صلاح البجيرمي يكتب: الشعب وانتصارات أكتوبر 73    وصول عدد من الخيول المشتركة فى بطولة مصر الدولية للفروسية    سعر الذهب يواصل الصعود بحلول التعاملات المسائية    جبران يستقبل مُمثلي شركات صينية لتوثيق أوضاع عمالها    حزب الله: قصف شركة للصناعات العسكرية في ضواحي تل أبيب بصواريخ نوعية    القاهرة الإخبارية: اعتداءات بالجملة على المزارعين والأراضي الفلسطينية    قائمة بايرن ميونخ لمواجهة برشلونة في دوري أبطال أوروبا    حتى عام 2027.. مفاجأة بشأن تجديد عقد محمد صلاح مع ليفربول    حبس المتهمين في واقعة تزوير أعمال سحر ل مؤمن زكريا لمدة 3 سنوات    لا يوجد أدلة مقنعة.. حيثيات الحكم على المتهمين باختلاق سحر مؤمن زكريا    الطب الشرعي يفجر مفاجأة في اتهام موظف مدرسة إعدادي بالتح.رش بالطالبات    بسبب القصف الإسرائيلي.. نادين الراسي تغادر منزلها بالبيجاما    صور من كواليس مسلسل "وتر حساس" قبل عرضه على شاشة "ON"    خبير اقتصادى: وجود مصر فى مجموعة "بريكس" له مكاسب عديدة    وزير الصحة يشهد جلسة نقاشية حول التعليم كركيزة أساسية لتحقيق التنمية البشرية المستدامة    بعد تحريك أسعار البنزين.. هل أتوبيسات المدارس الخاصة تتجه للزيادة؟    النائب العام يلتقي نظيره الإسباني لبحث التعاون المشترك    الدفاعات الجوية الأوكرانية تسقط 42 مسيرة روسية خلال الليلة الماضية    طرق طبيعية للوقاية من الجلطات.. آمنة وغير مكلفة    غادة عبدالرحيم: الاستثمار في بناء الإنسان وتعزيز الابتكار أهم ما تناولته جلسات مؤتمر السكان    رسالة غريبة تظهر للمستخدمين عند البحث عن اسم يحيى السنوار على «فيسبوك».. ما السر؟    حبس سيدة تخلصت من طفلة بقتلها للانتقام من أسرتها في الغربية    رئيس القومي للطفولة والأمومة: 60%؜ من المصريات يتعرضن للختان    «سترة نجاة ذكية وإنذار مبكر بالكوارث».. طالبان بجامعة حلوان يتفوقان في مسابقة دبي    وزير الزراعة يبحث مع «إيفاد» نتائج البعثة الإشرافية لمشروع الاستثمارات الزراعية    وزير التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في تقدم مصر 12 مركزًا على مؤشر «Scimago»    لقاءات تثقيفية وورش فنية متنوعة للأطفال بثقافة الإسماعيلية    حركة حماس: ما تشهده جباليا وبيت لاهيا انتهاك صارخ لكل القوانين    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    لهؤلاء الطلاب بالأزهر.. إعفاء من المصروفات الدراسية وبنود الخدمات - مستند    طلقت زوجتي بعد خيانتها لي مع صديقي فهل ينفع أرجعها؟.. وعضو الأزهر للفتوى تجيب- فيديو    مقابل 3 ملايين جنيه.. أسرة الشوبكي تتصالح رسميا مع أحمد فتوح    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    "العمل" تشرح خدماتها في التشغيل والتدريب المهني بدمياط    ألمانيا تسجل أول حالة إصابة بفيروس جدري القرود    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس لجنة الحكام يحسم الجدل.. هل هدف أوباما بمرمى الزمالك في السوبر كان صحيحيًا؟    