قد يقبل الجنرال ستانلى ماكريستال أى شىء سوى التسليم بالهزيمة فى أفغانستان. فى حين يعنى عدم حصوله على 40000 جندى إضافيين، ضياع كل شىء. وعلى غير المعتاد من ضابط قيادى وسط إحدى الحروب، صار القائد الأمريكى لقوات حلف الناتو فى أفغانستان محبوبا، هو وأفكاره. وذلك بالرغم من أنه يدعو إلى «استراتيجية جديدة». ولكن لم تلقَ مناشدته آذانا صاغية فى أمريكا. إذ أكدت استطلاعات الرأى أن أكثر من نصف الشعب الأمريكى لا يرى مصلحة لهم فى البقاء بأفغانستان. أما الرئيس باراك أوباما، الذى بدأ رئاسته مؤكدا أهمية أفغانستانوباكستان، فيبدو بشكل متزايد أشبه بأستاذ يحاضر فى وضوح ولكنه شارد الذهن. وهو فى حاجة إلى أن يكون قائدا أعلى للقوات المسلحة أكثر اشتباكا بالأمور. فشركاؤه فى الناتو متذبذبون بالفعل، وسوف يزيدون عما قريب ضغوطهم من أجل الانسحاب الكامل للقوات. لم تظهر بعد تكلفة الخسارة الهائلة فى أفغانستان أمام الرأى العام الأمريكى. وعندما تنسحب أمريكا والناتو، سوف تسارع القوى الإقليمية المجاورة مثل روسيا والصين وإيران إلى ملء الفراغ. ولن يكون أى منها متعاطفا مع مصالح أمريكا فى المنطقة. فى حين أن الباكستانيين المستائين فعليا وبوضوح من أمريكا، حيث تنتابهم إلى حد كبير مشاعر الحبيب المهجور، قد يجرفون إلى حافة الهاوية ويتبنون بالكامل اتجاه العداء لأمريكا. ولذلك فمن الأفضل تذكير أنفسنا دائما بأن باكستان دولة نووية. يركز ماكريستال اهتمامه فى الموضع الصحيح. ولأول مرة نسمع قائدا عسكريا فى قلب الميدان يستخدم كلمات مثل «احترام» الشعب الأفغانى و«الغطرسة» الأمريكية. إذ أصبح ماكريستال متفهما للبيئة الثقافية التى يخوض حربه فيها. ويعلم أن أفغانستان شهدت هزيمة عديد من القوى العظمى، من بينها الإمبراطورية البريطانية والسوفييت. ولم يكن لديه أى شك فى إلحاح المهمة، عندما طلب من زملائه فى واشنطن، حين أخبروه أنهم سوف يحددون له موعدا بعد مراجعة جداول أعمالهم، أن ينظروا بدلا من ذلك إلى ساعاتهم. ولكن هذا لا يكفى. فقد ورث ماكريستال حربا لها أهداف غامضة، ومن ثم استراتيجيات غامضة. وكما قيل لنا، فحرب أفغانستان تدور حول هزيمة طالبان والقاعدة، وحول إعادة بناء الدولة بحيث تتلاشى إمكانية أن يتوافر بها قاعدة أو مأوى لجماعات مسلحة معادية للغرب. ورغم أن القاعدة سوف تهمش إذا أمكن إنهاء وجودها فى أفغانستان، فإن طالبان الذين ينتمون إلى قبائل البشتون لا يمكن هزيمتهم فى موطنهم. وإذا كان ليس كل البشتون طالبان، إلا أن كل الطالبان بشتون فى واقع الأمر. وهكذا، فالأهداف العسكرية المعلنة محكوم عليها بالفشل. ويمكن على النحو نفسه النظر إلى جهود بناء الدولة الأفغانية.. فحتى الآن يؤكد هذا أهمية ضخ ملايين الدولارات فى بناء جيش وشرطة أفغانيين. وبسبب الطبيعة القبلية الغالبة على المجتمع الأفغانى، ففى كل الحالات، سوف تؤدى هيمنة غير الأفغان على هذه المؤسسات إلى حتمية ظهور اتهامات بالتحيز. وعلاوة على ذلك، فقد دربت قوات الأمن على التعامل فقط مع التهديدات الأمنية الفورية فى شكل رد فعل، أكثر مما تعمل على توفير قواعد القانون والعدالة التى تشكل أسس المجتمع القوى. ومنذ عقود، والشعب الأفغانى معتاد على مواجهة رجال مسلحين سواء كانوا سوفييت أم غربيين أم طالبان. وهم لا يرجون شيئا بإلحاح أكثر من السلام والاستقرار والأمن فى حياتهم. فما هو هدف الحرب الذى ينبغى لنا التركيز عليه إذن؟ هناك حاجة إلى استهداف بناء البنية التحتية الإدارية والقضائية التى من شأنها توفير الأمن والاستقرار للسكان، ونتيجة لذلك، تعمل على تهميش دور طالبان. ويمكنها فى الوقت نفسه، خلق أسس الدولة الحديثة. وإذ كانت تلك مهمة صعبة، فهى ليست مستحيلة. وتوجد مجمعات ومرافق تدريب ممتازة فى لاهور فى باكستان المجاورة. وحتى يكون لدى الأفغان بنياتهم التحتية الخاصة فى موطنهم، يمكن تدريب إدارييهم وقضاتهم المستقبليين فى سرعة وحرفية فى باكستان. وأخيرا، يجب أن تعقد انتخابات حرة وعادلة. ولا ينبغى أن تكون هناك حلول وسط فى هذا الصدد. فالانتخابات المتسمة بالفوضى التى أجريت مؤخرا وأعادت تأكيد رئاسة حامد قرضاى أقنعت كذلك الأفغان بأن الديمقراطية نظام معيب، وربما تكون أساليبهم القبلية أفضل على كل الأحوال. كما تحمل إقالة مبعوث الأممالمتحدة بيتر جالبريت كل بصمات التواطؤ الدولى. ينبغى أن تأخذ أمريكا وشركاؤها فى الناتو ما يقوله ماكريستال بجدية شديدة، وأن يوفروا له ما يريد من قوات. وذلك على الرغم من أن هذا لا يجدى إذا لم يوفروا له توجها جديدا أيضا: فلن يكون النصر ممكنا بدون تغيير الهدف والاستراتيجية. وفيما عدا ذلك، فقد يصبح مصير الجهد الأمريكى فى أفغانستان فى المستقبل القريب هو مقبرة التاريخ إلى جانب نظيريه البريطانى والسوفييتى. ولكن من التبسيط أن نسمى هذه حرب أوباما. كما أنها ليست حربا من أجل أمريكا. فهى حرب من أجل كرامة شعب انغمس لثلاثة عقود فى أفظع حرب أهلية نتيجة للسياسة العالمية الفاسدة. وإذا أدارت أمريكا ظهرها للأمر مرة أخرى، كما فعلت بعد إجبار السوفييت على ترك أفغانستان فى الثمانينيات، فربما يفقد الأفغان الأمل. وسوف يؤدى بهم هذا إلى الإحباط والغضب. وهناك مثل بشتونى يقول: «لقد أخذت بثأرى بعد مائة عام، وقد تعجلت فى أخذه». رئيس قسم الدراسات الإسلامية فى الجامعة الأمريكية فى واشنطن، وسفير باكستان السابق فى بريطانيا. Guardian News