الحمد لله الذي أنار الوجود بمولد خير البرية، قمر الهداية وكوكب العناية الربانية، مصباح الرحمة المرسلة، وشمس دين الإسلام، من تولاه مولاه بالحفظ والعناية والرعاية السرمدية، وأعلى مقامه فوق كل مقام، وشرف أمته على سائر الأمم القبلية، فنالت به درجة القرب والسعادة والاحترام، وأنزل تشريفها في محكم الآيات القرآنية، "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، أحمده سبحانه حمداً يوافي نعمه، ويكافيء مزيده، وأشكره على أن جعلنا من هذه الأمة المخصوصة بهذه المزية، الفائزة بالوصول إلى دار السلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نتخلص بها من النزغات الشيطانية، وننتظم بها في سلك عباد الله المخلصين، الذين صلح بالشهادة حالهم، ورفع بالشهادة قدرهم، أشهد يا ربنا أنك أنت الله الذي لا إله إلا هو، شهادة نتحقق بها ونقولها بالجنان قبل الفؤاد واللسان، فوفقنا للعمل بمقتضاها يا أرحم الراحمين. وأشهد أن نبينا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقدوتنا سيدنا محمداً رسول الله خير الخلائق البشرية الذي أرسله مولاه رحمة للعالمين. هو الحبيب الذي ترجى شفاعته، لكل هول من الأهوال مقتحم، هو الحبيب الذي أرسله مولاه قدوة حسنة في الصفات وفي الأفعال وفي الأحوال، فمولده نور على هذه الأمة، نور مبين للدنيا ومن فيها، ويكفيه قول مولاه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) اللهم صلي وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار ما توالى الليل والنهار. هكذا استهل الداعية الدكتور أنس عطية الفقي خطبته التي ألقاها أمس من فوق منبر مسجد طارق بن زياد بمدينة السادس من أكتوبر مؤكداً أن كل إلف يلوذ بإلفه وكل إنسان يميل إلى من فيه شكله ومن فيه صفاته، ولو أحب إنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاً ففيه شيئاً من صفاته، فالحب معيار، ولذلك أحب الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً جما. وكانوا لا يريدون أن يبرحوا بابه، ولا يحبون أن يتركوا رحابه، وكان منهم من يقول: يا رسول الله وددت أني لا أبرح بابك. كان منهم من يقول: خير ما أحبه يا رسول الله من الدنيا النظر إليك والجلوس بين يديك وكثرة الصلاة والسلام عليك. كان أنس بن مالك يقول: والله ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحته، ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أف قط، وما قال لي لشيء فعلته.. لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله.. لم لم تفعل ذلك؟، وما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله. أودع الله سبحانه وتعالى الجمال والجلال في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق الشاعر: عذراً رسول الله إن قصرت في مدحي لكم فجمالكم لن يوصف، سارت قديم ذرة من نوركم، قد جمل الرحمن منها يوسف، والله لو ماء البحار بجمعه كان المداد لوصف أحمد ما كفى، والله لو قلم الزمان من البداية للنهاية ظل يكتب ما اكتفى، والله لو قبر النبي تفجرت أنواره للبدر ولى واختفى، يكفيه لقيا في السماوات العلا، وبحضرة الرب الكريم تشرف، يكفيه أن البدر يخسف نوره، لكن نور محمد لن يخسف. إذن، فصلاح البال والحال يأتي من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان لا يميل إلا لمن هو على شاكلته، ومن أحب رسول الله ففيه منه أشياء. وأشار الداعية أنس عطية الفقي إلى أن الله تعالى حينما أمرنا بالصلاة على النبي في محكم آياته، فلكي يصلنا ويوصلنا بالرسول الأكرم، وفي ذلك قرب أيما قرب، وفي ذلك راحة بال وأنس، لأن الله قد أغناه به، فليس في حاجة إلى صلاتنا عليه لكننا أحوج ما نكون إلى أن نلوذ بالصلاة والسلام عليه. ورسول الله كرمه ربه فجعله سيد ولد آدم، وجعله اللبنة التي أكملت البنيان والرسالة الربانية، وهو الصورة المثلى للإنسان الذي خلقه ربه في أحسن تقويم. وسيحاسبنا الله عز وجل على مدى اقتدائنا برسول الله والاقتراب من قيمه ومبادئه. قال الشاعر: وتزود التقوى فإن لم تستطع فمن الصلاة على النبي تزود. فإذا رجوت أن يتقبل الله دعاءك فافتتحه بالصلاة على النبي واختتمه بالصلاة عليه، وإذا كانت فاتحته متقبله وخاتمته متقبله، فالله أكرم أن يرد دعاءً بين دعائين متقبلين. ولن تنفعنا الصلاة عليه بطرف اللسان بل لا بد أن يتحرك بها القلب والجنان. لقد نال رسول الله من ربه شهادة لم ينلها أحد من قبل فقال ربه فيه "وإنك لعلى خلق عظيم"، وكأن الخلق العظيم ركوبة ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو القائل عن نفسه: "إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة"، "إن الله اصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار". يشعر بنا ويتألم لألمنا ويحزن لحزننا وما يعترضنا من أزمات ومشكلات ويحرص على أن نكون على الطريق المستقيم، قال عنه ربه جل شأنه "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم". فلا يظن أحد أن ما يحدث لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بعيد عن سيدنا رسول الله. من لم يشعر بهذه النعمة تذهب عنه.. نعمة عبر عنها الشاعر القديم فقال: بشرى لنا معشر الإسلام إنا لنا من العناية ركناً غير منهدم، لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم. فمحبتنا لرسول الله من علامات حب الله لنا، قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم". وجاء رجل إلى رسول الله وسأله: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: أنت مع من أحببت. فيجب على الأمة أن تحيي بداخلها ذكرى رسول الله بالاقتداء والطاعة والمحبة. فهو القائل: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله وولده والناس أجمعين. فلما سمع عمر ذلك قال: يا رسول الله والله إنك أحب إلي من أهلي ومالي وولدي أما نفسي فلا.. فقال له رسول الله: ومن نفسك يا عمر. فقال: الآن يا رسول الله". قال تعالى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم". والمطلوب منا أن نصل إلى أعلى الدرجات وأعلى درجة هي درجة الرسول، ولن نقترب منها إلا بالحب على أكمل ما يكون الحب.