الذين قرأوا رواية "خريف البطريرك" للكاتب الكولومبي الشهير الحائز على جائزة نوبل للآداب جابريل جارسيا ماركيز، سوف يشعرون الآن وهم يتابعون سقوط أحجار الدومينو العربية، كما لو أن هذا الأديب الرائع كان يصيغ روايته وهو يتنبأ بما سيجري في العالم العربي.. لكنه في الواقع كان يرصد مستقبل أمريكا اللاتينية ويتوقع تحررها من ديكتاتوريات طبعت على قلوب شعوبها سنوات.. الرواية تدور عن ديكتاتور يعلن الحرب على كل منافسيه، من الأطفال إلى الكرسى البابوي في روما.. ويهتف وهو في ذروة خريفه: "عاش أنا.. يموت ضحاياه". لكنه في النهاية يجد نفسه وجها لوجه مع الموت، وينتهي زمن الأبديّة الذي كان يظنه ويراه. الوطن العربي يعيش في تلك الأيام زمن ثورة الشباب.. إنهم الوقود في مصر وتونس وليبيا واليمن والعراق، وفي تقرير مطول نشرته مجلة الإيكومنيست عن الثورة العربية، تحت عنوان "الصحوة".. جاء أن 52% في مصر تحت سن الخامسة والعشرين، وأن متوسط الخريطة السكانية في العالم العربى 45% تحت الخامسة والعشرين، وهم في ليبيا مثلا 47% من السكان، وفي اليمن 65%.. وهذا له دلالة مهمة. فالأجيال التى عاشت في ظلال تلك الأنظمة العربية سنوات طويلة، لم تكن متصلة بالعالم.. كانت أسيرة ومغيبة عن كوكبها وظلت مستكينة، ومستسلمة، وراضية بخطابات المن، والفتات الذي يلقى إليها من أموالها ومن حقوقها. هذا الشباب المستيقظ من الماء إلى الماء وجد في الثورتين المصرية والتونسية نموذجا، وسوف يرى هذا الشباب في الثورة الليبية كيف يمكن أن تنتصر الشجاعة على نيران نيرون، وعلى الاستبداد والطغيان وأسلحة المرتزقة.. لقد كانت احتفالات النصر في بنى غازي رائعة، لم يلتفت مواطن واحد من مئات الألوف الذين يهتفون لليبيا الجديدة، لم يلتفت إلى رفع الرواتب، أو إلى الهبات والعطايا الحكومية.. الشعوب العربية بشبابها أخذت تردد: "نعم نستطيع".. نعم يمكننا التخلص من أنظمة امتلكت أوطاننا وثرواتنا وخيراتنا وحريتنا.. نحن الآن نشهد خريف الكثير من الأنظمة العربية.. وأجمل ما في تلك الثورات أنها أطلقت الطاقات الإيجابية عند شباب الوطن العربي الذي بدأ يتحدث عن الوحدة السياسية أو الاقتصادية.. ولعل الأجيال القادمة تحتفل يوما بمولد الولايات العربية المتحدة.. وأسأل الله ألا يطول حلمهم 60 عاما كما طال انتظارنا لنسيم الحرية، والعدل والديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة.. كم هو جميل أن تختار الشعوب بإرادتها من يمثلها؟