عندما انتخب الأمريكيون فى الرابع من نوفمبر 2008 باراك أوباما ليصبح الرئيس الرابع والأربعين، توقع الكثيرون داخل وخارج الولاياتالمتحدة أن يحدث تغير كبير ودراماتيكى فى الحياة السياسية الأمريكية، وفى موقف واشنطن من القضايا العالمية المهمة. ويرى الكثير من الخبراء داخل الولاياتالمتحدة أن إدارة أوباما تسعى لإحداث تغيير حقيقى فى الداخل يقل معه نفوذ جماعات الضغط، ويزيد من الشفافية الحكومية، إلا أنه وبعد عام على انتخابه، تزداد دعاوى التشكيك فيما حققه أوباما حتى الآن، ويزداد التشكيك فى استمرار استخدامه عبارات تطالب بالتغيير الذى لم يأت هو به بعد. وورث أوباما أمة مأزومة داخليا وخارجيا، وطبقا لما ذكره رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس، فإن ثمة فرقا بين الحملات الانتخابية والحكم، فهناك اختلاف بين ما يقال أيام الانتخابات وما يجب على الرئيس اتخاذه.. هناك فارق بين الخطابات للاستهلاك المحلى وكسب الناخبين وتلك التى سيكون الرئيس ملتزما بها لتحقيق المصلحة القومية. فبينما استلم الرئيس السابق جورج بوش الرئاسة فى عالم يسوده السلام والأمن وقوات أمريكية فى فترة راحة طويلة وأسعار نفط بحدود 23 دولارا للبرميل ونمو اقتصادى يفوق 3 % وارتفاع فى قيمة الدولار أمام العملات الرئيسية العالمية، ودين أمريكى يقل عن ست تريليونات دولار، إضافة إلى رغبة دولية فى التعاون مع واشنطن بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، جاء انتخاب أوباما مصاحبا بإرث حربين فى العراق وأفغانستان، وتوسيع نشاط القوات الأمريكية فى باكستان، وارتفاعا فى أسعار النفط التى استقرت عند حاجز 70 دولارا للبرميل وانخفاضا فى قيمة الدولار، وتراجع التأييد والتقارب الدولى لواشنطن، وعجزا ماليّا فى السنة الأولى يصل إلى تريليون دولار وارتفاعا فى الدين إلى قرابة عشرة تريليونات دولار وتأزما اقتصاديا أمريكيا ودوليا غير مسبوق. وإذا كان هناك سبب أوحد يمكن إرجاع فوز أوباما إليه، فسيكون، دون أدنى مبالغة، هو شعار التغيير الذى رفعه خلال حملته الانتخابية. ولا يتعلق الأمر بمجرد كلمة «التغيير، بل لأن الشعار جاء من الشخص المناسب فى الوقت المناسب (احتدام الأزمات الأمريكية داخليا وخارجيا)، وبالطريقة المناسبة حملة انتخابية منظمة استطاعت أن توظف الشعار كما ينبغى». إلا أن هذا كله أدى بعد عام إلى إحباط من ثلاثة جوانب: 1 احباط التوقعات العالية: جاء نداء أوباما الداعى إلى التغيير ليخلق توقعات شعبية تقترب من الخيال، بسبب ما قدمه من وعود براقة. وعد بتوفير نظام الرعاية الصحية لكل الأمريكيين فى وقت يعانى فيه ما يقرب من 50 مليون أمريكى من كونهم خارج هذه الرعاية. ورغم نيل هذا الوعد فإنه غير واقعى. وتستعر المعركة بين إدارة أوباما والكونجرس على تفاصيل برامج إصلاح الرعاية الصحية، ولن تكون النتائج كما وعد أوباما، فلن يتم توفير التأمين الصحى لكل الأمريكيين. وسيدفع اوباما ثمنا سياسيا باهظا حال تصديق الكونجرس على مشروع الإصلاح، وستكون فاتورة تكلفة البرنامج مرتفعة للغاية، وتقترب من تريليون دولار، ويجب تذكر أن التأمين الصحى يمثل سدس حجم الاقتصاد الأمريكى. 2 صعوبة تغيير واشنطن: يمثل الأداء السياسى الأمريكى أسوأ ما فى واشنطن، ووجود دور بارز لجماعات الضغط يعكر من صورة ممارسة السياسة خاصة داخل أروقة الكونجرس. فاللوبى يتبنى سياسة التخويف، ويمارسها بالفعل على العديد من أعضاء مجلس النواب بصورة ناجحة للغاية، وبسبب تكرار الانتخابات كل عامين، لا يخاطر أغلب النواب بتبنى مشروعات قرارات دراماتيكية تعارض الوضع القائم، بدءا من التأمين الصحى، وصولا لقضايا الصراع العربى الإسرائيلى. واضطر أوباما للرضوخ للكثير من الضغوط من داخل حزبه وخارجه، وهو ما يظهر جليا فى ارتفاع نبرة إدارة أوباما ضد سياسة الاستيطان الإسرائيلية، ثم تراجع الإدارة على نحو بارز بسبب ضغوط اللوبى اليهودى بواشنطن، وعدم رغبة أوباما فى معارك إضافية فى هذا الوقت الحرج. 3 غياب إطار فلسقى واضح: فى عام 1992 تبنى الرئيس بيل كلينتون سياسة تدعو لمزيد من العولمة الاقتصادية والسياسية أمريكيا وعالميا، ودعم اقتصاديات السوق الحرة، مع دعم حكومى واضح للقطاع التعليمى. ثم تبنى بوش عام 2000 بوضوح سياسة يمينية واضحة، بدءا من أحادية قرارات السياسة الخارجية، وتهميش دور المنظمات الدولية، وصولا لغزو أفغانستان والعراق، وانتهاء بدعم مسيحية أمريكا، والدفاع عن مصالح رأس المال. ولم يعبر أوباما خلال السنة الأولى عن ملامح فلسفة واضحة لحكمه، فمن اليسار بالمعايير الأمريكية، بدأ بنداء لتوفير تأمين صحى، جزء منه حكومى، للجميع، وصولا لأقصى درجات دعم قطاع الأعمال الخاص الأمريكى بما يقرب من تريليون دولار، بأموال دافعى الضرائب، وهو ما أدى لاحقا إلى مقاومة الجمهوريين لرغبته فى دور أكبر للحكومة فى إدارة الاقتصاد. ولم يتبق سوى سبعة أسابيع على موعد إغلاق معتقل جوانتانامو، حيث لا تزال واشنطن تحتجز أكثر من مائتى مشتبه فى علاقاتهم بالإرهاب، وقد وعد أوباما بإغلاقه فى أول أيام حكمه، مما زاد من شعبيته خارج الولاياتالمتحدة، إلا أنه لا سيناريو واضحا حتى الآن لما سيكون عليه مصير المعتقل أو مصير المعتقلين.