الدكتور فاضل العزاوي شاعر، وروائي ، ومترجم عراقي من مواليد مدينة كركوك في العراق سنة 1940. حصل على بكلوريوس في اللغة الإنكليزية من كلية الاداب -جامعة بغداد سنة 1966 . سافر إلى ألمانيا ليحصل على الدكتوراه من جامعة لايبتزغ وكان عنوان اطروحته :" المشاكل الرئيسية لتطوير الثقافة العربية " .. من مؤسسي "جماعة كركوك الادبية " التي تضم سركون بولص و جان دمو و مؤيد الراوي و صلاح فائق والتي اهتمت بقصيدة النثر. من دواوينه الشعرية: 1. "سلاماً أيتها الموجة، سلاماً أيها البحر" 1974. 2. "الأسفار" 1976 3. "صاعداً حتى الينبوع" 1993 من رواياته: 1. رواية "مخلوقات فاضل العزاوي العجيبة" التي صدرت سنة 1969 ثم أعيد نشرها عن دار الجمل سنة 2002. 2. رواية "القلعة الخامسة" التي صدرت سنة 1969 3. رواية الأسلاف 1970 4. رواية "آخر الملائكة" صدرت سنة 1992 وهي مترجمة إلى اللغة الإنكليزية سنة 2007 بعنوان : The Last of the Angels من ترجماته : رواية "صاحب فخامة الديناصورات" للروائي البرتغالي خوسيه كاردوزو وصدرت الترجمة عن دار المدى في دمشق في 1994 عرفناه منذ كتاباته في الستينات واصداره "البيان الشعري " انذاك، والذي أحدث ثورة في كل مفاصل الثقافة العراقية المعاصرة .وفي معجم البابطين ثمة حديث مسهب عن ذلك وددت ان تطلعوا عليه ومما جاء فيه : يشكل جيل الستينات أكثر الموجات الشعرية إثارة ، وعمقاً في الشعر العراقي الحديث. ولم يكن بزوغ هذا الجيل طارئاً, بل كان حاجة فكرية وابداعية كبرى كان المجتمع العراقي يضج بها على المستويات كافة. إن شعراء هذا الجيل لم يكونوا مدفوعين بهاجس عروضي, أو هموم شكلية عابرة. بل كانوا يجسدون رؤية جديدة للشعر والحياة, للعصر وللتراث. لقد انبثق هذا الجيل الشعري وسط ركام محزن من الخيبات السياسية والانكسارات العامة, وطنياً وقومياً: خيبة الشاعر الستيني في حلمه السياسي, هزيمة الجيوش العربية أمام اسرائيل سنة 1967 والاهتزازات الكبرى في العالم فكرياً وسياسياً. كان ظهور جيل الستينات زلزالاً واضحاً وسط تحولات عميقة في الوعي, وبناء الروح, وهاجس التمرد على أغلال ظلت موضع تقديس قروناً طويلة. لقد كان ابناً حميماً للتحولات والانكسارات الواسعة: الثورة الطلابية في فرنسا68 , تمردات اليسار العالمي, انهيار السطوة الستالينية. فكر سبينوزا, وجيفارا, وطارق علي, وفرويد ويونغ. إضافة إلى الوجودية التي وصلتنا عبر كتابات سارتر, سيمون دي بوفورا, البيركامو… من الواضح تماماً أن جيل الستينات كان يمثل ردة فعل جمالية وفكرية على الأجيال الشعرية السابقة, ولاسيما جيل الرواد الذي كان يغلّب -في أحيان كثيرة- مضامين القصيدة ودلالتها الإجتماعية أو السياسية على ثراء الشكل الشعري. لذلك كان شعر الستينات, في نماذجه المتقدمة, تمرداً على سيادة الموضوع, وهيمنة الدلالة. كان شعر الستينات, إلى حد واضح, شعراً متقداً بالخيبة والشك والرفض. ولم يكن للشاعر الستيني يقين فكري أو سياسي يطمئن إليه, لقد كان شاعراً بلا يقين. كما أن يقينه الشعري قد تعرض إلى هزة كبيرة. وهكذا جاء شعر الستينات ليشكل, قياساً إلى اطمئنان شعراء الخمسينات إلى خياراتهم الجمالية, بحثاً وقلقاً