* يسأل محمد جاد من دار السلام: جاء في الحديث "إزهد في الدنيا يحبك الله. وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" فما معني هذا وما مقاصد هذا الحديث؟ ** يجيب د.أحمد محمود كريمة - أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلي النبي - صلي الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله. دلني علي عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال: "ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة. قوله - صلي الله عليه وسلم - "ازهد في الدنيا يحبك الله" الزهد: ترك ما لا يحتاج اليه من الدنيا وإن كان حلالا والاقتصار علي الكفاية والورع ترك الشبهات. قال الإمام الشافعي - رضي الله عنه - لو أوصي لأعقل الناس صرف إلي الزهاد. فطلب والزائد علي الكفاية مذموم قال الله - عز وجل - "وفرحوا بالحياة الدنيا" وقال "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" دل هذا علي ذم الزيادة علي الكفاية فمن اتخذ المال وسيلة لا غاية وجاهد شح نفسه وها هو الطمع والجشع والحرص فهو من الزهاد وإذا طلب الزيادة علي الحاجة أو استكثر لأجل المباهاة والتفاخر والتكاثر والتطاول فهو مذموم "الهاكم التكاثر" ومن خرج بنعم الله - تعالي - دون ما ذكر من تفاخر أو تكاثر أو طمع بل لكونها من فضل الله ونعمائه وآلائه فهو محمود "وأما بنعمة ربك فحدث" ومن أنفس شواهد الزهد ما أخبرت به سيدتنا عائشة - رضي الله عنها - "كان يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلي الله عليه وسلم - نار - كناية عن عدم الطبخ وأجابت عما كان يعيشهم: علي الأسودين التمر والماء.." الحديث في البخاري.. وما كان عليه سيدنا عمر - رضي الله عنه - من طعام الزيت والخل مع تقلده أعلي منصب. إذا حصل الزهد ووقر في القلب وانقادت الحواس والجوارح فالجزاء محبة الله تعالي لعبده القانع الراضي ولا يعادل ذلك جزاء. وإذا ابتعد العاقل عما في أيدي الناس فلا طمع في هبة ولا عطية ولا اكرامية ولا صنافة ونحو ذلك مما يشق علي ناس أو يضيقون به أحبه الناس لعزة نفسه وكرامته الانسانية التي يحافظ عليها بالعفاف وليس الزهد بملابس مرقعة ولا يتأتي ولا تصنع ولا ادعاء بل بسلوك حميد ينطق بمصداقية وواقعية السائر إلي رضا الله والناس.