هذه المقالات منتقاة من الصحف المختلفة ولا تعبر عن رأي الموقع، وإنما نقدمها لحضراتكم لإبداء الرأي فيها. واضح جداً أن حكاية الألتراس مع الكرة وأنديتها وملاعبها وشماريخها وعنفها باتت أكبر وأخطر وأكثر تعقيداً من كل ظنوننا وتوقعاتنا.. ومن المؤكد أن ضمير المتكلم هنا لا يرجع لى أنا وحدى.. إنما هم كثيرون جداً الذين يفتحون الآن كل ملفات الألتراس والكرة المصرية.. دائرة ضخمة تضم داخلها كل الآراء والأحكام المتناقضة.. بداية من معجبين بالألتراس ومتعاطفين معهم ومدافعين عنهم طول الوقت مهما جرى.. إلى خائفين منهم ومن غضبهم وألسنتهم وأيديهم التى قد تطال أى أحد فى أى لحظة.. أو رافضين لهم يتعاملون معهم باعتبارهم شبانا مدللين يملكون فائض المال والوقت بلا قضية حقيقية.. وهناك أيضاً الذين يحاولون استخدام الألتراس لمصلحتهم الكروية أو الإعلامية وكسب مزيد من الشهرة والأضواء سواء بهجومهم العنيف على الألتراس أو انتظار رد الألتراس الأكثر عنفا.. وفى الأيام القليلة الماضية اتسعت الدائرة أكثر لتشمل أولئك الذين أدخلوا شباب الألتراس.. بالقصد والعمد أو الجهل والغفلة.. إلى عوالم السياسة والأحزاب والانتخابات البرلمانية المقبلة.. بعضهم يكاد يقسم على أن الألتراس بمختلف ألوانهم تحالفوا مع بعض القوى السياسية وأصبحوا شركاء أو أدوات لهذه القوى.. وأن سلوكهم المائل للتصعيد والمواجهة والباحث مؤخرا عن أى صدام مع قيادات الأمن وكرة القدم ليس سلوكاً تلقائياً نتيجة انفعال عشاق مجانين لأنديتهم أو لكرة القدم وإنما كان صفقة عقدها رئيس أحد الأحزاب الجديدة مع بعض قادة الألتراس بقصد إشاعة المزيد من الفوضى والتوتر الأمنى والاجتماعى يحتاج إليها الآن هذا الحزب الجديد.. وأن رئيس ذلك الحزب هو الذى يتكفل حالياً بجميع نفقات الشماريخ التى تشتعل فى الملاعب وبقية فواتير الشغب والاحتجاج الصاخب الذى يتغطى بعباءة كرة القدم وأقنعتها.. والبعض الآخر يتهم الألتراس بالتحالف السرى مع أحد مرشحى الرئاسة الذى أصبح يتحمل تكلفة شراء تذاكر المباريات مع كل ما يتطلبه حضور المباريات من نفقات للتجمع والانتقال وإعداد اللافتات والشماريخ ووسائل التصعيد والمواجهة مع الأمن والدولة بمؤسساتها.. وأنا بالتأكيد لا أملك القدرة على نفى كل تلك المزاعم بضمير راض ومستريح وثقة واقتناع بأن الألتراس لا يزالون كما بدأوا مجرد عشاق كبار ومجانين لأنديتهم الكروية.. ولا أملك فى المقابل الحق فى اتهام الألتراس بأنهم تحولوا إلى مجرد عملاء ومرتزقة يقبضون من أحزاب وقوى سياسية.. والحقيقة أن العقل والمنطق والتفكير الهادئ تقود الجميع إلى الاقتناع بأن المسألة لم تعد مجرد كرة قدم أو تشجيع ناد يلعب الكرة.. وتقود أيضا إلى رفض كثير من تلك الاتهامات والشائعات التى باتت تطارد الألتراس طول الوقت.. وتبقى المشكلة الحقيقية هى الألتراس أنفسهم.. أولئك الذين لايزالون يرفضون النور والكشف والكلام والحوار وشرح الغايات والمقاصد وتفسير الأفعال وإعلان واضح للمواقف والخطوات الحالية والمقبلة.. وصمتهم هذا يخلق مساحة فراغ هائلة سيملؤها الآخرون حسب المزاج والهوى.. بالحب والتعاطف أو الكراهية والعداء.. فراغ سيسمح طول الوقت بالمتاجرة بالألتراس كرويا أو سياسيا.. فهم كرويا أصبحوا لاعبا أساسيا حتى إن لم يعترف بشرعيته أو ضرورته بقية من فى الملعب.. وهم سياسيا قوة شبابية متحمسة ومنظمة تجيد التخطيط والتدبير والتأثير، وإذا نجح أى فريق سياسى فى ضمهم إليه فسيكسب كثيرا وجدا، حيث إن الألتراس الآن هم ثانى أكبر قوة منظمة وقادرة على التحرك بشكل جماعى مرتب دقيق بعد جماعة الإخوان المسلمين.. ولا أستبعد مطلقا أن تحاول مختلف القوى السياسية الحالية فى مصر الاستحواذ على الألتراس وضمهم أو استخدامهم حتى دون أن يدرك قادة الألتراس ذلك.. فالسياسة فى مصر الآن، وبعد فوران هائل عاشته مصر منذ الثورة فى يناير الماضى، عادت مرة أخرى إلى بدائيتها وفوضويتها وآفاقها الضيقة المعزولة عن الشارع وجموع الناس.. ولهذا عادت السياسة مرة أخرى تحتاج إلى كرة القدم بعد أن عشنا وقتا تخيلنا فيه الكرة ستتراجع لتعيش حجمها الحقيقى ودورها الطبيعى.. ولكن يبدو أنها كانت دعوة لم يقبلها ولم يحترمها أهل السياسة فى مصر. *