أكد الداعية الأستاذ الدكتور أنس عطية الفقي أن الزهد الحقيقي زهد القلب في متاع الدنيا، بحيث ألا تكون دنيا الإنسان هي أكبر همه ولا مبلغ علمه. وقال في الدرس الذي ألقاه عقب صلاة ظهر الثلاثاء 11 يوليو 2017م بمسجد جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا: إن الإنسان مجبول على حب النفس والمال والطمع في شهوات الدنيا. ولفت النظر إلى أن طريق الله عز وجل يستلزم الزهد في الدنيا والزهد فيما في أيدي الناس. عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبّني الناس ، فقال: ازهد في الدنيا يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس) رواه ابن ماجة . والسرّ في ذلك أن القلوب مجبولة على حب الدنيا، وهذا الحب يبعثها على بغض من نازعها في أمرها، فإذا تعفّف العبد عما في أيدي الناس، عظم في أعينهم. وعلامة الزهد قصر الأمل في الدنيا، وعدم الحزن على ما فات منها، وذلك من الجهاد، أقصد جهاد النفس والشيطان.. قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" العنكبوت: 69. ولقد قال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (علامة خروج الدنيا من القلب بذلها عند الوجد، وعدم الحزن عليها عند الفقد). وقال أحد الصالحين: احذروا الدنيا! إنها إن أدركت الهارب منها جرحته، وإن أدركها الطالب لها قتلته. ولا يفهم مما سبق أن الأخذ من طيبات الحياة الدنيا على قدر الحاجة ينافي معنى الزهد، فقد كان من الصحابة من كانت لديه الأموال الكثيرة، والتجارات العديدة، كأمثال أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين، لكن هذه التجارات وتلك الأموال كانت في أيديهم، ولم تكن في قلوبهم، ولهذا ترى الصحابة رضي الله عنهم في باب الصدقة ومساعدة المحتاج والإنفاق في سبيل الله، تراهم كمطر الخير الذي يعطي ولا يمنع، ويسقي حتى يُشبِع. مرّ مالك بن دينار يوماً فى السوق فرأى بائع تين، فاشتاقت نفسه للتين ولم يكن يملك ثمنه فطلب إلى البائع أن يُؤخره ( يدفع فى وقت آخر )، فرفض البائع، فعرض مالك على البائع أن يرهن عنده حذاءه مقابل هذا التين فرفض ثانية، فانصرف مالك وأقبل الناس على البائع بعدها وأخبروه عن هوية المشتري، فلما علم البائع أنه مالك بن دينار أرسل بغلامه بعربة التين كلها لمالك بن دينار. وقال البائع لغلامه: إن قبلها منك فأنت حرّ لوجه الله.. وذهب الغلام إلى مالك ووضع فى باله أن يبذل قصارى جهده من أجل إقناع مالك أن يأخذ عربة التين كلها حتى ينال حريته فإذا بمالك يقول له: اذهب إلى سيدك وقل له: إن مالك بن دينار لا يأكل التين بالدين، وإن مالك بن دينار حرّم على نفسه أكل التين إلى يوم الدين. قال الغلام: يا سيدى خذها فإن فيها عتقى. قال مالك: إن كان فيها عتقك فإن فيها رقّى عبوديتى ). والمغزى من القصة الواقعية أن مالكاً رأى أن شهوته أذلته، وأن بطنه أهانته، فأدّب نفسه وحرّم عليها أكل التين، تهذيباً لها. وأشار د. أنس عطية الفقي إلى أن جهاد النفس هو أحد أدوات التصوف في صناعة الشخصية الإسلامية، ويسمى "الجهاد الأكبر"، كما يسمى جهاد الأعداء ب "الجهاد الأصغر"، وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم جهاد الإنسان للعدو الظاهر بأنه الجهاد الأصغر لظهور العدو والاستعداد لمنازلته. أما مجاهدة النفس ومحاربة الهوى فقد سماها الرسول صلى الله عليه وسلم :الجهاد الأكبر لاختفاء العدو وخداعه وطول وسوسته. وفي الواقع، فإن النفوس التي انحرفت وسارت مع الهوى فإنها لا تستطيع أن تواجه العدو ولا أن تصارع المعتدين.