وتجريباً. ولم يكن التجريب الستيني شكلياً مجرداً, بل كان التجريب أكثر عمقاً وشمولاً: البحث عن أفق أغنى في الشعر والسياسة والفكر والعلاقات الإنسانية. لقد كان التجريب الشعري, كما يقول سركون بولص, يقترن:" مع مجريات التجريب الاجتماعية والتاريخية في تلك الفترة, الحاصلة في صلب المجتمع لا على قشرته الخارجية" . والهاجس التجريبي, لشعراء الستينات, شديد التنوع; فهو:" لايكف حتى يجد الشكل الأمثل للتعبير عن موقع الكاتب في عالمه وزمانه. فهو كرمز عملي يشير إلى قلق أساسي عند الكاتب, إلى ثراء روحي لايتسرع في تبني الخيارات, يدفعه إلى البحث عن بدائل لما هو سائد, وبالتالي إلى التمرد على كل نمطية" .. إنه البحث القلق, والمستريب من كل شيء; فمن العبث " البحث عن حقيقة ثابتة ضمن الزمان والمكان" ويرى الشاعر الستيني أن القصيدة ليست حديثاً (عن) موضوع ما, أو فكرة ما. بل هي رؤيا يمتزج فيها النص والموقف, وتتماهى فيها اللغة بالدلالة والشكل بالمضمون. كما أن الدافع, لكتابة القصيدة, ما عاد, كما كان في معظم شعر الخمسينات: الإصلاح أو الوعظ, أو التغني بلغة مباشرة. إن الدافع الأعمق للكتابة الشعرية هو " صبوة الروح للتماس مع الحقيقة التي تعذب كياننا" . لقد انطلق الشاعر الستيني من هوس داخلي واحتفاء بالفرد وانكساراته الروحية والسياسية. لأن هذا الفرد هو الحقيقة الثابتة التي لايكتب الشعر إلا بوحْيٍ منها. وإذا كانت قراءة الفكر اليساري والوجودي والفرويدي قد شكلت الأساس الفكري لموجة الشعر الستيني, فان السوريالية, شعراً وبيانات, وتجربة أدونيس الشعرية تشكل رافداً عميقاً للرؤيا الشعرية لهذا الجيل, إضافة إلى ماترجم في مجلة شعر من شعر فرنسي وتعريف بتياراته الحديثة. كان شعراء هذا الجيل, كما أشرنا, أبناء الخيبة السياسية وانكسار الأحلام الكبيرة. وكانوا قد تفتحوا, شعراً ومفاهيم, في فترة شهدت خمول النظام السياسي, في العراق, وضعف مؤسساته. كانت الدولة دونما هيبة أو جبروت. وكان النظام الحاكم, كما يقول فاضل العزاوي, " نظاماً بلا ادعاءات" الأمر الذي منعه من الوصول إلى مفاصل الحياة وظلالها الدقيقة, أو الهيمنة على حركتها هيمنة صارمة. إنها مفارقة حقاً, أن يكون في هزال الدولة وخمولها, فرصة لازدهار المشروع الستيني ازدهاراً استثنائياً. لم يكن جيل الستينات, رغم الكثير من الخصائص المشتركة, جيلاً دون تمايزات. وربما يمثل (البيان الشعري) نموذجاً لذلك التباين الصارخ. فالبيان, لغة ورؤى ومفاهيم, يظل أقرب إلى فاضل العزاوي منه إلى أي من الشعراء الثلاثة الآخرين الذين وقعوا عليه إلى جانب العزاوي. ويمكن القول دونما مبالغة أن فاضل العزاوي كان أكثر شعراء الستينات إثارة للجدل, خاصة في اندفاعتهم الأولى. كان صوتاً تجريبياً محرضاً ساهمت قصائده, مساهمة عميقة, في تشكيل مناخ القصيدة الستينية إلى جانب أصوات تجريبية أخرى مثل سركون بولص, صادق الصائغ, جليل حيدر, جان دمّو, صلاح فائق, مؤيد الراوي, عبدالرحمن مجيد الربيعي (في مرحلته الأولى خاصة). إلى جانب هذا النفس التجريبي القائم على التمرد والمغامرة وتعكير تجانس الشعر بالفوضى وماء الإيقاع بوعورة النثر, كان هناك موجة أخرى في ذلك