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    فيفي عبده تتصدر تريند جوجل بسبب فيديو دعم فلسطين ( شاهد )    منافس الأهلي - كريسبو: شباك العين تتلقى العديد من الأهداف لهذا السبب    بث مباشر.. وزير التربية والتعليم يلقي بيانا أمام الجلسة العامة لمجلس النواب    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    مجلس النواب يوافق على تشكيل لجنة القيم بدور الانعقاد الخامس    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه بإرسال مواد إغاثية فورًا إلى غزة ولبنان    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    إسرائيل تعلن القبض على أعضاء شبكة تجسس تعمل لصالح إيران    حريق هائل بمخزن شركة مشروبات شهيرة يلتهم منزلين فى الشرقية    محمد رجب يتعاقد على فيلم جديد من إنتاج السبكي    البيت الأبيض: ندعو جميع الأطراف للتعاون فى توزيع المساعدات الإنسانية بغزة    الأمم المتحدة تدين القصف الإسرائيلي العنيف للمناطق الحضرية والسكنية في لبنان    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    إبراهيم عيسى يكشف سبب مطالبة الرئيس السيسي بمراجعة برنامج صندوق النقد    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عملية الإصلاح فى العالم العربى
نشر في شموس يوم 08 - 12 - 2015

إن أولى الحقائق في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم العربي وأطلق عليها مرحلة التغيرات وليست مرحلة الإصلاحات، كما كانت تسمى منذ زمن غير بعيد، هي أن تنتقل الشعوب العربية فيها إلى العصر العالمي الجديد للشعوب الحية والحرة القادرة على الإمساك بمصائرها، على أن تكون المؤسسات العسكرية في العالم العربي هي موطن القدرة في فكرة الدول العربية وأساسها، وليست أداة تحت سلطات عربية قد تظهر على الساحة العربية أو أن تكون دائما في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم العربي.
مرحلة التغيرات حكما فاصلا بين الشعوب العربية، أصل الشرعية ومصدرها بين السلطات الحاكمة، وهذا في حالة حدوث أي طارئ سياسي حتمي، حيث تصبح فيه الشرعية ليست في موقع الحاكم حين تقوم هذه الشعوب بنزع الشرعية عن السلطات الحاكمة وتصبح هذه السلطات لا تملك الشرعية وغير قادرة على إصدار قرارات واضحة المعالم وواجبات التنفيذ في بلدانها. وتقوم الجماهير العربية بمسك الشرعية في يدها والبحث عن قوة سياسية جديدة وناضجة تستطيع أن تمد جسرا يملأ الفراغ بين الشرعية والسلطات، هذا في وقت الكل يعرف فيه أن القوى السياسية في العالم العربي لا تبدو قادرة، فالمعارضة السياسية في العالم العربي قد ذبلت منذ السبعينيات، حيث نستطيع أن نقول إن منذ ولادتها ولدت ذابلة، فلو كانت المعارضة في العالم العربي قادرة على أن تعارض الأنظمة لما كانت هناك مظاهرات ومسيرات في كثير من البلدان العربية مطالبة بالإصلاح من قبل، واليوم ها هي تطالب بالتغيير، فالكل يعرف أن الأحزاب السياسية في العالم العربي كانت عاجزة عن إزاحة الاستعمار.
أما اليوم فقد عجزت عن وقف الفساد، ولم تستطع المعارضة أن تمتلك الشجاعة لإثبات وجودها وفاعليتها وظلت على حافة الأنظمة وعلى هامشها منذ السبعينيات، أقول هذا لأن العالم كله، القريب والبعيد، والصديق والغربي، أصبح طرفا موجودا في الأزمة السياسية التي تعيشها بلداننا العربية ومؤثرا فيها، هذا في الوقت الذي أصبح فيه يرى العالم كل يوم تولد شرعية جديدة في بلد عربي معين، فأخذ يتابع وهو مبهور بحركة هذه الشعوب ولا يعرف أي شيء عن هذه الشعوب، التي هي منشغلة بما هي فيه ومستغرقة في عملية استكمال مهمتها التي أخذتها على عاتقها، وقد نادى إليها قلقها على أحوال أوطانها التي دعتها لنصرتها في وقت تراجعت فيه القوى الوطنية في كل بلد عربي. ورأت هذه الشعوب أن مستقبل بلدانها بيدها وليس بيد أحد، فالشعوب العربية اليوم حرة وهي قادرة على فعل المعجزات إذا ما تحوّلت الكلمات الجامدة (الإصلاح والتغيير) إلى أفعال حية