شيخ الأزهر يلتقي مسلمي تايلاند في بانكوك "صور"    أسعار الذهب اليوم الأحد 7 يوليو 2024    انخفاض أسعار النفط مع تهدئة التوترات ومخاوف انقطاع الإمدادات    أسعار الأسماك اليوم 7 يوليو 2024 بسوق العبور    عمرو موسى: هجمات 7 أكتوبر جاءت نتيجة تجاهل الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي    كييف: معارك ضارية لا تزال مستمرة في شرقي أوكرانيا    استعدادا لأولمبياد باريس.. الننى وزيزو ينضمان لمعسكر المنتخب الأولمبى اليوم    6 مواهب صاعدة خطفت الأضواء من النجوم الكبار في يورو 2024 .. تعرف عليهم    ضياء السيد: رفعت صاحب شخصية قوية منذ صغره وكنا نستعد لعودته للملاعب    «الأرصاد»: طقس الأحد حار رطب.. والعظمى بالقاهرة 36 درجة    سر تصدر شيرين عبدالوهاب للتريند.. تفاصيل    حزب الله يستهدف موقع السماقة الإسرائيلي في تلال كفرشوبا اللبنانية    مظاهرات في إسرائيل تطالب بصفقة تبادل مع حماس وإقالة نتنياهو    "بسبب خلافات مع أبوه".. ضبط 4 متهمين خطفوا طالب في قنا    حالة الطرق اليوم، كثافات مرورية بشارعي رمسيس وشبرا مصر وكورنيش النيل ومحور 26 يوليو    المنافسة تشتعل، ترامب يطالب بايدن الاستمرار في الانتخابات الرئاسية    تركي آل الشيخ: شراكتنا مع «المتحدة» مهمة في عالم الفن «فيديو»    أوروجواي يتأهل لنصف نهائي كوبا أمريكا بعد الفوز على البرازيل بركلات الترجيح    تفاصيل إنقاذ لاعبي اتحاد طنجة من الغرق.. توقف البحث عن المفقودين بسبب الطقس    آخر تحديث.. سعر طن الحديد اليوم الأحد 7-7-2024    أول تعليق من التعليم على قيام سيدة بترديد اجابات الكيمياء أسفل نوافذ أحد اللجان    غرفة الصناعات الكيماوية: قطاع الصناعة سيشهد طفرة الفترة المقبلة    توقعات بارتفاع كبير لصادرات كوريا الجنوبية من السيارات في النصف الأول    حدث ليلا.. كارثة كروية في المغرب وأزمة منتظرة بفرنسا وإضراب شامل داخل إسرائيل |عاجل    كاريكاتير اليوم السابع يحتفى بالعام الهجرى 1446ه    نقابة الصيادلة: صناعة الدواء المصري الأفضل على مستوى الشرق الأوسط    واقعة غريبة، رجل يعض ثعبانا حتى الموت    قمامة وإشغالات.. محافظ القليوبية بجولة مسائية: تفعيل سياسية الثواب والعقاب ومحاسبة المتقاعسين (صور)    للمرة 227 خلال 14 عامًا.. انقطاع الكهرباء في جميع أنحاء نيجيريا    حادث مروع.. غرق 5 لاعبين من فريق مغربي شهير    "أطلع هُنا" رابط نتائج البكالوريا سوريا حسب رقم الاكتتاب عبر موقع وزارة التربية السورية moed gov sy    ذكرى استشهاد البطل أحمد المنسى في كاريكاتير اليوم السابع    اهتمام الرئيس السيسي أكسب الحوار الوطني ثقلا مجتمعيا وسياسيا.. والهدف خدمة الشعب المصري    خالد الجندي: هجرة الرسول تمثل القدرة على اتخاذ قرار.. ونتج عنها ميلاد أمة    نشوى مصطفى تتعرض لحادث بسيارتها.. وتعلق: "ربنا نجانى برحمته ولطفه"    كوبا أمريكا 2024| تشكيل منتخب البرازيل لمواجهة أوروجواي    حسن شحاته يطالب بفتح تحقيق في وفاة أحمد رفعت    وزير الأوقاف ومحافظ القاهرة يشهدان الاحتفال بالعام الهجري الجديد    خبراء صناعة: نتماشى مع توجه الدول ونعمل على تأهيل الشركات للتصدير    بحضور حسام حبيب.. جهات التحقيق تعاين الاستوديو محل الاعتداء على شيرين عبد الوهاب    ماذا يريد الشعب من الحكومة؟    