مصر ملتزمة بأهداف موازنتها رغم ارتفاع أسعار النفط، وستتخذ الإجراءات المناسبة لمنع زيادة عجز الموازنة، ومن هذه الإجراءات مراجعة بعض النفقات ذات الأولوية الأقل"، هكذا صرح سوبير لال، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، هذا الأسبوع، ما يفسر لجوء الحكومة ومجلس النواب لرفع أسعار السجائر بدلاً من الوقود. تتضمن وثيقة اتفاق قرض صندوق النقد الدولي لمصر أهدافاً رقمية وتوجهات محددة، لكن في كثير من فقرات الوثيقة تم التأكيد على مرونة التطبيق للحكومة المصرية، حيث تم استهداف معدلات معينة لعجز الموازنة واحتياطي النقد الأجنبي وما يُعرف ب"ميزان البترول"، ودور الحكومة يتركز في توفير طرق وبدائل عديدة لتحقيق هذه المستهدفات. ففي الوقت الذي ارتفع فيه سعر برميل البترول عالمياً إلى حوالي 63 دولار، مقارنة بتقديرات الموازنة عند 55 دولار، توقع الكثيرون إقدام الحكومة على رفع جديد لسعر البنزين، ولكن هذا لم يكن أبداً من مخططات الصندوق. وضع الصندوق في وثيقة القرض بند "ميزان البترول" وهو بند غير متعارف عليه في الموازنة المصرية، وهو يساوي الفارق بين عائدات قطاع النفط وبين قيمة الدعم الذي تخصصه الحكومة للطاقة، ويستهدف البرنامج الحكومي المتفق عليه مع الصندوق أن يكون هذا الرقم موجباً في العام المالي الحالي 2017/ 2018، أي أن تصبح إيرادات القطاع أعلى من قيمة الدعم. وتضم إيرادات قطاع النفط أرباح الهيئة العامة للبترول، والضرائب المفروضة على منتجات النفط، وضرائب الدخل المحصلة من الهيئة ومن الشركات الأجنبية العاملة في مصر، وغيرها من الرسوم، وهذه الرسوم عموما تحسنت مع ارتفاع أسعار النفط عالميا، بالقدر الذي لا يضغط على ميزان البترول، ولكنه غير كاف لتحييد أثر الزيادة على عجز الموازنة. إذن الحكومة غير مضطرة لرفع أسعار الوقود في 2017 لأن ميزان الطاقة التي تلتزم به الحكومة شهد ارتفاعا في إيراداته أيضا، ولكن كل دولار زيادة في سعر برميل البترول، يكلف موازنة الدولة 3 مليارات جنيه، وقد كان سعر البرميل يساوي 48 دولار في بداية العام المالي الحالي، لذا فإن استمرار سعر النفط عند هذه المستويات المرتفعة لفترة طويلة يهدد بزيادة تكلفة دعم الطاقة عن المخطط. الحكومة المصرية ترى صعوبة رفع أسعار الوقود قبل نهاية 2017، لاعتبارات سياسية، وهي غير مضطرة لذلك، ولا يمكن للحكومة أيضا أن تمول العجز الطارئ عن طريق زيادة الاستدانة لأن الحكومة ملتزمة بالقضاء على عجز الموازنة الأولي "التشغيلي" هذا العام. لذا وجب على الحكومة أن تقوم بزيادة سعر خدمة أو ضريبة ترتبط بسلعة يتم استهلاكها بشكل مستمر، وأن يكون لزيادة الضريبة عليها تأثير واضح في موازنة هذا العام، ولا يوجد أفضل من السجائر لتحقيق هذا الغرض، وهو منتج "غير ضروري" من وجهة نظر الحكومة، وسترفع زيادة ضرائب السجائر إيرادات البلاد بنحو 4 مليارات جنيه خلال العام المالي الحالي 2017/ 2018. وهذه ليست اول مرة نشهد هذه المرونة في التطبيق، حيث ظهرت بوضوح عندما طلب الصندوق من مصر زيادة حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي، ولكنه لم يحدد طرق الزيادة، فتمت الزيادة عبر القروض والسندات المحلية والدولية واتفاقية تبادل العملة مع الصين وتقليل الواردات. هذه المرونة كافية لتفسير لماذا اكتفت الحكومة بزيادة أسعار السجائر دون البنزين، ولكن علينا أن نتذكر، أن وثيقة الصندوق أكدت أيضا على التزام مصر ببلوغ أسعار بيع معظم أنواع الوقود للمستهلك إلى 100% من تكلفة الإنتاج (قبل الضريبة)، في العام المالي القادم 2018/ 2019، أي أن ما يُتاح تأجيله اليوم سيتحتم تطبيقه في الغد القريب.