مثل إصلاح البيوت وتعديل القوانين والمناهج التعليمية والحوار الداخلي والحوار مع الآخر وتغيير الأنظمة والمشاركة السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتعميم الديمقراطية، فهذه الأفكار وهذا التحرك سيدخل حيوية وديناميكية في مجتمعاتنا العربية إذا توفرت النيات الصادقة وتضافرت الجهود من أجل تحقيق التغيير المنشود والمصالحة الوطنية في كل بلد عربي، وحل المشاكل العالقة وإزالة أسباب التخلف ومعالجة مواطن الضعف، وهذا ما يفرض قوانين لكل انطلاقة وضوابط وشروط لكل تغيير وجدول أعمال ومواعيد وآلية تنفيذ لكل خطوة حتى تحقق هذه الشعوب ما تصبو إليه:
أولا: إن أي تغيير أو إصلاح يجب أن ينبع من الداخل أي من صميم المجتمعات العربية حسب خصوصياتها وأوضاعها وعاداتها وقيمها، ومع مبدأ ثابت هو عدم الخروج عن مبادئها وفرض مبادئ غريبة عن مجتمعاتها لأنظمة ومبادئ لا تستورد. فلقد عانينا خلال القرن الماضي من أخطاء استيراد المبادئ والأنظمة المعلبة والقوانين الجاهزة، فلا الرأسمالية كانت مفصلة على الجسد العربي ولا الشيوعية تماشت ومزاجات الشعوب العربية ولا الاشتراكية جلبت لهذه الشعوب الصحة والقوة والسعادة وحتى الديمقراطية الغربية التي جُربت في كثير من البلدان العربية لا يمكن أن تنجح في البلدان العربية، لأن شروطها ومتطلباتها غير متوفرة، ومن بين هذه الشروط غير المتوفرة الوعي السياسي من جهة، وعدم وجود أحزاب سياسية فعالة وقادرة على خوض الانتخابات بنزاهة، وتسلم الحكم باقتدار بعيدا عن الخصومات والمزاجات الشخصية، هذا مع عدم وجود برامج عملية واضحة متفق عليها تتناول كل مرافق الحياة العامة والسياستين الداخلية والخارجية في كثير من البلدان العربية.
ثانيا: إن أي تغيير أو تعديل أو إصلاح لا يمكن أن يتحقق في ليلة وضحاها، بل لا بد من التأني والصبر، وهذا ما يتطلب اعتماد المرحلية في عملية التنفيذ لأي برامج واضحة وجداول زمنية تحدد الأولويات والنقاط التي لا خلاف عليها بين جميع شرائح المجتمعات للبدء بتنفيذها، ثم بعد ذلك الانطلاق في النقاط والقضايا المختلف فيها. ولا بد في هذا المجال أن يكون هناك تعميم للوعي وتوسيع لنطاق الحوار من المدرسة إلى العمل، إلى الجامعة، إلى المسجد وصولا إلى البيت عرين الشباب الذين تعلق عليهم آمال مستقبل الشعوب العربية.
ثالثا: إن أي إصلاح أو تعديل لا يمكن أن يحقق أهدافه إذا لم يتزامن مع رفع عجلة التنمية الاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية، وحل المشكلات التي أصابت المجتمعات العربية مثل البطالة والتخلف وضعف المناهج والتعليم وعدم مواكبة روح العصر والقوانين المعرقلة للنمو والمبادرة الفردية وحرية العمل والاستثمار والقضاء على الأمية من جذورها، ولا بد من التركيز على دور الشباب في المشاركة في إيجاد الحلول والحوار، لأنهم عماد المستقبل وحملة شعلة الأمل، علما بأنهم يشكلون أكثر من 70 في عدد سكان العالم العربي، ولا بد من توفير فرص عمل لهم وبناء شخصيتهم على أساس التوفيق بين معادلتي العلم والإيمان.
رابعا: أي إصلاح أو تعديل أو تغيير لا يستند إلى مبدأ العدالة وسيادة القانون ومساواة الجميع أمامه لا يمكن أن يحقق أي نجاح بل سيؤدي إلى الفشل والإحباط، فالعدل هو أساس الملك.
خامسا: إن أي إصلاح أو تغيير يجب أن يتم بالتوافق والحوار والتفهم والتفاهم والإعتدال والوسطية وليس بالوسائل غير المشروعة، وقد قاست كثير من الشعوب العربية الأمرين خلال العقود السابقة ودفعت ثمنا باهظا وغاليا.
