«الصناعات الهندسية» ينجح فى جذب 5 شركات عالمية ويستهدف صادرات ب 6 مليارات دولار خلال 2025    «القاهرة الإخبارية»: طائرة إسرائيلية مسيرة تستهدف فلسطينيين شمال غزة    مسؤول سابق بالبنتاجون: «بايدن» يدعو دائما لوقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان    الإسماعيلي يعلن تعيين حمد إبراهيم مدربا للفريق خلفا لشوقي غريب    ضبط مسجل خطر بحوزته 1.5 كيلو حشيش غرب الأقصر    تأجيل أولى جلسات محاكمة إمام عاشور في واقعة التعدي على فرد أمن لجلسة 12 أكتوبر    متى نرتدي الملابس الشتوي؟.. الأرصاد تُجيب وتكشف حالة الطقس الأسبوع الجاري    طرح الصورة الأولى لفيلم "الحريفة 2"    قبرص: وصول أول رحلة تُقِل مواطنين أستراليين من لبنان    الرئيس السيسي يرأس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة    نادٍ إنجليزي جديد يزاحم ليفربول على ضم عمر مرموش    إصابة 13 شخصًا فى حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    الزمالك يسابق الزمن لتفادي إيقاف القيد مجددا    حسن العدل: انضممت للجيش قبل حرب أكتوبر بسنة وكانت المنظومة العسكرية منظمة    العراق: دفاعنا الجوي قادر على حماية أجوائنا    الإمارات تُطلق حملة إغاثة لدعم لبنان ب 100 مليون دولار    «الإفتاء» تنظم البرنامج التدريبي «التأهيل الفقهي» لمجموعة من علماء ماليزيا    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    إسرائيل تشن 5 غارات على ضاحية بيروت الجنوبية خلال الساعة الأخيرة    محافظ الجيزة يواصل لقاءاته الدورية مع المواطنين لبحث الطلبات والشكاوى    نقابة المهن الموسيقية ترعى مؤتمر الموسيقى والمجتمع في جامعة حلوان    عاجل.. تأجيل إعادة محاكمة متهم بتفجير فندق الأهرامات الثلاثة لحضور المحامي الأصيل    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 103 ملايين خدمة مجانية خلال 65 يوما    بعد انطلاق فعالياته.. 5 أفلام مصرية تشارك في مهرجان وهران السينمائي    صندوق مصر السيادي على طاولة "النواب" الأثنين المقبل    «العمل» تعلن عن 4774 وظيفة للشباب.. تعرف على التخصصات    خلال 24 ساعة.. تحرير 534 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    وزيرة التخطيط والتعاون تترأس اجتماع مجلس إدارة معهد التخطيط القومي    الكنيسة الأرثوذكسية تهنئ الرئيس والمصريين بذكرى نصر أكتوبر    القوات الروسية تحرر بلدة جيلانوي فتورويي في جمهورية دونيتسك الشعبية    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    التضامن تسلم 801 وحدة سكنية للأبناء كريمي النسب في 12 محافظة    حملة إشغالات مكبرة بمنوف لتحقيق الانضباط العام والسيولة المرورية    رئيس معهد التمريض بالتأمين الصحي في الشرقية: تكليف الطلبة بالعمل فور التخرج    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    إطلاق حملة لصيانة وتركيب كشافات الإنارة ب«الطاحونة» في أسيوط    «منظومة الشكاوى» تكشف عن الوزارات والمحافظات صاحبة النصيب الأكبر من الشكاوى    وزير التعليم العالي: لدينا 20 جامعة أهلية تتضمن 200 كلية و410 من البرامج البينية    ترشيدًا لاستهلاك الكهرباء.. تحرير 159 مخالفة للمحال التجارية خلال 24 ساعة    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    برلماني يحذر من مخاطر انتشار تطبيقات المراهنات: تسمح بقرصنة بيانات المستخدمين    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    إنتر ميلان يواجه تورينو اليوم في الدوري الإيطالي    شاهندة المغربي: استمتعت بأول قمة للسيدات.. وأتمنى قيادة مباراة الأهلي والزمالك للرجال    حاول إنقاذه فغرقا معًا.. جهود مكثفة لانتشال جثماني طالبين بهاويس الخطاطبة بالمنوفية (أسماء)    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    إسلام عيسى: انتقالى لسيراميكا إعارة موسم منفصل عن صفقة أوجولا    بلومبيرغ: البنتاجون سينفق 1.2 مليار دولار على الأسلحة بعد هجمات إيران والحوثيين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي وشخوصه في رحلة البحث عن الوجود
نشر في صوت البلد يوم 08 - 08 - 2013

في موازاة الأسطورة اليونانية التي تحكي عن الملك والنحات البارع بغماليون وتمثال غالاتيا المرأة الباهرة الجمال ، يبني أحمد عبد اللطيف في روايته الجديدة «كتاب النحّات» ( دار آفاق -القاهرة)، عالمه الروائي -وحكايات النحات مع تماثيله- بحيث ينتقل بطل الرواية النحات الشاب إلى جزيرة مجهولة في قارب صغير وحيدًا مع أشيائه البسيطة وصلصاله، وبعض الرسوم التي يحلم أن تصير منحوتات في يوم ما. لكنّ هذه ليست الأسطورة الوحيدة التي نجد لها صدى في رواية «كتاب النحات»، بل إن العمل الروائي ككل حافل بالدلالات والرموز.
