيا فإن وجدت الدين فى الطريق فبها ونعمت، وإن افترقا اختارت الدنيا، يحبون قشور العلم ويكرهون التعمق فلا وقت لديهم للموسوعية التى غابت الآن فى معظم المجالات، لأن الموسوعية تحتاج إلى العالم صاحب الرسالة وليس الموظف الذى يهمه الترقى الوظيفى.
موسوعة المقاصد لأستاذنا المرحوم محمد كمال إمام تقع فى عشرة أجزاء وطبعت فى لندن وتسمى «الدليل الإرشادى لمقاصد الشريعة الإسلامية» وهى تدرس فى كل أكاديميات الفقه وأصوله فى العالم.
وعلم المقاصد من أشرف العلوم لأنه يمثل «روح النصوص» فالنص كالإنسان إذا فقد روحه وغابت عن الداعية أو الفقيه مقاصده لم ينجح لا فى فهم الدنيا ولا الدين، ولن يستطيع أحد الاستفادة من الفقه الإسلامى أو يطبقه فى الحياة العلمية دون فهمه لعلم المقاصد كما يردد دوما.
ويرى د/كمال إمام أن جزءا كبيرا من الخلل الذى أصاب الحركة الإسلامية فى مصر والعالم العربى نتج عن غياب علم المقاصد فى توجيه مسيرتها وتصرفاتها، فلو أنها أدركت فقط بندا واحدا من فقه المقاصد الشرعية «وهو حفظ النفس» ما وقعت فيما وقعت فيه من عنف وإراقة دماء أو صدام مسلح لم تجن من ورائه سوى الخسائر المتتالية لها وللدين وللوطن.
فالفقهاء قالوا «حفظ النفس» مطلقا، وليس حفظ النفس المسلمة، أو المؤمنة، أو التى تتبعنى دون سواها، ولكنه حفظ لكل الأنفس، نفس المسلم والمسيحى واليهودى والبوذى، وحفظ نفوس كل الجنسيات والأعراق والمذاهب.
ويعبر د/كمال عن ذلك بقوله: «قاعدة حفظ النفس مثلا فى المقاصد هى موجهة أساسا لمصالح الإنسان قبل الأديان» وهى تلزم الجميع حكاما ومحكومين ب«حماية كل الأنفس بلا استثناء».
وتلحق بها القاعدة المقاصدية «حفظ المال» وهى تحمى مال الجميع بغير استثناء المسلم وغير المسلم، مال الفرد والدولة، مال السائح والمستثمر، وكذلك أموال خصومى فى الفكر أو الدين أو السياسة أو المذهب.
كما تمنع هذه القاعدة مصادرة أموال الغير بغير حق، وتمنع وحدها كل أشكال السرقة والنهب والنصب والغصب والمصادرة.
وكما يعير عالمنا المقاصدى «المقاصد تحمى الجميع وأحكامها تسرى على الجميع».
ويرى عالمنا «أن الحركة الإسلامية لو طبقت فقط قاعدة تحصيل أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما، أو درء أعلى المفسدتين بقبول أدناهما، لأراحت واستراحت، وأغلقت على نفسها وغيرها أبوابا من الشرور لا يعلم مداها إلا الله، ولقبلت المتاح من الخير درءً للشر وتحصيلا للخير ولو أنها فعلت ذلك لما أغلقت الأبواب فى وجهها، وما سدت الآفاق أمامها وأمام غيرها ممن عوقب بجريرتها أو قاربها، وما وصلت إلى النفق المظلم الذى وصلت إليه».
قلت له: نعم، فقد كنا فى شبابنا لا نعلم عن هذه القواعد وأمثالها شيئا، وما كنا ندرى أن تطبيق قاعدة مقاصدية واحدة يمكن أن تنقذ مئات الأرواح من الموت أو السجن أو الصدام المروع.
فقال: «علم المقاصد يتحرك على الأرض فى كل شىء بدءًا من الفرد إلى الأسرة وصولا إلى الدولة والوطن، وقواعده تحمى الجميع وتسرى عليهم، وتسعدهم، وتحميهم من الآخرين وتحمى الآخرين منهم».
فحينما يطلق المقاصدى عبارة «حفظ العرض» فهو لا يحمى عرضك فقط من اعتداء الآخرين عليه ولكنه يحمى فى الوقت نفسه أعراض الآخرين منك، فالكل يستظل بالحماية والرعاية والأمان والسلام.
ويبدع عالمنا المقاصدى حينما يبسط الهدف من علم المقاصد بقوله: مقاصد الشريعة تعد بمثابة الروح العامة التى تؤدى إلى الربط بين الخير الذى يريده الله للناس والخير الذى يريده الناس لأنفسهم «وهذا يمثل أرقى ما وصل إليه الفكر السياسى العالمى الحديث الذى يهتم اليوم ب«حماية الخير العام للناس جميعا».
خمسون رسالة ودكتوراه أشرف عليها فى مصر وغيرها، وحاضر مرارا فى هارفارد وغيرها من كبريات الجامعات العالمية، ورغم ذلك لم يحصل على التقديرية من وطنه التى حصل عليها بعض المزورين فى الأبحاث فى الأيام الخوالى، سلام على العلماء المخلصين، وحملة رسالات السماء والمبلغين عن الله والموقعين عن رب العالمين، ومنهم د.كمال إمام صاحب الفقه الأكبر فى الشريعة الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.