سادسا: لا يمكن تحقيق أي إصلاح أو تغيير بمعزل عن المحيط العربي، وهذا يتطلب العمل على إصلاح البيت العربي في وقت واحد مع إصلاح البيت الداخلي لكل بلد عربي، وهذا بإتخاذ حلول للقضايا العربية وحل المشكلات والخلافات بين الدول العربية وتحقيق إتحاد عربي وبعده تحقيق تكامل إقتصادي بين المجتمعات العربية.
سابعا: لا بد من الانفتاح على العالم الخارجي بحكمة ومرونة وتعقل انفتاح بأخذ شكل التدرج، حيث تتسارع خطواته مع الدول والمجتمعات القريبة منا والمتفهمة لأوضاعنا ومعرفتنا معرفة جيدة بأننا ندعو إلى المحبة والسلام والمساواة والعدل، فهذا هو الطريق طريق الخروج من النفق المظلم والسبيل الأمثل لعالمنا العربي في هذه المرحلة مرحلة هبوب رياح التغيير0
هل أصبحت الشعوب العربية مقتنعة بالتغيير؟
إن المسيرات التي ظهرت في الشارع العربي، هي تعبير عن المطالبة بتغيير سياسي يعتبر عاملا سياسيا صعبا، وسيكون في المستقبل ضروريا وصعب الاعتراف بالواقع الذي سيرافقه اعتراف قانوني، خاصة وأن القوى الشعبية أصبحت ظاهرة عالمية، وهذا ما يؤدي إلى ظهور منظمات خارج الإطار الشرعي، ويفرض فهما لهذه الظواهر، خاصة وأن هناك تغييرات داخلية ضرورية ومنافسة حميدة مع أنها جاءت متأخرة، ثم إن هذه التحركات جاءت لإثبات الوجود والعمل السياسي، وحتى بالنسبة للجماعات الإسلامية التي كانت أيام أحادية الحزب في البلدان العربية التي تعتبر أنظمة الحزب الواحد والرأي الواحد الذي له حق القول، هو واحد، والآخرون عليهم أن يسمعوا ويوافقوا أو ينافقوا. أما هذه المرحلة، فلا ينجح معها الكبت وإسكات أصوات الشعوب بالقوة بفرض مرحلة جديدة، ونعني بها حشد هذه الشرائح وتوجيهها سياسيا واجتماعيا نحو مرحلة الإصلاح، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإن الدين عقيدة ومناهج يجب أن يحترمه الجميع، والدين والسياسة هما مسألتان عالميتان، والدين يلعب دورا أساسيا في الحياة السياسية، لأن تجربة القضاء على الاتجاه الإسلامي باءت بالفشل، فالإتجاه الإسلامي أصبح مرتكزا على النهضة وأسلوبا للحياة، خاصة وأن الأحزاب الإسلامية هي في حقيقتها أحزاب مدنية بعيدة عن الثغرات الجهوية وحتى الدينية، ثم مطالبة الشارع العربي بالتغيير، الذي أصبح مطلوبا بعدم رفض القوى الشعبية الأخرى أو رفض مشاركة المجتمع في التغيير. كما أن لهذا التغيير وهذه التحركات في الشارع العربي، علاقة بالضغوطات الأمريكية من جهة، والاختلاف القائم بين مصالح الشعوب الإسلامية والأنظمة الحاكمة في هذه البلدان، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإن الإختلاف بين مصالح الشعوب العربية ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية كان سببا في تأخر مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بالتغيير وإحداث الإصلاح، وما على الدول العربية إلا أن تتوب وتعود إلى شعوبها وتسلم لها الأمر لتختار من يقودها ويمثلها بكل حرية، والشيء الملاحظ هو التحركات الكثيرة لوزيرة الخارجية الأمريكية لتمييع ما تعانيه الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق، والمأزق الذي أوقعت نفسها فيه، خاصة وأن الشعب العراقي ضد التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية وضد الهيمنة الأمريكية ذات السياسة التسلطية، ولا يمكن للبيت الأبيض أو الإليزي فرض ضغطهما على الشعوب العربية.