حالة النحّات المتوحّد مع فنه في جزيرة خالية من البشر تستدعي روبنسون كروزو، مع الفارق في أسباب الوحدة، والأسئلة أيضًا. فالهواجس التي تشغل ذهن النحات هي أسئلة الوجود من جانب الفن. بيد أنّ الجزيرة في «كتاب النحات» لديها أكثر من وجه وحكاية، ففي البداية تبدو فيها شوارع واسعة خالية إلا من مقاصل وسلالم وبالوعات، وهذه الأشياء يكون لها دلالات رمزية في الفصل المعنون «حكايات مرافقة للتماثيل». وفي موضع آخر، تبدو الجزيرة عالمًا محوطًا بالماء من كل الجهات، وحول الماء صحراء لانهائية، وفي هذه الصورة يعود بنا الكاتب إلى المقولة الأولى، وهي أنّ العالم خُلق من ماء، خصوصاً، وأنّ هذه الدلالة تحضر في بداية «اليوم الثالث».
يتشكل المعمار الداخلي للرواية من فكرة إعادة الخلق، لدينا نحّات في جزيرة معزولة، أي أرض شاسعة يبني عليها عالمه عبر تماثيل يصنعها من الطين الممزوج بماء النهر، ويتركها في الجزيرة تحت أشعة الشمس حتى تجفّ وتدبّ فيها الحياة، وتصير كائنات شبه بشرية تمارس حياتها، تحبّ وتكره وتسيطر، ثم تعود إلى دورتها البديهية الأولى في الصراع من أجل البقاء.
يصنع المثال منحوتاته من فكرته عن أشخاص اختار لهم الحياة مجدداً، لأنهم كانوا تعساء في حياتهم السابقة، ولا يغيب عن واقع هذا الاختيار دلالة كلّ تمثال على حدة، ومدى ارتباطه بالميثولوجيا ، مع توظيف كلّ منحوتة لتكون مرتبطة بحكاية غيبية كبرى، كأن تجسّد المنحوتات في حياة النحات كلاًّ من: الأم، الأب، زوج الأم، رجل البرميل، وبائعة اليانصيب، وعروسة النهر، مع وضوح دلالات وجود الأم والأب وزوج الأم كونها ترمي لفكرة يقينية الانتماء للأم، في مقابل التشكيك بالنظام الأبوي، يتساءل النحات: «وأنا ابن من في الحقيقة؟» (ص 150).
الوجود والعدم
هكذا تتشكل لعبة الوجود والعدم في هذه الرواية، فالنحّات غير الموجود بالنسبة إلى تماثيله ليصير هو العدم بالنسبة إليها، في حين أنها كانت هي العدم قبل أن يصنعها، مجرد حكايات لأرواح رحلت. من المهمّ عند قراءة رواية «كتاب النحات» التوقف عند دلالة الشكل الروائي الذي اختاره الكاتب، فقد قسّم روايته إلى أربعة «أسفار»، وفي داخل كل سِفر أيام «ستة» تحمل دلالتها أيضًا في فعل الخلق، واقتصر «السفر الأول» على عناوين فرعية ترتبط بالحكايات المذكورة في النص، فيما بقية الأسفار تضمنت التقسيم وفق الأيام فقط.
