بعد آخر ارتفاع ل عيار 21.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024 في بداية التعاملات    «الوز ب125 جنيهاً والرومي ب135».. أسعار الدواجن والطيور في أسواق الإسكندرية 23 أكتوبر 2024    المالية: التحول الاقتصادي بإفريقيا يتطلب جهودا مضاعفة لدفع حركة النمو والتنمية    الرئيس السيسي يصل مقر انعقاد قمة «بريكس» بمدينة قازان الروسية    لوفتهانزا تمدد تعليق الرحلات إلى بيروت وطهران حتى أوائل 2025    بالأسماء.. تشكيل الزمالك المتوقع ضد الأهلي في السوبر المصري    قمة برشلونة ضد البايرن الأبرز.. مواعيد مباريات اليوم الأربعاء    إصابة 11 شخصا إثر حادث تصادم بين أتوبيس وميكروباص في الشرقية    تحرير 553 مخالفة عدم ارتداء خوذة وسحب 1372 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    نشرة مرور "الفجر".. انتظام حركة المرور بشوارع القاهرة والجيزة    انتحار شاب شنقا في الدقهلية    ضبط سائق بشركة توصيل شهيرة لسرقته هاتف أجنبي ببولاق أبو العلا    وزيرة التضامن تدعو عددًا من المسنين لحضور حفل هاني شاكر بمهرجان الموسيقى العربية    فريق طبي بجامعة أسيوط ينقذ فتاة من جلطة حادة مفاجئة بالشريان الرئوي    تداول 19 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة و550 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    توقيع برتوكول بين الجهاز التنفيذي للمشروعات الصناعية والتعدينية وهيئة تنمية الصعيد    محافظ الغربية يكرم بسملة أبو النني الفائزة بذهبية بطولة العالم في الكاراتيه    رياح نشطة وأمطار على هذه المناطق.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم الأربعاء    بعد مقترح النائب محمد أبو العينين| خبير: خطوة نحو ربط التعليم بسوق العمل    وزير الخارجية الأمريكى: نرفض تماما إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة    عالمية القص منطق السرد السينمائى    مفاجآت الحلقة الأخيرة من "برغم القانون".. انتقام إيمان العاصى من أكرم    "وقولوا للناس حسنا".. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة عن القول الحسن    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين بمحافظة كفر الشيخ    ارتفاع حالات الإصابة بعدوى بكتيريا آكلة اللحوم في فلوريدا بعد موجة الأعاصير    تعاون مصري قبرصي لتعزيز الشراكات الصحية وتبادل الخبرات    رئيس فاكسيرا: توطين صناعة لقاح شلل الأطفال بالسوق المحلي بداية من 2025    جيش الاحتلال يعلن اعتراض مسيرتين قادمتين من الشرق في إيلات    «العمل» تُحذر المواطنين من التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية    وزيرة التنمية المحلية: زراعة 80 مليون شجرة بالمحافظات حتى 2029    كيف انشق القمر لسيدنا محمد؟.. معجزة يكشف جوانبها علي جمعة    "عبد الغفار" يُدير جلسة حوارية حول تعزيز حقوق الصحة الإنجابية وديناميكيات السكان    إصابة عامل بطلق نارى أثناء عبثه بسلاح غير مرخص بالمنشاه سوهاج    في زيارة مفاجئة.. وزير التعليم يتفقد 3 مدارس بإدارة المطرية التعليمية    «أونروا»: شمال غزة يشهد كارثة إنسانية في ظل انعدام مستوى الأمن الغذائي    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 23-10-2024 في محافظة البحيرة    عاوزين تخلوها صفر ليه، تعليق ناري من خالد النبوي على هدم قبة حليم باشا التاريخية    عمرك ما ترى حقد من «الحوت» أو خذلان من «الجوزاء».. تعرف على مستحيلات الأبراج    ارتفاع أرباح بيكر هيوز للخدمات النفطية خلال الربع الثالث    زعيم كوريا الشمالية يطالب بتعزيز الردع في مواجهة التهديدات النووية    نشرة المرأة والمنوعات.. فواكه تخلصك من رائحة الفم الكريهة.. سعر فستان هنا الزاهد في إسبانيا    عبد الرحيم حسن: شخصيتي في «فارس بلا جواد» كان «بصمة» في حياتي    أحمد عادل: لا يجوز مقارنة كولر مع جوزيه.. وطرق اللعب كانت تمنح اللاعبين حرية كبيرة    إبراهيم عيسى: اختلاف الرأي ثقافة لا تسود في مجتمعنا.. نعيش قمة الفاشية    هاريس: جاهزون لمواجهة أي محاولة من ترامب لتخريب الانتخابات    الكومي: فرد الأمن المعتدى عليه بالإمارات «زملكاوي».. والأبيض سيتأثر أمام الأهلي    منصور المحمدي يُعلن ترشحه لمنصب نائب رئيس اتحاد الطائرة بقائمة مخلوف    خبير يكشف موقف توربينات سد النهضة من التشغيل    أنتوني بلينكن: مقتل "السنوار" يوفر فرصة لإنهاء الحرب في غزة    مصرع طفل أُغلق على جسده باب مصعد كهربائي بكفر الشيخ    بعد إعلان اغتياله.. من هو هاشم صفي الدين ؟ (بروفايل)    دوللي شاهين تطرح برومو أغنية «أنا الحاجة الحلوة».. فيديو    إذا كان دخول الجنة برحمة الله فلماذا العمل والعبادة؟ أمين الفتوى يجيب    بركات يوم الجمعة وكيفية استغلالها بالدعاء والعبادات    البطريرك يلتقي عددًا من الآباء الكهنة والراهبات في روما    ملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد بروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    رئيس جامعة الأزهر يتابع أعمال التطوير المستمر في المدن الجامعية    أرسنال يعود لسكة الانتصارات بفوز صعب على شاختار دونيتسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب و(فراغ القوة)
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 10 - 2009

تعيش المنطقة العربية منذ عدة عقود فى حالة انعدام الوزن على المستويين الإقليمى والدولى، وأصبحت معها أرض العرب أرضا مستباحة، ويتسع نطاق تدويل قضاياها، ووصل الأمر إلى حد إقدام الولايات المتحدة السماح لإسرائيل على استخدام القوة المسلحة مرتين خلال عقد واحد، فى محاولة لتفكيك المنطقة العربية لإعادة تركيبها (العراق 2003 ولبنان 2006 وغزة 2008).. ألم تبشرنا كوندوليزا رايس بمخاض شرق أوسط جديد؟ وقد تمكنت المقاومة من إفشال هذه المخططات مرحليا.
وما كان يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل التعبير عن هذه الخطط بهذه الوقاحة والشروع فى تنفيذها بهذه الجرأة، وإسقاط أى خطوط حمر فى التعامل مع المنطقة العربية وشعوبها لولا غياب البعد القومى العربى والطوفان السياسى الذى عصف بروابط التضامن العربية، ومتاهة الخلافات العربية العربية المزمنة، والتى جعلت منطقتنا تشهد حروبا باردة عربية عربية، مما أدى لاختلال التوازنات الإقليمية لغير صالح الأمة العربية.
ولقد شهدت المنطقة العربية وعلى مدى عدة عقود ذبولا للقيم والمبادئ القومية، وأصبحت الأمة العربية معها أمة بلا بوصلة سياسية توجهها فى ظل غياب مرجعيات الاستناد القومية، أمة مستسلمة ومستباحة تعانى من أزمة الثقة فى الذات العربية ككيان جماعى، أمة لا تمتلك مشروعا قوميا سياسيا مشتركا، يبلور رؤيتها لمستقبل المنطقة وقضاياها. وتزايد بالمقابل اعتماد العرب على الأجنبى من أجل توفير حماية أمنية زائفة، بعد أن راجت تجارة التهديد والحماية فى منطقتنا.
ومازالت حملات التضليل تتواصل فى التعامل مع قضايانا القومية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية. فالفلسطينيون على أعتاب مفاوضات مع إسرائيل وهم أضعف الأطراف العربية، ويفتقدون الاحتضان العربى القومى الحقيقى والقوى لقضيتهم، ثم نلومهم على التنازلات، فى الوقت الذى ترفض فيه إسرائيل وقف بناء المستعمرات، ومازال حصار سكان غزه متواصلا منذ أكثر من عشر شهور. وما زالت الدول العربية تعلق الآمال على واشنطن التى تتعرض لضغوط قوية ومتواصلة من إسرائيل واللوبى الإسرائيلى، فى غياب ضغط عربى مواز وفعال رغم امتلاكنا لعناصره. ولن تدخل واشنطن تغييرا جوهريا على سياستها تجاه هذه القضية طالما ظلت مصالحها فى المنطقة العربية فى مأمن.
ومن ناحية أخرى كيف نتوقع تغييرا من الجانب الإسرائيلى؟ ألم نسقط حق المقاومة والمقاطعة من حساباتنا، وهى الآليات الوحيدة القادرة على كبح المخططات التوسعية الإسرائيلية وجعل إسرائيل تدفع ثمن عدوانها المتواصل. إن إسرائيل تريد سلاما بشروطها، أى استسلاما عربيا كاملا لمطالبها، مستعينة فى فرض ذلك بالدعم الأمريكى غير المحدود، وباستخدام القوة العسكرية المفرطة ضد العرب، على أساس قناعة عرقية سائدة لدى الإسرائيليين مؤداها أن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة.