فالشعوب العربية قادرة على إيجاد عقد اجتماعي يجمع أبناء الوطن في بلدهم العربي خاصة، والكل يلاحظ ذلك التغيير الذي حدث في تونس الشقيقة في انتظار دول شقيقة أخرى الداعية إلى الإصلاح وزيادة مؤيديها خاصة التنسيق بين هذه الفئات الاجتماعية والقيام بإصلاح اجتماعي وسياسي واقتصادي وقضائي، لأن التجميد لا يقبل بالتغيير، خاصة وأن في كل دولة جمود وقيادة عجوز لا يمكنها القيام بالتغيير، وإذا ما حاولت القيام بالتغيير فإنها ستحظر في تحركاتها، لأن كل شيء في عالمنا العربي متوقف، هذا في وقت العالم من حولنا غير متجمّد، وحتى إذا أردنا الآن التحرك فإننا سوف نتحرك ببطء وخططنا لا تكون في مستوى تحرّك غيرنا، بل تكون بأقل ما هو ضروري. إن هذا العجز عن الحركة أوجد فجوة دخل منها الغير، لأن الأقدر على الحركة هو الذي يتحرّك، ونحن تركنا الساحة فارغة، فتحرك فيها غيرنا وملأ الفراغ وأصبح يقرر محلنا، هذا النوع من التجمّد منع الحيوية الاجتماعية من الحركة وإيجاد أفكار جديدة وجيل جديد خلال العقود التي مضت، فبقاء زعماء العرب في الحكم لثلاثة عقود أو أكثر كان استمرارا للتجميد، لأن البقاء في الحكم والسلطة أكثر من اللازم، والخوف من التغيير من جهة ثانية، كانا السبب في هذا التجميد وهذا الوضع الذي تعيشه الشعوب، وهذا ما يجعلنا نقول في هذه اللحظة الحرجة التي تعيشها الشعوب العربية ويمكن تسميتها بلخطة التغيير إن:
من شعبية القضية في كل بلد عربي، لأن الشعوب وحدها القادرة على حل مشاكلها ولا تستطيع الأنظمة المعزولة عن شعوبها أن تنهض بمسؤولية تحرير أنفسها وتحرير أراضيها، وعلى رأسها الأرض المقدسة في فلسطين، فالشعوب العربية مفروض عليها في هذه المرحلة إثبات وجودها أمام اليهود وضرورة النهوض بمسؤولياتها0
إلغاء معادلات التبعية: لأنه من المسائل الحادة والمثارة على مسرح قضايانا هي فكرة تبعية قضايانا إلى قوة من القوى الكبرى، وهذه الفكرة تنطلق من هزيمة داخلية ومن عدم التقييم الصحيح لطاقات شعوبنا، إن لم تكن منطلقة من عمالة مطلقة، ومن هنا فمن حق الشعوب العربية اليوم أن تتحرك وتخلص نفسها من قوى الشر وأيدي الأشرار، وأن لا تقعد عن العمل حتى يقوم آخرون من الخارج بتخليصها، إذن فلا بد أن تتحوّل من الخوف إلى الشجاعة ومن اليأس إلى الإطمئنان، ومن التفكير في الذات إلى التفكير في المصلحة العليا للأمة العربية، ومن التفرقة إلى التجمع، وهذا التغيير الإعجازي يؤدي إلى حل مشاكلنا الكبرى التي أجمع الأعداء على استحالة حلها0
لا خوف من العزلة: العزلة عن القوى الاستعمارية تؤدي إلى نمو شخصيتنا العربية وقطع تبعيتنا لغيرنا والاعتماد على أنفسنا في استمداد العزم منها، لأننا إن لم نعتمد على أنفسنا، فإن فخ الدول الاستعمارية سيطبق علينا إلى الأبد، ومن هنا فلا بد من استمداد العزم من أنفسنا للقضاء على الهيمنة الاستعمارية0
الوحدة مقدمة ضرورية: الأمة المتفرقة والشعوب المتنافرة غير قادرة على أن تعمل أي شيء، فهذه المسألة البديهية هي أهم خطوة عن طريق تحرر شعوبنا العربية من البراثن الاستعمارية، مع أن مقدمة الوحدة موجودة بأجمعها بين أبناء الشعوب العربية، غير أن الموانع المتمثلة في الدرجة الأولى بالأنظمة الحاكمة التي تحول دون تحقيق هذه الوحدة، فهذه الأنظمة تعيش في صراع مع بعضها بسبب انتماأتها الاستعمارية المختلفة وخضوعها لألاعيب السياسة الدولية المخادعة، مما أدى بها إلى هذه الحالة المزرية التي تعيشها شعوبها الثائرة اليوم. كما أن هذه الأنظمة أصبحت اليوم تعيش في صراع مع شعوبها بسبب انفصالها عن الجماهير وابتعادها عن آمال شعوبها وآلامها، وأن ما أصابنا له سببان هما:
مشكلة الدول العربية مع بعضها، ومع الأسف لم تستطع هذه الدول أن تجد حلا لها ولخلافاتها، بينما يعرف الجميع أن هذه المشاكل ناتجة عن هذه الخلافات0
الانفصال بين الجماهير والحكومات، لأن الحكومات تعاملت مع الجماهير بطريقة تخلت معها الجماهير عن دعم الحكومات، فمن المفترض أن تحل المشاكل بيد الشعوب، ولكن انعدام الثقة والتفاهم بينها أدى إلى تفاقم مشاكل الدول العربية وجعل شعوبها بعيدة عن تحمّل أعباء هذه المشاكل لعدة عقود.