يأتي فعل الكتابة كفعل موازٍ إلى جانب «النحت»، الذي يحضر في عنوان الرواية «كتاب النحات»، فالكتابة تحضر هنا كتدوين لعملية الخلق، فالتدوين موجود عبر كتابة النحات لحكايات تماثيله في «السفر الأول»، ثم اكتشافه سرقة التماثيل لتلك الحكايات: «أي يد ملعونة سرقت تاريخ تماثيلي؟ هل سيتحتم علي من جديد أن أدون التاريخ؟» (ص104).
لكنّ فعل الكتابة لا يختصّ بالنحات، لأنّ «عروسة النهر» المنحوتة البديعة التي اصطفاها لنفسه وأحبها بعدما دبت الحياة فيها تمارس فعل الكتابة أيضًا. النحات يكتب لها الرسائل كي تعود إليه بعدما هجرته، وعبر أوراقها تحكي بطريقة شهرزاد: «بلغني أيها النحات الطيب»، وفي مقتطفات حكايتها نجد إيجازًا للتاريخ البشري في السيادة التي انتقلت من الكلّ إلى الفرد، مع سيطرة الكاهن على العقول والأجساد.
هكذا يبدو أنّ الحكايات التي تحكيها عروسة النهر، على صغر مساحة السرد في أوراقها، تُكثّف الوجود البشري على سطح الأرض. وتحضر العلاقة بين النحات وعروسة النهر لتجسّد أكثر العلاقات تعقيدًا ودراماتيكية، ليس بين الرجل والمرأة فقط ، بل بين الإنسان والرمز. هي المنحوتة المتمردة التي تهجر النحات وتقول له في أسلوب بشري عذب: «أريد أن أفعل ما يخصني، وما ينبع من داخلي وينتمي إلي، لنتفق على أن لديك ما تفعله كنحات، وأن لدي ما أحياه في غيابك» (ص 157).
في السفر الثالث يرحل النحات عن الجزيرة، ويحضر صوت الراوي العليم من جديد بعد أن ظلّ حضوره مقتصرًا على الصفحة الأولى، يحكي عن غياب النحات وجهله بكثير من الحكايات: «هكذا رحل النحات عن الجزيرة قبل أن يرفع النقاب عن أسرار لم يطلع عليها، وبالتالي لم تضمها أسفاره» (ص 211). هنا يبدو الراوي العليم الكلّي القدرة في النص، ممسكاً خيوط اللعبة السردية، يتابع حكايات النحات وأبطاله. وبرغم ذلك لا يتدخل الراوي العليم في حياة النحات واختياراته، بل يزعم أنه ينقل الحكاية كما وصلت إليه تمامًا.
لكنّ الراوي العليم يشترك مع النحات ومع عروسة النهر بفعل الكتابة، هو يدوّن الحكاية كما وصلته من أوراق كثيرة، وفي داخل الحكاية الأولى حكايات أخرى لأبطال يدوّنون ماضيهم ومستقبلهم، فالنحات يعيد حكايته منذ البدء في «السفر الرابع»، يعيد نحت تمثال أمه بعدما هجر الجزيرة الأولى وترك مخلوقاته فيها وانتقل إلى جزيرة أخرى، وشرع يعمل على تماثيل جديدة.
يختتم أحمد عبد اللطيف روايته ببراعة توازي براعة السرد في البداية، فيحضر صوت الراوي العليم مشككًا في كلّ الحكايات والأساطير، كاشفًا عن ضعفه أيضًا حين يقول: «لسنا على يقين تام من أنها كل الأوراق التي كتبت، ولا كل الأحداث التي جرت، غير أن ما نأمله في نهاية المطاف أن يشكر سعينا، ويُرفع ذكرنا، وأن يضاف هذا الجهد إلى ميزان حسناتنا» (ص 231). وهو عبر تلميحه بهذا الشكّ، كأنّه يحيل القارئ إلى أسطورة أخرى غائبة أو محجوبة بفعل نحّات آخر، أو راوٍ آخر.
000
** نقلا عن ( الحياة )20 يوليو 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.