مجلس التعاون الخليجى يدين قصف إسرائيل لمدرسة الجاعونى التابعة للأونروا بغزة    جمال شعبان يكشف مفاجأة عن سبب وفاة أحمد رفعت    سحر القهوة: تاريخها، فوائدها، وأثرها الثقافي في العالم    جمال علام: وفاة أحمد رفعت صادمة لجميع المنظومة.. وأجهزة صدمات القلب موجودة    الأكاديمية العسكرية المصرية تحتفل بتخرج الدفعة الأولى (ب) من المعينين بالجهات القضائية بعد إتمام دورتهم التدريبية بالكلية الحربية    حظك اليوم برج القوس الأحد 7-7-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    استدعاء شيرين عبدالوهاب للتحقيق في بلاغها ضد حسام حبيب بضربها    وفاة مسن ضربه أبناء شقيقه بعصا على رأسه في الغربية    الكلية العسكرية التكنولوجية تستقبل وفدًا من جامعة العلوم للدفاع الوطنية الصينية    اليوم غرة محرم.. العام الهجري الجديد 1446    بالأسماء، ترشيحات نقابة الصحفيين لممثليها في عضوية الأعلى للإعلام والوطنية للصحافة    آخر فرصة للتقديم.. وظائف خالية بجامعة الفيوم (المستندات والشروط)    أحمد دياب يكشف تفاصيل ما حدث لأحمد رفعت لاعب مودرن سبورت    عاجل.. رئيس مودرن سبورت يكشف تفاصيل عقد أحمد رفعت وقيمة راتبه المستحق لأسرته    احذروا.. تناول هذه الإضافات في الآيس كريم قد يشكل خطراً على الصحة    دعاء النبي وأفضل الأدعية المستجابة.. أدعية العام الهجري الجديد 1446    أيام الصيام في شهر محرم 2024.. تبدأ غدا وأشهرها عاشوراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بياصة الشوام».. رحلة الكمال على جسر النقص!
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 08 - 2019

لعل هذا النص الروائى المدهش من أكثر نصوص 2019 السردية ثراء، سواء فى بنائه أو فى أسئلته، ولا شك أنه من أفضل روايات هذا العام.
«بياصة الشوام» ل أحمد الفخرانى (دار العين)، عمل مركب ومتداخل الطبقات، يمتزج فيه الواقعى بالأسطورى، والاستلهام من النصوص الدينية، بسحر التجربة الصوفية، يحضر الإنسان فى هذا النص بكل ملكاته وقدراته: العقل بأسئلته، والروح بحيرتها، والعاطفة بجموحها، والجسد بشهواته، يمكن أن تصف النص بأنه تجربة روحية بالأساس، جهاد داخلى تجسد فى صورة متاهة سردية، أو رحلة صعود إلى أعلى، محاولة للوصول إلى الكمال، عبر جسر متداع من النقص والخذلان، وكلها أفكار صعبة يستلزم أن تعجن فى مادة الفن والجمال، والمدهش أن أحمد الفخرانى نجح فى ذلك بامتياز، وهو أمر لو تعلمون عظيم وشاق، ولذلك فإن «بياصة الشوام» تجربة جمالية، بقدر ما هى تجربة روحية.