رفض مؤامرات المماطلات السياسية: القضايا العربية إذا ما أصيبت بالألاعيب والمماطلات السياسية هذه في أزقة عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة والمؤتمرات والمحادثات والاجتماعات والخطابات إلا بالعمالة والخيانة التي إتصف بها بعض ملوك ورؤساء هذه الدول، وهذا ما جعل صبر الشعوب ينفذ وأصبحت ثائرة على قياداتها في بعض البلدان العربية، ومازالت الأيام والشهور والسنون ستكشف الكثير من المستور0
رياح التغيير تهب على العالم العربي:
أغلب ظني أن ما يجري في بعض بلدان العالم العربي هذه الأيام يمكن أن يكون جرعة من مصل يزيد الشعوب العربية حصانة لرفض كل أنواع حكم الفرد ويضاعف من حصانتها للتمسك بأن حكما ديمقراطيا تكون السيادة فيه للشعب وتكون حرية الإرادة والفكر والتعبير حقا مقدسا لكل مواطن لا يتعدى عليها أحد ولا يصادرها أحد، وفي ظني كمواطن عربي أن أي شعب مهما كان حظه من التقدم والنضج، يمكن أن يتعرّض في مرحلة من مراحل تاريخه لتجربة أو تجارب تسلب فيها الحرية باسم الحرية وتغيب فيها الديمقراطية باسم الديمقراطية، وتكتب فيها إرادة الشعوب باسم إرادة الشعوب، حدث هذا في كثير من البلدان منها فرنسا البلد الذي استعمر فترة قصيرة بعد ثورتها الشعبية، ثم بعد ذلك استعاد الشعب الفرنسي وعيه واستخلص إرادته، ولم تعد تلك السنين أكثر من ذكريات سوداء في تاريخ الشعب الفرنسي، ومجرد جرعة من مصل تعصمه من أي انزلاق آخر، وحدث هذا أيضا في بلد كألمانيا مع ما يتمع به شعبها من حضارة وتقدم أيام "هتلز' ثم آفاق الشعب الألماني بعد الكارثة، وخرج يبني بلده من جديد في ظل ديمقراطية حقيقية جعلت منه خلال عدة سنوات إحدى القوى الاقتصادية والصناعية الكبرى في العالم، ومثل فرنسا وألمانيا بلدان كثيرة أوروبية وعربية إلا أن الشعوب الأوروبية قد أفاقت بعد الكوارث التي أصابتها، أما البلدان العربية فلا زالت تئن تحت هذه الكوارث. وفي ظني أن الشعوب العربية، وربما على ثقة بأنها ستكون السباقة إلى هذه الاستفاقة، وستكون مثالا لبقية شعوب العالم الأخرى كما كانت السباقة إلى إعطاء القدوة في التحرر والاستقلال، والأيام القادمة ستكشف عن هذا. لذا، أقل هذا عن ثقة وليس مجرد تمني أن تجربة الشعوب العربية تصلح أن تكون جرعة من مصل تقود شعوب عالمنا العربي إلى أملها في غد مشرق بدلا من أن تجره إلى هاوية اليأس أو خطيئة اللامبالاة، مع أنني أعلم أن الكثير من أبناء الوطن العربي تحت ضغط الحملات الإعلامية المكثفة والموجة العربية والعالمية. قد أوشكوا أن يفقدوا الأمل في جدوى الإصلاح بالنظام الديمقراطي، وراح البعض من هؤلاء يمد بصره إلى الماضي السحيق أو الغرب البعيد باحثا عن وصفة تحقق آمال الشعوب العربية، وتوقف تيار التدهور والانحطاط الذي تنحدر إليه يوما بعد يوم.
