تحدثنا أمس عن الإيثار وما زال الحديث متواصلا لكن بعد أن نصلى على نبينا معلم الإيثار. فسيدنا جعفر بن أبى طالب مات يوم مؤتة وترك ثلاثة أطفال والصحابة ضعفاء فقراء، ووقف النبى صلى الله عليه وسلم يقول من يكفل أولاد جعفر؟ يقول الراوى: فخرج ثلاثة من الصحابة يتشاجرون: أنا يا رسول الله، بل أنا يا رسول الله. يقول الراوى: والثلاثة أفقر من بعضهم البعض، ويريدون أن يأخذوا 3 أولاد أيتاما، ونحن الآن إذا مات لأحد أخوه أراد أن يتخلص من ابنه اليتيم، ويلقى به على الأخ الآخر، ويضيع الولد. لكن جعفر بن أبى طالب كان لديه خلق الإيثار ولذلك أراد الله أن يبارك له فى أولاده ويتربوا جيدا، حتى أن النبى سماه: أبو المساكين. لن يستشعر المجتمع الطمأنينة ولا الأمان ولا الاستقرار إلا إذا اتبع خلق الإيثار، وتخيل معى ما يحدث الآن فى المجتمع، الرجل يعمل عمره كله ليلا ونهارا ليجمع الأموال ويمكن المرأة أيضا ولكن لماذا؟ حتى يضمنوا لأولادهم المستقبل الجيد ويتركوا لهم ما يكفيهم لماذا؟ لأنهم يعلمون أنهم إذا ماتوا سيشرد الأولاد، من الذى سيتكفل بهم؟ سيضيعون، فالدنيا كلها ذئاب، لكن بالله عليك لو المجتمع لديه خلق الإيثار، المجتمع كل سيعلم ويطمئن إلى أنه إذا مات الأب أو الأم سيجد من يتكفل بأولاده بل وسيتشاجرون على من يأخذه مثلما حدث مع أولاد جعفر بن أبى طالب لذلك خلق الإيثار مهم. يقول الإمام الغزالى فى الإحياء: الإيثار على ثلاثة منازل: الأولى: أن تنزل أخاك من نفسك منزلة الخادم فتطعمه وتعطيه مما يبقى منك ألا يحدث أن تتعامل مع أخيك كالخادم بعدما تنتهى أنت وتأخذ ما يكفيك تعطيه وهذا إيثار. الثانية: أن تنزله منزلة نفسك فكما تأخذ تعطيه. والثالثة: أن تنزله فوق نفسك، فتفضل حاجته على حاجتك. أولاده سيدخلون المدارس ولا يجدون ملابس، قبل أن تشترى لأولادك تشترى لهم. هذه هى منازل الإيثار الثلاثة، فاختر لنفسك منها. أعظم الإيثار فى هذه الدنيا: أن تؤثر مرضاة الله على مرضاة الناس، وأن تؤثر رضا الله على رضا من سواه وأن تؤثر رضا الله على هوى نفسك «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به»، مرضاة الله أولى. عندما نعيش لأنفسنا فقط نعيش حياة قصيرة، نولد صغارا ونموت صغارا، لكن عندما نعيش من أجل غيرنا نعيش كبارا وحياتنا تمتد بامتداد البشرية، وهذا كلام حقيقى إذا عشت لغيرك وليس لنفسك فقط ستجد سعادتك فى بسمة غيرك، وفرصتك فى فرصة غيرك، وستجد السعادة الكاملة عندما تجد من يدعو الله لك ويقول يارب ارض عنه كما أرضانى، لذة عجيبة، جربها ستجدها أعظم من اللذة التى كنت ستشعر بها إذا حصلت على الفائدة والمنفعة بمفردك. اختم بكلمة قالها رجل صالح وهو يموت: «يا بنيتى لم أعد أفزع من الموت ولو جاء اللحظة. لقد أخذت من الحياة كثيرا، أقصد أعطيت كثيرا هل فهمتها؟ أحيانا يا بنيتى يصعب التفرقة بين الأخذ والعطاء لأنهما عند المؤمن لهما مدلول واحد، فى كل مرة أعطيت فيها أخذت فيها، بل أخذت أكثر مما أعطيت. تعالوا لنجرب هذا الخلق يا كل قراء «الشروق»، وأرجو من الله تعالى أن ينفعنا به.