النهر الستيني الحي: حسب الشيخ جعفر, فوزي كريم, سامي مهدي, خالد علي مصطفى, عبدالرحمن طهمازي, ياسين طه حافظ, حميد سعيد, مالك المطلبي, محسن اطيمش, علي جعفر العلاق, شريف الربيعي, عمران القيسي, نبيل ياسين, آمال الزهاوي, خالد الحليّ, حسين عبداللطيف, مي مظفر, شاكر لعيبي, هاشم شفيق, خليل الأسدي. إن القصيدة, لدى هذا الاتجاه, لاتستمد نشاطها من هاجس التضاد, والتنافر بل من استيعاب للتراث القريب والبعيد وتمثل له, ومن رؤيا شعرية تستمد لهبها الفاتن من العصر وقوة الماضي معاً. رؤيا ترتبط بالحياة ارتباطاً ممضاً وترتفع بها إلى مستوى الحلم وتوهج البصيرة. في هذا الاتجاه لاتكون القصيدة طفرة أو انقطاعاً, بل هي تطور عضويّ: يستند إلى المنجز الشعري دون أن يتطابق معه, ويبتعد عنه دون أن يلغيه والقصيدة, هنا ليست شكلاً محضاً, أو لعباً مجانياً; فالشكل, لدى هذا التيار, أحد مقومات الرؤيا وقوام عجينتها الحارقة. ولاتصبح القصيدة إلا تجسيداً لعذاب النفس وضغط الحياة في شكل شعري تتحول فيه الأشياء والأفكار والموضوعات إلى طينة تشع بالدفء والتجانس. ويحاول شعراء هذا الاتجاه أن يجعلوا قصائدهم تستمد إيقاعها, لا من مهارات عروضية مجردة, بل من حركة الذات وضجة شروخها وهي تمتزج بكيان النص وتموّجات نموّه. ومن الضروري القول إن مفهوم الجيل, هنا, ليس مفهوماً زمنياً إن جيل الستينات ليس انتماء للتاريخ, أو الزمن في تعاقبه سنوات وأجيالاً, بل هو انتماء للرؤيا الواحدة التي تجمع هذه المجموعة من الشعراء في نظرتهم إلى الشعر واللغة والحياة. في قصائده النثرية وفي شعره القائم على التفعيلة أيضاً, لايغفل فاضل العزاوي عنصر الصورة غير أن ما يميزه عن شعراء جيله نبرته التحريضية الجارفة. إن قصيدته لاتفصح عن صوتها الغاضب المستفز عن طريق الاستخدام المنطقي للغة; فالعزاوي معروف بخلخلة السياق المعهود للمعاني, وشعره لايخلو من تلك المفاجأة السوريالية, واللغة الجريئة الصارخة التي تفجر تأثيرها من صور التضاد والخلخلة: أعطونا علفاً يكفي كلّ خنازير العالم أعطونا أوطاناً دون عيوبْ أعطونا اسئلةً وحروبْ لم نربحها, ……………… أعطونا برسيماً لايصهرْ أعطونا خلاً في جردل أعطوناً أحذيةً أوسعَ منا أعطونا جدرياً للزينه أعطونا أسواقاً كاسدةً في الجنه أعطونا جلادين جميلين كليلٍ عربي أعطونا شهداء بهذه النبرة المستثارة يغني فاضل العزاوي حرمان الإنسان العربي الواقف خارج الجنة متفرجاً على مصيره تصوغه الأنظمة على هواها. إن شعر فاضل العزاوي مسكون, ابداً, بتلك النار المكدرة وقد اصطبغت بعذاب الإنسان في فرديته المهددة وطريقه المؤدي دائماً صوب المجهول. يعكس المقطع السابق, أسلوبياً, خمول الإنسان وإحساسه باللاجدوى; فهو لم يكن فاعلاً, في هذه المقطوعة, بل كان هدفاً للفعل باستمرار, ولم يرد اسماً ظاهراً بل ضميراً متصلاً بالفعل. كما أن نهايات الأبيات تعكس, عبر سكونها, عجز الإنسان العربي وصمته القاتل: فالمقطع كله يؤكد الانتظار, والسلبية. لم تكن قصيدة النثر وحدها تجسيداً لإحساس الشاعر الستيني بمأزق الوزن في القصيدة الحديثة. فقد اندفع الكثير من شعراء هذا الجيل يحاولون توسيع الإيقاع الشعري وتعميق مدياته.