لكنني مازلت على ثقة بأن الأمر لا يحتاج إلى بعث تجارب الماضي، والتعلق بأفكار لا تصلح أكثر من مادة للجدل النظري، فإذا وضعت موضع التطبيق الفعلي تهاوت وفشلت أمام واقع الحياة وواقع التطور، ثم إن الأمر في رأيي لا يحتاج لأكثر من شيء من المنطق يقود أبناء العالم العربي إلى مناقشة حرة وواعية وتحليل عقلاني يصل بهم في النهاية إلى وضع أساس متين وواقعي يقوم عليه بناء ثابت ومستقر بعد أن غاب المنطق أكثر من خمسة عقود من الزمن وغابت معه الحقيقة، شريطة أن تتحرر من خطأ الدعاوي الزائفة التي تروّج من طرف الكثير من أنصاف المثقفين بأن المستوى الثقافي والحضاري للشعوب العربية لا يسمح لها بتطبيق النظام الديمقراطي الكامل، بأن تطبقه دفعة واحدة، إنما لا بد أن يكون هناك ارتباط في المسؤولية، فيكون المنفذون مسؤولون لدى المشرعين، وهؤلاء مسؤولون لدى الشعوب على أن تعرف الشعوب العربية بأنها صاحبة الشأن كله، وتعرف أن تراقب وأن تتقاضى الحساب، هذا مع التأكيد على أن الحرية السياسية هي الشرط الأول لبناء الشخصية السوية القادرة على النهوض من الكبوة الحضارية التي تحياها الشعوب العربية في الوقت الراهن، وهذا معناه أن الحرية السياسية هي الضمان الجوهري للخروج من محنتي التخلف والتبعية، وهي أساس العودة إلى الذات. كما أن عملية التطور والتقدم لا يمكن تحقيقها في غياب احترام حقوق الإنسان العربي، وذلك أن الإنسان العربي هو قطب الرحى الذي تدور حوله كل الأهداف وتحقق من أجله كل المنجزات، وتعد في سبيل تكوينه وتنشئته وإعداده مختلف الخطط والبرامج والمناهج، تلك هي الحقيقة التي يجب أن يعلمها كل مسؤول في العالم العربي، وأن يؤديها كل عربي ويعمل في ضوئها، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، لا ننسى بأن الإنسان هو أداة التنمية وصانعها، وهو إلى جانب ذلك هدفها وغايتها، وبقدر ما تتمكن التنمية بمختلف أساليبها ووسائلها من توفير الحياة الكريمة للفرد والمجتمع، بقدر ما تكون تنمية ناجحة جديرة بأن يسعد القائمون عليها ويفخروا بنتائجها الجيدة ويعتزوا بآثارها الطيبة، ذلك ما يجب أن يؤمن كل عربي ويسعى إلى تحقيقه دائما على أن تكون بداية الانطلاق في السير بخطى واثقة قادرة على طي المسافات وقطع المراحل والانتقال من نصر إلى آخر، ومن إنجاز إلى آخر تحقيقا لآمال أبناء العالم العربي وضرب الأمثلة في كل مناطق العالم العربي بالمواقف الشجاعة والسياسة الناجعة والممارسة الواعية على كافة المستويات، وبفضل توفير الإرادة الصلبة والفكر المستنير من أجل نهضة عربية حديثة عبر تضافر الجهود بين أبناء العالم العربي المخلص تتخللها في الواقع تضحيات كبيرة ومعاناة شاقة لتجاوز مرحلة البداية بكل تحدياتها ومشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية والإقليمية والدولية. وهكذا، فخلال سنوات معدودة يستطيع العالم العربي ءإن شاء اللهء أن يتخطى أسوار العزلة وفجوات التخلف وعقبات الصراع والتنافس الدولي في واحدة من أكثر مناطق العالم أهمية، منطقة الشرق الأوسط، ويتمكن هذا العالم أن يشكل عناصر قوة عصرية فاعلة تنهض على سواعد أبنائه، ويشعر فيها المواطن العربي بدوره وإسهامه في البناء الوطني وفي عالمه العربي من ناحية، وبثقة في يومه وغده ومستقبل أبنائه من ناحية ثانية، فضلا عن استعادة مكانة العالم العربي في المحافل الدولية وبين الأمم والشعوب، وهذا ما يوجب على أبناء العالم العربي الارتكاز على رؤية استراتيجية متكاملة تنصهر فيها عناصر القوة الكامنة في الشخصية العربية مع عوامل القوة بالغة الأهمية في التاريخ والحضارة والتراث العربي.