أول ما يلفت النظر، أن الفخرانى منح روايته اسما واقعيا، هذا المكان موجود فى الإسكندرية فى العطارين، وهو اليوم سوق للملابس المستعملة، وهناك أيضا مطعم حقيقى موجود فعلا هو «ملك السمان»، ولكن الواقع أعيد بناؤه من جديد فى الرواية، لينطلق إلى آفاق تستوعب التجربة الصعبة لبطلنا الذى يحمل اسم سعيد، فكأن الفخرانى قد احتذى ببطله، الذى يريد أن يصنع تماثيل ليست كالتماثيل: لقد قام الروائى بصناعة تمثاله المكتوب، مازجا بين طين الكلمات، وماء الأفكار والأسئلة، فأصبحت البياصة فى الرواية مختلفة عن أصلها الواقعى.
جدل الواقع والخيال، والملموس والمجرد، هو فى صميم معنى الرواية وشكلها معا، والواقعى البسيط تخصه أيضا أسئلة سعيد؛ لأنها ببساطة أسئلة الإنسان فى كل مكان وزمان، حول الجسد والروح، والجهل والمعرفة، والخطيئة والتطهير، والخير والشر، الفارق فقط فى مدى معرفة الإنسان بذلك، والمعرفة فى الرواية تبدأ من الواقع والجسد بكل تفاصيلهما، لتصعد إلى الروح، المعرفة وحدها هى وسيلة تخطى العقبة، وعودة الإنسان الناقص، إلى أصله السماوى.
الراوى يسرد على لسان سعيد، صانع التماثيل المثقل بالذنوب والآثام، والحالم بأن يصنع خلقا لا يقلد الواقع، وأن يصنع فنه الخاص وأصالته، ولكن الجدل يظهر أيضا بين الراوى وسعيد فى سطور مختلفة، وكأن سعيد يريد أن يمزق أقنعة الراوى، وكأنه يذكرنا أن الأسئلة تخص الجميع بمن فيهم الراوى، رغم أن التجربة والمعاناة من نصيب سعيد.
سعيد، كما قدمه الفخرانى من وراء قناع الراوى، يفقد الأب والأم معا، مشروع فنان يدخل إلى متاهة «بياصة الشوام» التى تبدو ليلا مثل جحيم أرضى، بمطعمها وفتواتها وشياطينها، حتى إدريس (بكل دلالات الاسم المرتبط بالحكمة وبصحائف المعرفة)، صاحب الورشة، يصبح مرشدا مختفيا، يلقى بأسرار أكثر مما يقدم إجابات.
وبين الورشة والبياصة، وبين اللذة وانفجار الجسد، وحضوره الواضح، وشفافية الرؤى الملهمة، يتعين على هذا البائس الناقص، ضعيف الإرادة والهمة، أن يصعد من مستوى البصقة المهملة، إلى مرتبة إزاحة الجبل، ليقود نفسه، ويقودنا معه، إلى حيث النور الخالص.
تقدم الرواية البديعة الإنسان، كما هو بكل نقائصه، ولكنها تقدم فى نفس الوقت قصيدة حب لأثمن ما يحمله الإنسان: السؤال، والفن، بل والجنون أيضا، وكلها قرابين من أجل المعرفة. تنقل «بياصة الشوام» أسئلة بطلها ومؤلفها إلى قارئها، تصهره فى أتون التجربة، تنبهه إلى أصله السماوى، وتلفت نظره إلى إرادته المندثرة، تبعثه مثل العنقاء من قلب رماد الذنب والخطيئة، تهشم ذاته لتجمع روحه، تأخذه من التحلى إلى التخلى، ومن متاهة الجهل، إلى أنوار العارفين.
«بياصة الشوام» تنحاز فى النهاية إلى الإنسان، تكتشف فيه تلك النفخة الروحية الإلهية، تعيده خليفة مستحقا للخلافة عبر جهاد مؤلم، يجاهد سعيد نفسه بالأساس، المعركة فى الداخل، ولا صعود إلا بالانتصار على التناقضات والقيود.
ساعتها فقط سيمتلك أصالته، وسيصنع تمثاله الفريد، وساعتها فقط سيتكشف له ما وراء الطين والماء والجسد، وربما سيعرف من خلال ذلك سر الجمال الخالد، وسيكون جديرا وقتها بأن يضع مثلث الحكمة الخاص به، على كل التمائيل التى صنعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.