ورغم هذه المهانة والتحديات انساق العرب وراء مقولة روج لها أعداؤهم وهى أن سر تخلفهم هو تمسكهم بالقومية العربية والعروبة، واتسع نطاق هذه المقولة لدرجة جعلت من الصعب أن تكون عربيا فى هذا الزمن الردىء، ناهيك أن تكون «عروبيا» فقد أصبحت هذه الصفة مستهجنة من بعض العرب الذين دأبوا على استخدام تعبير «قومجى» لتحقير من يتمسك بالفكر القومى، ودون أن يدروا أنهم بذلك يحقرون أنفسهم ويدمرون ذواتهم بأيديهم. وبالمقابل نجد الإسرائيليين يتمسكون بقوة بالفكر الصهيونى العنصرى وأحيوا لغة كادت تنقرض.
ولقد أدى انحسار الفكر القومى العربى، وعدم الحرص على تجديد مضامينه، وغلق باب الاجتهاد الدينى، واتساع نطاق استبداد الأنظمة العربية، إلى حدوث فراغ سياسى وخلخلة فكرية، سارعت التيارات الظلامية والمتطرفة والحركات التكفيرية لملئه. ومثل هذه الأفكار لا تنتعش أو تزدهر إلا فى عصور التدهور والانحطاط، والتى يسهل فيها إثارة النزعات المذهبية والطائفية العرقية.
وفى الواقع أن العيب الأساسى لم يكن فى جوهر الفكر القومى العربى المستنير، ولكن فى أسلوب تطبيقه فى التجارب الوحدوية القممية، الأولى من قبل أنظمة شمولية، وفشلت هذه التجارب دون أن تبكى عليها القاعدة الشعبية، لأنها لم تشارك فى بنائها.
كما استغل بعض القادة العرب الفكر القومى لتحقيق أطماع وطموحات شخصية، على نحو ما قام به صدام حسين فى غزو الكويت. وانتكست دعوة القومية العربية واشتدت الخصومة الشخصية بين القادة العرب، وأدى ذلك لمزيد من التمزق الفكرى والسياسى. كل ذلك وغيره ساهم فى إثارة شكوك ومخاوف غير مبررة من الفكر القومى.
ولقد كان الحصاد المر فى النهاية يتمثل فى أن العرب أصبحوا يعيشون فراغ القوة المرير فى جميع المجالات.
وبالمقابل راكمت إسرائيل عناصر قوتها، واستمرت فى تكريس فجوة القوة بينها وبين الدول العربية مجتمعة، ومدركة أن القوة فى السياسة هى كالجاذبية فى الطبيعيات، أساس مهم فى كل علاقة إقليمية أو ودولية وتلقى بظلالها على الطرف الآخر الأضعف فى أى تسوية أو تعامل إقليمى. وأصبحت إسرائيل، على هذا النحو، تتمتع بما يسمى ب«فائض القوة» بجميع عناصرها، مقارنة بمساحتها وعدد سكانها، مما يغريها دوما على التوسع والسعى للهيمنة على المنطقة العربية الرخوة. ألم تبق إسرائيل جميع خيارات الحرب والسلام مفتوحة، بينما اقتصر العرب على خيار وحيد وهو خيار السلام.. وأى سلام!!
ولا شك أن هناك أسبابا داخلية وأخرى خارجية لتفسير حالة العرب الراهنة. وفى تقديرى أن الأسباب الداخلية هى التى لعبت الدور الرئيسى فى هذا المسار الانحطاطى للعرب، وهى التى هيأت للتدخل الخارجى. فمصادر قوة أو ضعف أى نظام إقليمى هو مكوناته الأساسية، أى الدول الأعضاء فيه، فإذا قويت أنظمتها الداخلية قوى نظامها الإقليمى والعكس صحيح. والواقع العربى الراهن يفسر لماذا تم اختراق النظام العربى بشكل غير مسبوق سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ولماذا أصبح مصير قضايانا القومية يرتهن بالإرادات الإقليمية والدولية.
ومن المثير لدهشة وحيرة القوى المعادية لهذه الأمة، أن قوى المقاومة والممانعة العربية مازالت حية وتتجدد، رغم مخططات تطويعها. فقد أكد صمود المقاومة فى فلطسين والعراق ولبنان أن العرب مازالوا قادرين على تحمل الضربات ولن يرضخوا لوضعهم الراهن.
أليس من المفارقة أنه بعد 60 سنة من إنشاء دولة إسرائيل، أن يطلب الجلاد من الضحية الاعتراف بيهودية دولته؟ ألا يدل ذلك على شعور إسرائيل بأن شرعيتها مازالت منقوصة، وأنها لم تنجح فى كسر إرادة الشعب الفلسطينى المقاوم.
إن عناصر القوة بكل مكوناتها الناعمة والصلبة كامنة فى العالم العربى، وفى الإمكان لو استفاقت أنظمتنا من بياتها الشتوى الطويل أن تستنهضها لمواجهة تحديات الوجود والمصير. وما لم تصبح هذه الأنظمة على مستوى التحديات الراهنة، فلا نستغرب إذا ما أطلق علينا قريبا «الرجل المريض» فى الشرق الأوسط، على نسق الرجل المريض «العثمانى» فى القرن التاسع عشر، والذى تكالبت عليه القوى الدولية، وتصارعت لتتقاسم تركته وهو ما زال على قيد الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.