وفي هذا الإطار، تتفاعل الجهود وتلتقي الأيدي العربية في وحدة عربية قوية وصلبة يشد عودها ويشيّد بنيانها رجال مخلصون، وهنا ستتجلى عبقرية أبناء العالم العربي المخلصين في المساهمة والمشاركة والعطاء والإبداع، وتحمّل المسؤولية العربية وإرساء قواعد المشاركة العربية المستمرة والواسعة النطاق في مسؤولية البناء، حيث تصبح الدول العربية وشعوبها كالجسد الواحد، إذا اختل منه عضو إختل الجسد كله، لذا يجب أن يهدف أبناء العرب إلى أن تكون خطتهم في الداخل بناء بلدانهم العربية ويوفرون لجميع شعوبهم الحياة المرفهة والعيش الكريم، وهذه غاية لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق مشاركة أبناء العالم العربي في تحمّل أعباء المسؤولية ومهمة البناء مع فتح الأبواب للمواطنين في العالم العربي للوصول إلى هذه الغاية، هذا مع العمل على تثبيت حكم ديمقراطي عادل في كل البلدان العربية، وفي إطار الواقع العربي، وحسب التعاليم والثوابت العربية التي تنير السبيل دائما، فعبر هذه الرؤية الاستراتيجية المبكرة اليوم تتكرس وتستمر وتتسع عملية المشاركة والدور الذي يلعبه أبناء العالم العربي في عملية البناء والتنمية وتوجيهها وتحقيقا لمزيد من فعالية هذه المشاركة وزيادة آثارها، يجب أن يحظى المواطن العربي برعاية واسعة النطاق تعليميا وثقافيا واجتماعيا، وفي مختلف المجالات كذلك، ليكون قادرا على القيام بدوره كشريك في عملية البناء العربي.
وهكذا يجب أن تمضي كل خطوات العمل جنبا إلى جنب في جهود متوازنة ومنتظمة في مجالات التنمية المختلفة لتحقيق المزيد من البناء والتطوير ولتعزيز نعمة الأمن والأمان لهذه الشعوب الأبية التي تعتز بماضيها العريق وتتباهى بحاضرها المشرق، وتخطو بثقة وتفاؤل نحو مستقبلها الواعد المضيء في ظل الرعاية الكريمة والعناية السامية، لأن الهدف الأول والأخير اليوم هو أن نبني بلداننا العربية ونوفر لجميع أهالينا الحياة المرفهة والعيش الكريم، وهذه غاية لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق مشاركة كل أبناء العرب في تحمّل أعباء المسؤولية ومهمة البناء، وفي الأخير يمكن القول أن بناء الوطن العربي في حاجة إلى عمل أكبر وجهد أكثر وتفان في خدمة العالم العربي أشد وأظهر، فالعالم العربي في حاجة إلى المزيد من البذل والعطاء والتضحية والعمل الجاد المثمر البناء من قبل الشباب العربي المتشوق إلى آفاق المجد، وهو مدعو اليوم أن يتخذ من أجداده الميامين قدوة طيبة في الجد والعمل والصبر والمثابرة، كما أنه مطالب بأن يسهم بقدر طاقته في إيجاد البيئة الملائمة والنزيهة الصالحة للإنطلاق نحو المستقبل الواعد الذي يتطلع إليه0


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.